على مدى أسبوعين، تعطلت مئات السيارات في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الدولي، نتيجة تعبئتها بوقود مغشوش تم ضخه في قواطر النفط ومن ثم إلى المحطات دون استيفاء شروط ومعايير فحص الوقود قبل نقله. ويشكو المواطنون من تعطل مركباتهم بعد استخدام بترول من محطات رسمية، وسط تكتم شديد من قبل شركة النفط اليمنية في صنعاء عن الأمر، وغياب تام لسلطات مليشيا الحوثي الإرهابية.
- شهادات متضررين: المواطن يوسف الهمداني، أحد المتضررين في القضية، يقول "كنت أعتمد على سيارتي في تنقلاتي اليومية، لكن بعد تعبئتها بالوقود من محطة الزراعة والنفط في صنعاء، بدأت أعاني من مشاكل في المحرك".
ويضيف الهمداني، في شهادة ل"الصحوة نت": "في البداية، كنت أظن أنه مجرد عطل بسيط في السيارة، لكن بعد مراجعة عدة ورش في العاصمة، أكد لي الميكانيكيون أن الوقود المغشوش هو السبب".
ويتابع "اضطررت إلى دفع ما يقارب 430 ألف ريال قديم، لإصلاح الأضرار، ورغم ذلك، لا تزال السيارة لا تعمل بكفاءتها السابقة. نحن كضحايا لا نعلم من نحاسب، فالمحطات تبرئ نفسها، والجهات المعنية تلتزم الصمت، بينما ندفع نحن الثمن".
وفي شهادة للمواطن أنور الحيمي، وهو متضرر آخر في العاصمة صنعاء، يقول: "أصبحنا نخاف من تعبئة الوقود أكثر من خشيتنا من نفاده"، موضحًا أن هذا هو حال المواطنين في العاصمة صنعاء وبقية المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مع الوقود المغشوش في المحطات.
وكتب الحيمي في صفحته على فيسبوك: "دخلت اليوم أعبي بترول من المحطة وأنا قلق. سألت العامل في المحطة وحلفته بالله أن يقول الحقيقة، لكنه تهرب وقال إنه مجرد موظف لا علاقة له، ثم بدأ يشتكي من شركة النفط. عبيت السيارة وأنا متوجس، ولم تمضِ دقائق حتى بدأ المحرك يهتز ويتقطع، ثم توقفت السيارة تمامًا".
وأضاف "كنت في شمال العاصمة ومعي أسرتي، السيارة مليئة والشارع شبه فارغ، والمشوار الذي يفترض أن يستغرق 25 دقيقة استغرق أكثر من ساعة بسبب الأعطال المتكررة".
- مصدر الوقود المغشوش وآلية توزيعه: تكشف معلومات خاصة عن قيام شركة النفط التابعة للحوثيين بخلط بترول سليم ببقايا البترول الذي تعرض للحريق والحرارة في خزانات ميناء الحديدة، عقب استهدافها من قبل طيران الكيان الإسرائيلي.
يؤكد خبراء ميكانيكيون أن خلط البترول القديم بالبترول المحروق تسبب في ظاهرة تُعرف بالفصل الطبقي، حيث أصبح البترول التالف أثقل وترسب في الأسفل، بينما ظل البترول السليم في الأعلى.
وأوضح الخبير في أنظمة التوجيه والقيادة الذاتية، أيمن هازع، أن كميات كبيرة من الوقود لم تحترق ولكنها تعرضت للحرارة العالية، مما أفقده أهم خصائصه الكيميائية، حيث تطايرت المركبات الخفيفة المسؤولة عن كفاءته، فأصبح أقل طاقة وضعيف الاحتراق.
وأضاف هازع أن الوقود المتبقي أصبح مليئًا بجزيئات تغيرت تركيبتها الكيميائية، مما يؤدي إلى انسداد البخاخات وتآكل المحرك، إضافة إلى تغير كثافته ولزوجته، ما يسبب احتراقًا غير منتظم ومشاكل في الأداء.
وحول سبب تعطل بعض المركبات، لفت إلى أن السيارات التي تم تعبئتها بالوقود في البداية أخذت من الطبقة السليمة وعملت بشكل طبيعي، في حين تعطلت السيارات التي تم تعبئتها لاحقًا من الطبقة التالفة.
كما حذر هازع من أن المشكلة لا تزال قائمة حتى اللحظة، ومن المحتمل أن تستمر لفترة طويلة، مشيرًا إلى أن أغلب المحطات التي استلمت هذه الكميات لا يزال في خزاناتها بترول تالف.
- مصدر آخر للوقود المغشوش: كشف الصحفي بسيم جناني عن معلومات تفيد بأن آخر ناقلة بترول وصلت إلى محافظة الحديدة هي الناقلة "LOVE"، حيث وصلت إلى غاطس رأس عيسى في 26 ديسمبر 2024 وعلى متنها 60.639 طنًا من البترول. وتعد هذه الكمية الأكبر التي دخلت اليمن في السنوات الأخيرة.
وأضاف جناني، في منشور على فيسبوك، أنه في 20 فبراير 2025، بدأت السفينة الربط في الرصيف للتفريغ، وبسبب عدم توفر خزانات تخزين، تم ضخ الوقود مباشرة إلى السوق عبر القاطرات، مما تسبب في المشكلة التي واجهها المستهلكون خلال الأسبوعين الماضيين.
وأشار إلى أن الوكيل الملاحي لهذه الناقلة هي شركة "تاج أوسكار"، وهي شركة تابعة للوبي داخل شركة النفط الحوثية، استغلوا تدمير منشآت النفط ومختبراتها لإدخال الكمية المغشوشة وضخها للسوق، مما أدى إلى تعطيل مئات المركبات وخسائر مادية كبيرة للمواطنين.
وتابع جناني بأن الناقلة "Palm"، والتي تحمل 37.602 طن من البترول، تتواجد حاليًا في غاطس رأس عيسى بالحديدة، وهي تابعة لنفس الشركة الملاحية التي استوردت البترول المغشوش. وأكد أن هذه الناقلة تنتظر دورها للدخول إلى رصيف رأس عيسى للتفريغ، مما يعني استمرار الأزمة لفترة طويلة.
وقبل يومين، قامت سلطات المليشيا بإدخال الناقلة Palm إلى رصيف رأس عيسى، وهي تتبع شركة الناقلة Love "تاج أوسكار" ذات البترول المغشوش ووصلت بمعيتها للغاطس بنفس الفترة؛ ليأتي قرار تفريغ البترول من الناقلة Palm وضخه للسوق إبتداءً من اليوم السبت 5 أبريل.
- غياب الرقابة والمحاسبة: ورغم مرور أكثر من أسبوعين على أزمة الوقود المغشوش، لا تزال شركة النفط التابعة لمليشيا الحوثي تتجاهل القضية، بينما يخسر المواطنون أموالهم في إصلاح مركباتهم المتضررة وتعطل أعمالهم.
كما أغلقت الشركة قنوات الشكاوى في مواقعها الإلكترونية، حيث قامت بتحويل خطوط أرقامها، فيما تطلب عبر "واتساب" بيانات شخصية من المشتكين بدلًا من التركيز على تفاصيل الأعطال والمحطات المخالفة.
وبينما لا يزال المواطنون يواجهون خسائر مادية فادحة بسبب تعطل مركباتهم، تستمر عمليات ضخ الوقود المغشوش في المحطات، ما يهدد بتفاقم الأزمة لفترة طويلة، في ظل غياب أي تحركات جدية من قبل مليشيا الحوثي لمعالجة المشكلة أو تعويض المتضررين.