مع الإصلاح في ثباته ومواقفه    التجمع اليمني للإصلاح: 35 عاماً من التأثير الفاعل في صنع التحولات    الإصلاح.. مسيرة نضال    مجلس الأمن يدين احتجاز الحوثيين 21 من موظفي الأمم المتحدة ويطالب بالافراج الفوري عنهم    مجلس الأمن يدين الهجوم الإسرائيلي على الدوحة و يؤكد دعمه القوي لسيادة قطر    اتحاد جدة يهزم الفتح برباعية ويتصدر ترتيب دوري روشن السعودي    ايمري يصف مارتينيز بأفضل حارس في العالم    الدوري الاسباني : التعادل الايجابي ينهي مواجهة إشبيلية والتشي    حين احتملنا ما لا يحتمله جبل    حين احتملنا ما لا يحتمله جبل    بعد غياب 4 سنوات.. أحمد حلمي يعود إلى السينما بفيلم جديد    الأمم المتحدة تعتمد بأغلبية ساحقة قرارا يؤيد "إعلان نيويورك بشأن تنفيذ حل الدولتين"    جريمة هزت إب .. شاب يقتل اخر في الجعاشن ويعتدي بالسلاح الأبيض على والديه    القيادي في الإصلاح الشهيد الشجينة "أبو الأيتام" ورائد العمل الإنساني في عدن    تسجيل هزة أرضية في محافظة تعز    بن حبريش: الحكومة مسؤولة عن الكهرباء وليس قطاعاتنا القبلية    عمران تستنفر في 120 ساحة وتؤكد جاهزيتَها لردع العربدة الصهيوأمريكية    وزارة التجارة والصناعة تعلن شطب قرابة ألفي علامة ووكالة تجارية    في كلمة بذكرى تأسيس الحزب.. رئيس الإصلاح يطرح مبادرة لشراكة سياسية بعد إنهاء انقلاب الحوثيين حتى تتعافى البلاد    استعادة الجنوب: بوصلة المصالح الحقيقية وقضية الاستقلال الأبدية    الانتظار الطويل    شباب المعافر مفاجأة بطولة بيسان بتعز..    العدوان على المؤسسات الإعلامية في اليمن جريمة تكشف إفلاس الاحتلال    الداخلية تكشف ملابسات جريمة قتل في المخادر    اليمن كل اليمن    قوات حرس المنشآت توزع الحقائب على طلاب عدن وأبين    فريق الصمود يحقق لقب بطولة الرسول الأعظم في شرعب الرونة بتعز    جاك غريليش يفوز بجائزة أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي    عودة حميدة للمجلس الانتقالي الذي نعرفه    بداية ضعيفة لاقتصاد بريطانيا في النصف الثاني من 2025    قراصنة يتصلون بوزير الحرب الإسرائيلي وينشرون لقطة شاشة للمحادثة ويهددونه بالقتل    الشراكة الخائنة: كيف تُسرق إيرادات الجنوب لتمويل أعداءه؟    كأس ديفيز.. شتروف يخوض أولى مباريات ألمانيا    مع إغلاق الانتقالات.. 11 سعوديا بلا أندية    35عاما في مدرسة الإصلاح    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    فرنسا وألمانيا تعززان الدفاع الجوي لبولندا بعد اختراق مسيّرات أجواءها    انتشال جثتي مواطنين سقطا داخل بئر في تعز    تمرد بن حبريش.. خنجر في خاصرة التنمية بحضرموت    ارتفاع ضحايا الغارات الاسرائيلية على صنعاء والجوف    توقف مصنع سجائر محلية الصنع وسط انتشار انواع من السجائر المهربة    تدشين توزيع مادتي الديزل والاسمنت لدعم المبادرات المجتمعية في مأرب    "عربدة "    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    مركز الهدهد يدين العدوان الصهيوني على المتحف الوطني بصنعاء    "القسام" تدعو الأمة للتضرع إلى الله الليلة لاستمطار الفرج لأهل غزة    الارياني: عودة 16 قطعة أثرية إلى اليمن تتويج لجهود حكومية ودبلوماسية    هيومن رايتس: صحفيو اليمن يتعرضون لانتهاكات جسيمة وندعو للالتزام بحماية حرية الصحافة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إصلاحيون على العهد    عدن .. أزمة السيولة بين قرارات البنك المركزي وعجز الحكومة عن صرف المرتبات    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور مركز اللغة السقطرية للدراسات والبحوث    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    العثور على مدفن عمره 5500 عام في ياقوتيا الروسية    تعز.. حملة ميدانية لإغلاق شركات الأدوية المخالفة للتسعيرة الجديدة    مرض الفشل الكلوي (20)    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح في ذكراه ال35.. يرسخ انتمائه للوطن ويطرح "ميثاق شرف جامع"
نشر في الصحوة نت يوم 12 - 09 - 2025

يحتفي التجمع اليمني للإصلاح بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه، باعتباره إحدى منارات البناء الديمقراطي في اليمن. وبهذه المناسبة، ألقى رئيس الهيئة العليا، الأستاذ محمد اليدومي، كلمة جدّد فيها التأكيد على ثوابت الحزب ورؤيته للمستقبل.
تميزت الكلمة بطابع استشرافي وواقعي؛ إذ لم تقتصر على استعراض مسيرة الحزب، بل انطلقت منها لتقديم رؤية متجددة ومسؤولة للمشهد السياسي في البلاد. وجاءت في ظرف دقيق يواجه فيه مجلس القيادة الرئاسي والحكومة تحديات بالغة، ما يجعل الكلمة أشبه بمبادرة استراتيجية من الإصلاح لكسر حالة الجمود السياسي، وإعادة تموضعه كقوة فاعلة تحمل مشروع بناء الدولة.
وتكمن القيمة الجوهرية في الكلمة في تقديم الإصلاح كقوة سياسية محورية، تطرح حلولًا عملية لأبرز التحديات التي تواجه الشرعية، عبر مبادرات مثل "ميثاق الشرف السياسي" والعدالة الانتقالية، مع تأكيد واضح على استقلالية القرار الحزبي وهويته اليمنية الصرفة، وتركيزه على توحيد الصف الوطني، ورفض التطرف والتبعية الخارجية.
تتركز الكلمة على ثلاثة محاور رئيسية مترابطة: الأول، سياسي ووطني، يؤكد على الثوابت التاريخية للشعب اليمني ومكتسباته الثورية، ويقترح آليات للشراكة والمصالحة. الثاني، اقتصادي وإصلاحي، يدعم جهود الحكومة الشرعية في معالجة الأوضاع المعيشية، ويدعو إلى مكافحة الفساد وتوحيد جهود الدولة للقضاء على الانقلاب. الثالث، خارجي، يعيد التأكيد على الهوية الوطنية والندية والشراكة مع الخارج لخدمة الموقف الوطني.
الهوية الوطنية الجمهورية
سعت كلمة رئيس الهيئة العليا إلى ترسيخ الهوية الوطنية للتجمع اليمني للإصلاح من خلال ربط نشأته بمسار نضال الشعب اليمني عبر التاريخ. فقد استُهل خطاب التأسيس للذكرى ال35، مقروناً بذكرى الثورات اليمنية الكبرى: 26 سبتمبر، و14أكتوبر، و30 نوفمبر. هذا الربط يعكس حرصاً على تأكيد أن الحزب انبثق من صميم النضال الوطني ضد الإمامة والاستعمار، وأنه يتبنى القيم التي ضحى اليمنيون من أجلها، مثل التحرر من "العبودية الكهنوتية السلالية" و"الاستبداد" و"الاستعمار".
ويتوافق هذا التوجه مع الخطاب السياسي للحزب الذي يكرر التأكيد على أن النظام الجمهوري هو الخيار الأمثل لضمان الاستقرار، وأن أي عودة عنه أو التفريط فيه أمر غير ممكن. كما يعزز خطاب الأستاذ اليدومي موقف الحزب بتجديد التأكيد على الوحدة اليمنية باعتبارها أعظم منجز وركيزة أساسية للأمن والاستقرار. مشدداً إلى رؤية التجمع أن القضية الجنوبية هي محور أساسي في أي تسوية وطنية. ويعتقد أن معالجتها يجب أن تستند إلى مخرجات الحوار الوطني الشامل، التي تدعو إلى بناء دولة اتحادية تضمن الشراكة العادلة في السلطة والثروة.
إن هذا الطرح يمثل مقاربة وطنية عميقة، حيث يجدد الإصلاح تأكيد نفسه كحارس للمكتسبات الوطنية التي يرى أنها تواجه تهديداً وجودياً من قبل ميليشيات الحوثي الإرهابية التي تسعى لتفريغ الهوية اليمنية من محتواها الجمهوري وإحياء مشروع الإمامة. وبذلك فإن الخطاب لا يهدف للدفاع عن مواقف الحزب، بل استعادة السردية الوطنية وتأكيد أن نضال الحزب جزء لا يتجزأ من نضال الشعب اليمني ككل مؤكداً مراراً على أن "العمل المشترك هو القوة الرافعة التي ستمكننا جميعاً من استعادة الدولة وإنهاء انقلاب ميليشيات الحوثي الإرهابية"-كما تقول كلمة ذكرى التأسيس.
مبادرة "ميثاق الشرف السياسي"
وتحت هذه الرؤية وبناء على دور الإصلاح منذ التأسيس، دعا إلى مصالحة وطنية شاملة لتجاوز آثار الصراعات الماضية، والتركيز على مواجهة الانقلاب. ويقترح أن تُخضع القضايا بعد ذلك لمسار العدالة الانتقالية.
ولذلك قدمت كلمة الأستاذ محمد اليدومي مبادرة الحزب "إلى كافة القوى السياسية الوطنية دون استثناء، لتبني ميثاق شرف سياسي، يقضي بألا تُحكم البلاد بعد إسقاط انقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران إلا بالشراكة والتوافق، لعدة سنوات قادمة، وإلى أن يستعيد البلد عافيته، ومن ثمَّ، الترتيب والتهيئة لإجراء انتخابات عامة، في إطار توافق وطني سياسي شامل".
هذه المبادرة تنبع من إيمان راسخ لدى الحزب بأن "الشراكة الوطنية هي السبيل الوحيد لتحقيق أهدافنا المشتركة"-كما قالت كلمة التأسيس. وتتناغم مع ثوابت الحزب، والتي طالما شددت على أن التعددية السياسية ليست مجرد تعدد أصوات أو قوى، بل هي عملية "إسهام ومشاركة وتنافس" في خدمة المجتمع وصيانة وحدته.
ومن هذا المنطلق، يبرز البعد العملي للمبادرة باعتبارها محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين المكونات المناهضة للانقلاب، إذ لا يقتصر التحدي على مواجهة المشروع الحوثي عسكرياً، بل يتعداه إلى مواجهة التشرذم السياسي وانعدام الثقة الذي طالما أعاق الفاعلية الوطنية.
إن طرح ميثاق شرف يربط هذه المكونات بمسؤولية مشتركة تجاه إدارة الدولة يهدف إلى توحيد الصفوف وتفعيل مؤسسات الشرعية. ويعكس قناعة راسخة لدى الإصلاح بأن الشراكة الوطنية ليست خياراً ظرفياً، بل هي السبيل الوحيد لضمان تحقيق الأهداف المشتركة واستعادة مؤسسات الدولة وبناء نظام سياسي مستقر بعد الحرب.
يُمثل "طرح ميثاق شرف جامع" خطوة بنيوية تهدف إلى تحميل جميع الأطراف مسؤولية مشتركة في إدارة الدولة خلال المرحلة الانتقالية، بما يسهم في توحيد الصفوف وتفعيل مؤسسات الشرعية، ويضع الإصلاح في موقع "القوة الفكرية والتنظيمية" القادرة على تقديم حلول هيكلية للمشكلات الجوهرية للتحالفات الوطنية.
وبهذا، لا تبدو المبادرة مجرد رد فعل على اللحظة السياسية، بل تعكس رؤية استراتيجية تتوخى تجنيب البلاد الدخول في دوامة صراعات جديدة على السلطة، وتعمل على توفير ضمانات لاستقرار المرحلة الانتقالية، بما يتيح التفرغ لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها.
ومن هنا تتجاوز قيمة المبادرة بعدها السياسي المباشر لتكتسب بعداً استراتيجياً أشمل في سياق التفكير بمستقبل الدولة اليمنية بعد الحرب. لذلك من المهم يكون ميثاق الشرف السياسي مصحوباً بآليات تنفيذ صارمة تضمن الالتزام به.
المصالحة الوطنية
تُظهر مبادرة "ميثاق الشرف السياسي" التي طرحها رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، الأستاذ محمد اليدومي، تحولاً لافتاً في طبيعة الخطاب السياسي للحزب من مستوى المواجهة المباشرة للانقلاب الحوثي إلى مستوى أوسع يتصل بإعادة بناء المنظومة الوطنية بعد الصراع.
ففي سياق هذا الطرح، دعا الإصلاح إلى مصالحة وطنية شاملة تتجاوز آثار الصراعات الماضية، مؤكداً أن معالجة القضايا الخلافية ينبغي أن تُرحّل إلى مسار العدالة الانتقالية بوصفه الإطار الأكثر عدلاً وفعالية لضمان عدم تكرار النزاعات.
حيث يقترح أن تخضع أي قضايا عالقة ل"مسار العدالة الانتقالية التصالحية" الذي يهدف لمعالجة المظالم وجبر الضرر وبناء الثقة. يُقدم الإصلاح فهماً متقدماً لآليات الانتقال من حالة الحرب إلى حالة الاستقرار الدائم بعد انهاء الانقلاب، حيث أن الحل العسكري أو السياسي وحده لا يكفي لتجاوز الانقسامات والخلافات العميقة التي تأثر بها المجتمع.
تتسق هذه الرؤية مع أدبيات التجمع اليمني للإصلاح التي تؤكد على قيمة "اللحمة المجتمعية" ورفض "التعصب العنصري والطائفي"، حيث يبرز الخطاب أن المصالحة الوطنية تمثل أولوية قصوى في مواجهة الانقلاب، وهو ما يعكس تقديم الحزب للمصلحة العامة على الخلافات السياسية السابقة.
كما أن تبني مبدأ العدالة الانتقالية يُظهر أن الإصلاح لا يسعى لتصفية حسابات الماضي، بل يعمل على تأسيس بيئة قانونية ومجتمعية قادرة على منع تكرار الصراع، ما يجعله في موقع القوى السياسية التي تفكر في معالجة الجذور لا في ملامسة السطح. وأن اسقاط الانقلاب ليس غاية آنية بل تمتد رؤيته نحو معالجة الجذور العميقة، وتهيئة الأرضية لبناء مجتمع متصالح ومتماسك قائم على الاستقرار المستدام-كما تشير كلمة الأستاذ اليدومي.
وما يزيد من أهمية المبادرة مع ورد في كلمة رئيس الهيئة العليا: نجدد التأكيد على أهمية استكمال مسار الحوار مع كافة المكونات التي لم تشارك في الحوار الوطني، بما يفضي إلى بلورة رؤية وطنية جامعة تعزز التوافق حول مختلف القضايا والاستحقاقات الوطنية ويضمن الحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها، ووحدة وسلامة أراضيها. هذا البعد يكشف عن وعي إصلاحي باستيعاب التحولات الاجتماعية والسياسية التي أفرزتها سنوات الحرب، وإدراك لأهمية دمج القوى الصاعدة في إطار وطني يحافظ على الدولة ككيان جامع.
وبذلك، فإن "ميثاق الشرف السياسي" لا يقتصر على كونه مبادرة ظرفية لمواجهة الانقلاب، بل يمثل تصوراً استراتيجياً لإعادة إنتاج السياسة في اليمن على أساس الشراكة، التوافق، والعدالة التصالحية، بما يمنح الخطاب الإصلاحي بعداً هيكلياً يتجاوز اللحظة السياسية نحو رسم ملامح مشروع وطني جامع لما بعد الحرب.
الرؤية الاقتصادية والإصلاحية
تبرز الرؤية الاقتصادية والإصلاحية في خطاب التجمع اليمني للإصلاح، كما جاءت في كلمة الأستاذ محمد اليدومي، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المشروع الوطني الأشمل لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة. إذ لا تتعامل مع المعركة الوطنية باعتبارها ذات بعد عسكري وسياسي فحسب، بل يؤكد "على أنها تتطلب المضي في مسارات متوازية"، تجمع توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، والإصلاحات الاقتصادية وتحسين الخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطنين.
ودعت كلمة رئيس الهيئة العليا إلى توحيد كافة التشكيلات العسكرية تحت إطار وزارتي الدفاع والداخلية: نجدد تأكيدنا على ان مصلحة الوطن والدولة تتطلب توحيد التشكيلات العسكرية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية، وتوحيد مرتبات منتسبيها. هنا يتجلى البعد المؤسسي إذ يعكس تأكيداً للإصلاح بصفته حزباً سياسياً مدنياً بأهمية احتكار الدولة للقوة الشرعية، وتفكيك أي بنى عسكرية موازية قد تتحول مستقبلاً إلى مليشيات مستقلة تهدد وحدة الدولة وتكرّس الانقسام. بهذا المعنى، يجمع الخطاب بين الدعوة إلى إصلاح اقتصادي يرسخ مؤسسات الدولة، وإصلاح عسكري/أمني يعيد الاعتبار لسيادتها.
وأظهرت كلمة الأستاذ اليدومي وعياً عميقاً لأهمية الجبهة الاقتصادية في المعركة الوجودية، حيث أشاد بجهود المجلس القيادي الرئاسي والحكومة في "الإصلاحات الاقتصادية" ونجاحها الأولي في تحسين قيمة العملة. لكنه لم يكتفِ بالإشادة، بل دعا إلى مواصلة هذه الجهود من خلال "مكافحة الفساد" ووضع "أُسسٍ وضوابطَ قانونيةٍ ورقابيةٍ صارمةٍ" لضمان الشفافية. في تأكيد أن الإصلاح يتبنى رؤية اقتصادية لا تقتصر على الحلول الظرفية، بل تهدف إلى إرساء قواعد مؤسسية قادرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان الاستخدام الرشيد للموارد الوطنية، وعلى رأسها عائدات النفط. وهذا التوجه يعكس انسجاماً مع برنامج الحزب السياسي الذي ينظر إلى الاقتصاد كأداة مركزية في بناء الدولة الحديثة.
ولا يقف الطرح عند الشأن المالي والإداري، بل يلامس هموم المواطن اليومية مطالباً المجلس الرئاسي والحكومة ب"توفير سبل العيش الكريم" للمواطنين، والدعوة إلى زيادة رواتب موظفي الخدمة العامة وأفراد الجيش والأمن، وتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء في عدن والمياه في تعز.
وهنا تكتسب كلمة الأستاذ اليدومي دلالة سياسية واجتماعية عميقة، إذ يضع الحزب نفسه في موقع الحامي لمصالح الشعب "الرائد الذي لا يكذب أهله"، مذكراً بأن عدن – العاصمة المؤقتة – تمثل قلب الشرعية ومع ذلك تعاني من أزمات خدمية خانقة، بينما تعز – رمز الصمود – ما تزال ترزح تحت الحصار والإهمال.
من خلال هذا التحديد المقصود، يربط الإصلاح بين المعركة الاقتصادية والبعد الرمزي للمدن اليمنية، مسلطاً الضوء على أن معاناة المواطنين ليست مجرد أرقام، بل قضايا سياسية تعكس فشل الدولة أو نجاحها.
إن هذه الرؤية المتكاملة تجعل الإصلاح في موقع "الشريك المسؤول" الذي يساند الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، لكنه في الوقت ذاته لا يتخلى عن دوره الرقابي في حماية موارد الدولة وضمان توجيهها لخدمة المواطنين.
وبذلك، يعزز الإصلاح صورته كقوة سياسية لا تكتفي بالخطاب الوطني العام، بل تنخرط في معالجة القضايا المعيشية اليومية وتطرح حلولاً عملية لها، لتؤكد أن معركة الاقتصاد ليست مجرد شأن تقني، وإنما جزء لا يتجزأ من معركة أوسع لحماية السيادة الوطنية وبناء "الدولة اليمنية الحديثة" القائمة على أسس العدالة والتنمية والاستقرار.
تأكيد استقلالية الهوية اليمنية ورفض التبعية
يمثل تأكيد الأستاذ محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، على الهوية اليمنية للحزب أحد أبرز ملامح الخطاب الاستراتيجي للإصلاح في ذكرى تأسيسه، وهو تأكيد لم يأتِ عرضياً أو بروتوكولياً، بل جاء بنص صريح: "الإصلاح حزب مدني يمني المنبت والجذور والانتماء، وليس له علاقة تنظيمية من قريب أو بعيد بأي حزب أو جماعة خارج حدود اليمن".
هذه العبارة القاطعة تمثل رداً مباشراً على الحملات السياسية والإعلامية الممنهجة التي سعت لسنوات إلى ربط الإصلاح بكيانات وتنظيمات إقليمية ذات طبيعة عابرة للحدود، وذلك في مسعى خبيث لتقويض شرعيته الوطنية وتشويه صورته أمام الداخل والخارج على حد سواء، خدمة للانقلاب والجماعات والكيانات ذات الهويات ما دون الوطنية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها الحزب مثل هذا الموقف، فقد أكده في كلمته بمناسبة الذكرى ال26 لتأسيسه والمعروف ب"إعلان الإصلاح" وشدد صراحة بعدم وجود أي ارتباط تنظيمي للإصلاح "بجماعة الإخوان المسلمين".
وسبق أن أكده رئيس الحزب في تسعينات القرن الماضي في مقابلة تلفزيونية. وتكراره في هذه الكلمة يخدم هدفاً أعمق: فمن خلال حسم هذا الجدل، يفتح الحزب الباب أمام علاقات أكثر وضوحاً مع الأطراف الإقليمية والدولية، وترسيخ نفسه كشريك وطني يمكن الاعتماد عليه لانهاء الانقلاب ومشروع بناء الدولة، بعيداً عن الدعاية السلبية التي توجه للمشروع الوطني الجامع والتشكيك في مشروعية مكوناته الوطنية.
هذا النهج يهدف لتأكيد أن الإصلاح منذ الجذور فاعل سياسي وطني، قادر على التفاعل الإيجابي مع محيطه الإقليمي والدولي، مما يعزز موقفه في أي مفاوضات أو شراكات مستقبلية.
لذلك أكد الإصلاح في كلمته في الذكرى: "انفتاح الاصلاح على الحوار والتواصل في إطار الدستور والقانون مع الفاعلين الاقليميين والدوليين، سعيا لبناء وتحقيق الرؤى والتصورات الوطنية الشاملة التي تخرج اليمن من محنته، وتحقق الاهداف الوطنية".
يتكامل هذا النهج مع البُعد الإقليمي للخطاب، حيث وجَّه اليدومي رسالة شكر صريحة للتحالف العربي، وعلى وجه الخصوص " المملكة على ما قدمته من تضحيات جسيمة من دماء ابنائها الزكية جنبا الى جنب مع اشقائهم اليمنيين، ولدولة الامارات العربية المتحدة التي ضحت بثلة من خيرة ابنائها على ارض اليمن". وعلى دعمهما "السخي" المستمر لليمن.
ويكتسب هذا التثمين بعداً يتجاوز اللغة الدبلوماسية التقليدية، إذ يُقرأ كإشارة عملية إلى رغبة الحزب في تجاوز أي تباينات سابقة مع بعض أطراف التحالف والموالية لها، وتأكيد التزامه بمسار الشراكة الاستراتيجية في مواجهة الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران. وإعادة التأكيد على وحدة الهدف والمصير مع التحالف، خاصة في ظل التحديات الأمنية المستجدة التي تفرضها الميليشيات الحوثية.
وشكر مصر ودول مجلس الأمن: " وكافة الدول الصديقة عرفانا بجهودهم الكبيرة في الوقوف الدائم مع اليمن وحكومة الشرعية لاستعادة الدولة، وما زلنا بأمس الحاجة الى تضافر جهود الاشقاء والاصدقاء في دعم الشرعية سياسيا وعسكريا واقتصاديا للوصول الى تحقيق الاهداف المنشودة وترسيخ أمن واستقرار المنطقة وضمان المصالح الإقليمية والدولية".
بذلك تعكس كلمة الإصلاح في ذكرى تأسيسه ال35 إدراكاً لكون الشراكة مع التحالف ضرورة حتمية لمواجهة الانقلاب واستعادة الدولة، ويتوافق مع موقف الحزب من دعم الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2216.
من خلال هذا التأكيد العلني، ترسل الكلمة إشارة إيجابية للقوى الإقليمية والدولية، مفادها أن الإصلاح حريص على تعزيز التعاون المشترك على أسس استراتيجية، مما يعزز من مكانة اليمن وممثلتها الحكومة الشرعية كشريك موثوق وفاعل في المنطقة.
الموقف من القضية الفلسطينية كأداة لتعرية خطاب الحوثيين
تظهر الكلمة موقفاً واضحاً ثابتاً لا يتزعزع تجاه القضية الفلسطينية. فبينما يدين الخطاب "جرائم الحرب الصهيونية" ويدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، فإنه في الوقت ذاته يتهم الحوثيين ب"استغلال" القضية الفلسطينية كغطاء ل"اضطهاد الشعب اليمني" وخدمة "المشروع الإيراني التوسعي".
إن هذه المقاربة تمثل "استراتيجية مضادة" فاعلة، حيث لا يكتفي الخطاب بتبني الموقف التقليدي، بل يعمل على تحييد سلاح أيديولوجي رئيسي تستخدمه الميليشيات. من خلال فصل دعم القضية الفلسطينية عن مشروع الحوثي التوسعي، يقدم الخطاب رؤية يمنية أصيلة للقضية، ويُظهر تناقضات الميليشيات التي تسعى للظهور بمظهر المدافع عن فلسطين بينما تمارس القمع ضد شعبها. هذه الاستراتيجية لا تضعف خطاب الحوثي فحسب، بل تؤكد ثبات الإصلاح كطرف وطني يتبنى قضايا الأمة دون توظيفها لغايات طائفية أو سياسية ضيقة.
الخطوة التالية
تمثل كلمة رئيس هيئة العليا للإصلاح وثيقة سياسية متقدمة برؤية وطنية استباقية، تتجاوز الطابع الاحتفالي لتتحول إلى خارطة طريق شاملة لمواجهة تحديات المرحلة وصياغة مستقبل أكثر استقراراً. فقد أكد الخطاب على الهوية الوطنية المستقلة للحزب ورفض أي اتهامات بالتبعية، كما طرح الشراكة باعتبارها الخيار الوحيد لعبور المرحلة الانتقالية عبر مقترح "ميثاق الشرف السياسي". وربط بين الحلول السياسية والإصلاحات الاقتصادية، داعياً إلى توحيد مؤسسات الدولة لخدمة المواطن، مع التأكيد على أهمية العدالة الانتقالية لمعالجة مظالم الماضي وتأسيس بيئة من الثقة والمصالحة.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، من المهم ترجمة "ميثاق الشرف السياسي" إلى وثيقة عملية قابلة للتوقيع من جميع الأطراف، تحدد بدقة الأهداف والمهام وآليات التنفيذ، ويمكن اعتبار التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية رافعة لمساندة الشرعية في إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة كحامل لهذا الميثاق بعد التوافق مع المكونات الأخرى. مع الاستفادة من تجربة الحوار الوطني.
كما يبرز ضرورة التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والخدمات الأساسية لتعزيز حضور الدولة ومصداقيتها، بالتوازي مع إطلاق حوار وطني واسع يرسخ مفهوم الشراكة ويعمق الثقة بين مختلف المكونات، بما يضمن بناء جبهة متماسكة قادرة على مواجهة التحديات المشتركة وانهاء الانقلاب و"بناء الدولة المدنية الحديثة العادلة، الضامنة لاستقرار اليمن وازدهاره، وامن واستقرار المنطقة والعالم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.