فرّوا من شبح الحرب إلى مدارس عدن ومخيمات إيواء فكانوا غرباء في وطنهم, وحين فرّ أنصار الخراب عاد البعض منهم ليشاهدوا منازلهم بعد عام من سيطرة الشريعة المزورة وكتائب الإعدام, فكان الموت المزروع بكل شبر في انتظارهم، وهاهم يتساقطون واحداً تلو الآخر. الآلاف يحنون إلى العودة يبدو أن أكثر من 160 ألف نازح من مواطني أبين لن يتذوقوا حلاوة النصر الذي صنعه الجيش المرابط في المحافظة منذ عام بعد أن تخلّص من العاهات المستديمة وشعر بجدية الحرب وهو يتلقّى توجيهات صارمة من قيادات عسكرية مشبعة بالوطنية والحرص على بلد كانت تتقاذفه أمواج الخذلان, كما تذوقناه نحن المتابعين لعناوين الصحف والبعيدين نوعاً ما عن إمارات الموت.
فمازال على الأرض هناك في زنجبار وجعار والمناطق المحيطة مئات الألغام, وهو ما دفع السلطات المحلية إلى دعوتهم للتريُّث قليلاً حتى تنتهي عمليات التطهير.
خلال الأيام الماضية التي أعقبت الإعلان عن تطهير أبين من أنصار «القاعدة» دلف الحنين قلوب عدد ممن أجبروا على الرحيل, وحملهم على العودة للوقوف على أطلال الإمارات المستحدثة وقراءة اللوحات الإرشادية التي تمكّنهم من الوصول إلى «إمارة وقار, وشرطة أنصار الشريعة, ومراكز التقوى» وحين وصلوا لم يجدوا ما يرشدهم إلى حقول الألغام والعبوات الناسفة, حينها قال أحدهم وهو يشاهد من بعيد أشلاء ثلاثة أشخاص من أبناء مدينته مزّقها لغم أرضي من مخلفات المسلحين: «من كانوا هنا مجرد قتلة وليسوا أنصار الله».
الألغام تحصد أرواح العائدين الوكيل المساعد لمحافظة أبين أحمد ناصر جرفوش قال: إن إجمالي ضحايا الألغام في مدينة زنجبار وضواحيها بلغ 22 قتيلاً بينهم نساء وأطفال، وذلك منذ إعلان الجيش سيطرته على المدينة.
وأكد أن «القاعدة» وضعت كميات كبيرة من المواد المتفجرة والألغام في زنجبار وجعار والكود والمسيمير وعمودية وغيرها، مشيراً إلى أن ضحايا هذه الألغام بلغوا حتى الآن 22 مواطناً معظمهم من النساء والأطفال.
ولم ينس أن يدعو المواطنين إلى التريُّث وعدم الذهاب إلى أبين خلال هذه الفترة بالذات، كي تقوم الفرق الهندسية المتخصصة في كشف الألغام بعملية تطهير المحافظة منها تجنباً لسقوط المزيد من الضحايا.
وكلّفت الحكومة في اجتماعها الأسبوعي اللجنة الوطنية للتعامل مع الألغام بتركيز جهودها خلال الأيام القادمة على تطهير كافة المناطق التي كانت تخضع لسيطرة العناصرالمسلحة في مديريات زنجبار وخنفر ولودر من الألغام المزروعة ومخلّفات الحرب بما في ذلك منازل المواطنين والمنشآت الحكومية العامة والخاصة، ومراعاة الاستعانة بالأشقاء والأصدقاء للمشاركة في مساندة جهود نزع الألغام التي زرعتها عناصر «القاعدة» وهو ما يؤكد أن الأنصار غادروا بشريعتهم المزوّرة تاركين خلفهم أطناناً من الموت الذي يتربص بالقادمين بعد عام من النزوح القسري بحسب عدد من المختصين بشؤون الجماعات الإسلامية.
يقول أحد مواطني أبين النازح في صنعاء منذ عام: شعرنا بزهو عارم بالنصر على جماعة الشر والإرهاب، وكنت أنتظر بفارغ الصبر ساعة العودة إلى مدينتي زنجبار, ولم أفكّر أن «أنصار الشريعة» سيزرعون المناطق التي كانوا يسيطرون عليها بالمتفجرات التي ستقتل الأطفال والنساء، أين هي أخلاقيات الحرب عند هؤلاء، هل تقول لهم شريعتهم إن زراعة الألغام من أخلاقيات الحرب ومن اهتمامات الدين؟!.
ودعا المعنيين في الدولة إلى سرعة تهيئة الأوضاع وإعادة الخدمات بشكل عاجل حتى يتمكن الآلاف من العودة إلى مناطقهم. أوضاع إنسانية في عدن ينحشر الآلاف من نازحي أبين في فصول دراسية ضيّقة منذ أكثر من عام, وتدهمهم الأمراض السارية بين حين وآخر, ولم تمكّنهم عملية التطهير من العودة إلى منازلهم، فالموت مازال محشوراً في كل شبر من جعار وزنجبار وأخواتها.
يؤكد المشرفون على مخيمات النازحين في عدن أن الوضع الإنساني مؤسف ويبعث على الحزن, فأكثر من عشرين فرداً من أسرتين مختلفتين يتقاسمون فصلاً دراسياً واحداً ويتقاسمون أيضاً ما تجود به المنظمات واللجان الحكومية, وفي وجوههم تقرأ فصولاً من البؤس وسوراً من الحرمان.. وحين همّ البعض منهم بالعودة إلى مدنهم, كان الموت فاغراً فاه والأرض تتفجر حمماً وبراكين.
ينتظر نازحو أبين إجراءات حكومية عاجلة تقضي بتهيئة الأوضاع لعودتهم وانتشالهم من وضع إنساني لا يقوون على تحمُّله أكثر من ذلك, غير أن الإجراءات ربما تأخذ وقتاً طويلاً في ظل غياب شبه تام للخدمات الأساسية ومقومات الحياة.
10 مليارات ريال هي إجمالي مساهمة الحكومة لإعادة الإعمار التي هي بحاجة لأضعاف مضاعفة, وتنتظر ما سيجود به الأشقاء والدول المانحة.
وبحسب ما أكده مراقبون فإن البلد المتخم بالأزمات والحروب يحتاج إلى سنوات وعشرات المؤتمرات الداعمة, وحتى ذلك يجب على نازحي أبين أن يتحلّوا بالصبر والثبات.