كثرت مشكلات اليمن، وتعددت متاعبه، ومازال النظام عاجزاً عن الخروج من الأزمات المتلاحقة، تلاشت كل الوعود الانتخابية بالمستقبل الأفضل، فلا رخاء اقتصادي، ولا تحسن في الخدمات العامة، ولا حلول لمشكلة البطالة، ولا أمن ولا أمان..!! نسبة الفقر ترتفع، والغلاء يطحن الذين بدون دخل، وذوي الدخل المحدود وهم غالبية أبناء الشعب، وفي الوقت الذي ساءت خدمة الكهرباء ارتفعت تعرفتها، أزمة خانقة في الغاز المنزلي تنفرج برفع سعر هذه المادة الضرورية، وتبدأ أزمة الديزل مصحوبة برفع سعر هذه المادة على المصانع، إضافة إلى جرعات سعرية متتالية في البنزين.. كثرت الإختلالات الأمنية مع كثرة الأجهزة الأمنية وتعدد مسمياتها، الانتقال بين بعض المحافظات مغامرة، الذاهب فيها مفقود والعائد منها مولود، والأوضاع في صعدة لم تستقر بعد، وفي المدن كالعاصمة تكثر نقاط التفتيش في الشوارع الرئيسة يسألونك عن اسمك ويطلبون بطاقتك الشخصية، إجراءات تبحث عن هيبة الدولة المفقودة لكنها لم تصنع أمناً ولا استقراراً!! الاضطرابات والتذمر في المحافظات الجنوبية لم تعالج بحلول تأتي على جذور المشكلات، لأن المواطن لم يلمس العدل والمساواة، وإنهاء التمايز في التعامل بين المواطنين بعيداً عن التصنيف المناطقي والسياسي، غاب الورع عند مسئولي الدولة، وزاد الطمع في المال العام، فلم يعد مجدياً إقناع المواطن بأن عليه أن يشبع من شعارات الوطنية وحب اليمن، بل إنه أقصي من الشراكة في السلطة والثروة، ومن التمتع بحقه المشروع كمواطن..!! متاعب اليمن كثيرة وكبيرة ومتعددة، والحزب الحاكم وحكومته لم تحفظ سوى طريق إجباري واحد، وهو تحميل المواطن كل أعباء الإصلاحات التي تدعيها، وبدلاً من توجيه موارد البلاد لحل مشكلات الشعب، ذهبت لتوفير مستلزمات القمع والتهديد، فلا حفظت مواردنا ولا حققت الأمن والاستقرار، إلا إذا استثنينا كبار المسئولين الذين يسيرون بمواكب تمنع الناس من مجرد رد السلام عليهم، وهم مع ذلك غير آمنين، لأن العدل والإخلاص والتفاني هو الذي يمنح المسئول محبة الناس وتقديرهم، وبالتالي الأمن على نفسه وإن سار على قدميه بدون مرافق. كان اتفاق فبراير قد أطفأ –إلى حد ما- نيران التوتر على أمل أن تشرع الأحزاب السياسية في حوار جاد ومسئول يعيد النظر في شكل مضمون النظام السياسي، ويهدف إلى الخروج برؤية جديدة تأتي على أمهات القضايا التي تسبب الأزمات، ومن خلالها يتم إصلاح النظام الانتخابي الذي يضمن التمثيل الصحيح والواقعي للناخب وللقوى السياسية، لأن الآلية القائمة أثبتت أن نتائج الانتخابات غير معبرة عن غالبية أبناء الشعب، وإلا أين المصوتون للحزب الحاكم، ولماذا هذا الاضطراب والتململ والاحتجاج في كل أنحاء البلاد مع أن النتائج المعلنة تقول إن الشعب كان وما يزال هائماً في حب المؤتمر الشعبي العام وحكومته البهلوانية مع الأسف ضاع الوقت في جدل عقيم لنجد أنفسنا اليوم أمام أزمة جديدة تلوّح بها السلطة قائلة إنها ستنزل تعديلات دستورية تؤكد بها هيمنتها، زاعمة أنها قادرة على إجراء انتخابات منفردة، وبغض النظر عن كون هذه التصريحات جادة، أو للتهديد أو الضغط أو الابتزاز، فإنها لاشك لن تزيد الأوضاع إلا احتقاناً، ولن تقود البلاد إلا نحو الأسوأ.. لا أبرئ المعارضة من التقصير، فالتذرع بالعقل والحكمة لم يعد محموداً ولا مقبولاً، لأن الحكمة تقتضي السعي الجاد للالتحام بالمواطن والشراكة معه في المطالبة بحقوقه، وقيادته والتضحية معه من أجل تحقيق طموحاته المشروعة في حياة حرة وكريمة. السلطة وصلت إلى طريق لا تحسن غير السير فيه، وربما طالبت المساعدة للخروج من النفق الذي قادت إليه لكن كل آلياتها تصب في ذات الاتجاه، ولعلنا ندرك أن القمع والاستحواذ والاستعلاء الكاذب لن يخرج اليمن من أزماتها، وهناك طريق آخر يتمثل في الشراكة الوطنية، وحسن التصرف بالموارد، ومحاربة الفساد، والاتجاه نحو التنمية والاستثمار، والأخذ على يد العابثين ومستغلي النفوذ، هذا هو الاتجاه الذي يوصل إلى بر الأمان، وأثبتت الحكومات المتعاقبة أنها عاجزة عن ركوب قطار السلامة وهي لا تستطيع أن ترى الأفق المشرق، وإنما تجيد اتهام الآخرين وشتمهم، وترمي بنواقصها على المعارضة، وهي موجودة على شاشة التلفاز، غائبة عن هموم الناس ومعاناتهم، ولكن من حسن حظها أن المعارضة تتمنى التغيير ولا تريد أن تتحمل التضحيات.. ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر!!