عبد العظيم العمري.. رجلٌ في زمن قلَّ فيه الرجال ومن الأشخاص الذين يعيشون في قلب الحقيقة، والذين تنطلق حياتهم من موقع القيم الروحية والأخلاقية التي تمتد في الزمن، سبَّاق إلى الخيرات.. نموذج يُحتذى به في خدمة الإسلام والدعوة، نموذج حي يتجسَّد فيه الإخلاص للوطن والناس، فمثله لا يموتون، ولا يشعر الإنسان بأنهم جزء من الماضي الذي ذهب، بل يرى أنهم مظهر للزمن الذي يتجدد، لأنهم يتجددون مع الزمن، ويجدّدون الزمن. في منزل الدكتور العمري تكشف لنا بعضٌ من عظمة رجل عاش بعيدا عن الأضواء. رفيق الدرب عطاء بلا حدود كان سيرة من الإنسانية والأخلاقية.. بعيدة عن الضجيج والشهرة.. تجلت فيها صور نادرة.. شعرنا ونحن ندخل منزله بروحه المتعلقة بالمكان وبتلك السكينة التي تشبه هدوءه وحنانه المتسم بها. اختنقت أم احمد بعبراتها الحزينة وهي تتحدث عن رفيق عمرها الدكتور عبد العظيم: كان بمثابة الأب الحنون والصديق والحبيب.. وكل شيء في حياتي. وتابعت قائلة: كنت أستشيره في كل صغيرة وكبيرة ورغم انشغاله إلا أنه يشاركني في كل أموري في المنزل وتربية الأولاد فتعامله متميز مع أولاده والناس خير للجميع حكيم في كل شيء. وأشارت إلى الهاتف وقالت: كان هاتف منزلنا لا يتوقف عن الرنين وبابنا مفتوح لكل الناس وامتلأت عيونها بالدموع وهي تقول: انطفئ البيت برحيله.. وسكن ذلك الضجيج.. كان عطاء بلا حدود. وتابعت بشجن: 36 عاما رحلة عمر كانت أحسن أيام حياتي فقد كان يدللني ولا يرفض لي طلبا كذلك مع أولاده وأقاربه، فمن شدة حبه لأبنائه في إحدى سفرياته للعلاج طلبت منه ابنته هاجر شوكولاته وكان موعد طيارته قريبا فذهب لشراء الشوكولاته لابنته الصغيرة حتى يدخل في قلبها الفرح، موقف آخر أثر بي عندما كنا في ألمانيا للعلاج اتصل به الشباب اليمنيون يريدون أن يلقي محاضرة ورغم كل تعبه ومرضه ذهب وهو يتكئ على الأكتاف وإلى آخر لحظة كان يفني حياته للدعوة وخدمة الوطن، لا يختلف سلوكه وأخلاقه وتعامله حتى مع الناس فطيلة حياته لم يرد أحد سواء أصدقاء أو جيران أو ناس آخرين ولما يرني أحيانا أتضايق من استغلال البعض لطيبته أو يعطى ونحن ليس لدينا شيء يقول: الرازق هو الله وكله على الله. لحظات كانت هي الأصعب لأم أولاده تقول: دخلت ابنته هاجر في مرضه وعندما رأته قالت له وهي تبكي يا أبي أنا لست حزينة لفراقك لأنك للجنة وكانت تحدثه وتدعو له فاحتضنها وقبلها كأنه يودعها. وفي أحد الأيام دخلت عليه وهو يبكي فسألته عن سبب بكائه فقال لي: سامحيني إذا قصرت معك فأنت معي إلى آخر لحظة من عمري فبكيت بشدة وقلت له عشت معك أجمل أيامي وكنت لي خير زوج. وعن آخر دقائق احتضاره تقول: جاءت ابنة أخته لزيارته فصلى معها وظلت تدعو له في ذلك اليوم ووصى أحمد بي وبأخواته ووصاه على السير على نهج الإسلام وعندما رأيته يفارق الحياة شعرت أن ظهري انكسر وسكتت وهي تغالب دموعها. عند حديث الأم المليء بالشجن كانت ابنته ثناء الدكتورة تصارع دموعها وأحزانها بغصة احتبست بحلقها تقول: ارتبطت بوالدي بقوة فهو بالنسبة لي كل شيء في حياتي علمنا وربانا بشكل رائع لم يفرض رأيه علينا يفهمنا غلطنا بشكل سلس وسهل فهو الأب والصديق.. أبي كان كتلة من الأخلاق تمشي على الأرض همه الكبير خدمة وطنه والناس والدعوة يعطى من وقته وصحته للناس والدعوة ويؤثرها علينا. وتابعت بحزن: أصعب اللحظات عدم وجوده بيننا وإلى الآن لست مستوعبة رحيله وأؤمل نفسي أنه لايزال مسافرا وسيعود في أي لحظة وانهمرت دموعها.
إنسانية بعيدة عن الأضواء جوانب أخرى تكشفها الأسرة من شخصية الدكتور العمري لم يعرفوها إلا عبر حب الناس له.. تتحدث عنه زوجة ابنه احمد بقولها: عاش الدكتور بعيدا عن الأضواء ولم يحرص طيلة حياته على الظهور بقدر حرصه على خدمة الدعوة والناس والوطن وتحقيق الأهداف بهدوء ثم ابتسمت بحزن: عندما توفي عمي ظهرت أشياء لم نعرفها إلا من خلال الناس لدرجة أن صديقاتي والأقرباء سألوني لماذا لم نقل لهم ما كان يعمله من خير وخدمة للوطن والناس. وتابعت: كان بالنسبة لي أكثر من الأب كان مرجعية وأمان لحياتنا في كل شؤوننا.. شخصيته لم تكن تسلطية كان ذا هيبة تترك الخيارات لنا وما لفت نظري هو نكران ذاته يفكر دائما بالآخرين ويقدم الناس على أهله ونفسه مهما كان انشغاله.. لما رأيت جنازته وجموع الناس لم أستغرب حبهم له. وعن مرضه تقول: رغم الألم والتعب الذي مر به إلا أنه واجه ذلك بشجاعة وأمل وواصل خدمته للناس والدعوة وهو في أشد أيام مرضه، وامتلأت عيونها بالدموع وهي تواصل حديثها: نفتقده كثيرا فهو الحياة لمنزلنا زوجي متأثر جدا بوفاته فقد كان رفيقه في رحلة مرضه، وانهمرت دموعها وهي تقول ما أصعب الحياة بدونه. وتتابع ابنته تسنيم: أشعر أن قلبي فارغ بدونه كان رجلا عظيما.. يثق بالله ويحب الناس ويعمل لخدمة وطنه، أب حنون محب لا أحد مثله .
رجل عظيم كاسمه ابنه أحمد الذي كان رفيقه في رحلة علاجه تحدث عن والده بقوله: كان بالنسبة لي الأب الحنون والمرجع الناصح والقدوة يخدم الناس والدعوة ويوقف حياته عليهما، فحيث ما ينفع الناس تجده، كان الصابر المحتسب عند مرضه ورغم كل تعبه إلا أنه واصل حياته وخدمته للناس والدعوة بشكل طبيعي.. ما أثر بي يوم موته رأيت أناسا كثيرين منهم جرحى ومسنين يتزاحمون فوق قبره فشعرت من خلال حديثي مع احمد حزنه الذي أوقفه عن قول المزيد عن والده لأن ألم فراقه كان أكبر. بحماسة عالية كانت تتحدث أخت زوجته وتقول: كان رجلا عظيما كاسمه عاش يتيما ربته والدته أحسن تربية وعاشت لأجله حتى لا يشعر بأي حرمان.. ثم تتابع بحزن: كان رفيق طفولتي بحكم قرابتنا كان في صغره شقيا ولكن طيبته طغت على كل شيء، يضرب به المثل في الأخوة والإيثار سهل وسلس في المعاملة لم يكن في قلبه ذرة حقد لأحد، يحب الخير لكل الناس وبالنسبة لأمه كان مطيعا محبا لها ترك فرصا كثيرة ومنح سفر جاءت له حتى يظل بجانبها، وكان أكثر ما يحزنه من يغضب أمه. وأضافت: رغم كل الاختلافات من أصدقاء أو جيران إلا أنه لم يخاصم أحدا، كان محاورا متمكنا ورائعا لا يخرج من عنده أي شخص لا وأقنعه، ثم تبسمت وهي تقول: كان والدي رحمة الله عليه يقول لي ولأختي أنا لم أورث لكنَّ مالا بل ورثت لكنَّ رجالا، وصدق أبي في ذلك فعبد العظيم كان عظيم كاسمه. ودَّعت عائلة الدكتور رغم الأحاديث الكثيرة عن سيرة رجل أفنى حياته في خدمة وطنه والناس.. رحل بهدوء مخلفا وراءه ثروة من القيم والعطاء.