بينما تزداد معايير التعيين والتوظيف صرامة في معظم دول العالم، تظل معايير التوظيف في المناصب الحكومية الحساسة والهامة رخوة وفضفاضة حتى بعد ثورة الشباب السلمية. وإضافة إلى اشتراط تخصصات نوعية لكل منصب ووظيفة، أصبحت الحكومات وحتى المؤسسات الخاصة تفرض شروطا صارمة لشاغلي الوظائف الهامة مثل نسبة الذكاء وسرعة البديهة والقدرة على التعامل مع الآخرين والتحمل والالتزام واللياقة البدنية والقدرة على الإقناع وغيرها. . في الوقت الحاضر، أصبحت اليمن تمتلك كوادر بشرية هائلة وآلاف الخريجين من مختلف الجامعات العالمية، لكنهم يصطدمون عند عودتهم بواقع مرير إذ أن معايير التوظيف في البلد بحاجة ماسة إلى إعادة نظر ودراسة وتقييم بما يواكب التطورات والمستجدات، لاسيما المستجدات الثورية. أعرف ويعرف الكثيرون أشخاصا حصلوا على شهادات عليا وفي تخصصات هامة، لكنهم ما يزالون بدون وظائف أو موظفين عاديين في الوقت الذي يتربع كثير من أشباه الأميين على مناصب ووظائف هامة، وهذا الخلل دفع بالكثير من شباب اليمن للخروج إلى الساحات والمطالبة بالتغيير، لكن السنوات تتوالى من دون إجراء أي معالجات في هذا الجانب. إن انعدام معايير واضحة للتعيينات والترقيات والتوظيف يفتح الأبواب بمصراعيها للمحسوبية والوساطات والتزوير. إن اليمن الجديد الذي ينشده واستشهد من أجل خيرة شباب اليمن بحاجة ماسة إلى سرعة وضع معايير لكل منصب وكل وظيفة على مستوى الوزراء ونوابهم ووكلاء الوزارات ومدراء العموم ورؤساء الأقسام. أعتقد أن كثيراً من العاملين في القطاع الحكومي يدركون حجم التجاوزات الجائرة في التوظيف، كما يدركون تأثير ذلك على مستوى الأداء واضمحلال الإنتاج وتفشي الفساد وهجرة الكفاءات. ومن الممارسات القذرة التي ترسخت في بعض المؤسسات أنه يتم معاقبة (عفوا مكافأة) أي شخص عاجز عن تقديم معلومات للطلاب أو غير قادر على الإنتاج في مؤسسته بتعيينه مديرا لإدارة أو رئيسا لقسم أو وكيلا لمدرسة. إن من يتتبع ما يدور في أروقة المؤسسات الحكومية سيجد العجب العجاب فيما يخص التعيينات وإصدار القرارات والتوظيف حيث وصل الحال ببعض المسئولين إلى استحداث إدارات عامة -لا داعي لوجودها إطلاقا-من أجل تعيين أقرباء فاشلين. لقد أصبحت بعض المؤسسات الحكومية مشهورة على نطاق واسع بأنها حكر على قبيلة أو أسرة معينة، وأعرف شخصيا أسر بكافة أفرادها تشغل وظائف في نفس المؤسسة الحكومية؛ الأب والأخ والأخت والعم والخالة وهلم جرا، لا أقل هذا على سبيل المبالغة، بل يعرف الكثير من الموظفين الحكوميين حجم التجاوزات المثيرة في التوظيف. إن علينا أن نحول الجدل الذي أثير في الأيام الماضية حول التعيين في الوظيفة العامة إلى مطالبات للحكومة وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني وكافة مؤسسات الدولة بتقديم هيكلية مدروسة لكل وزارة ومؤسسة حكومية ووضع شروط ومعايير صارمة لشغل أي منصب أو وظيفة، كما ينبغي على الشباب أن يجعلوا من أولوياتها في المرحلة القادمة المطالبة بتطهير المؤسسات الحكومية من الفساد وإصلاحها. ولا بد أن أنوه في هذا السياق أن من أكبر بوابات الفساد التي استغلها حيتان الفساد في بلادنا ما يعرف ب "التعاقد"، حيث تقوم الكثير من المؤسسات الحكومية بالتعاقد مع مئات الأشخاص، معظمهم غير مؤهلين إطلاقا أو لا يمتلكون أي شهادات أو من الأقارب، مقابل الحصول على مبالغ ضخمة، إن التوظيف لا بد أن يتم عبر بوابة واحدة، وزارة الخدمة المدنية، حيث يتحتم عليها أن تضع شروطا ومعايير صارمة للتوظيف وأن تكون هناك منافسة ومفاضلة شفافة وعلنية.