ثمة مقولة اشتهرت على الألسن تقول, إن الثورات يخطط لها العباقرة ويصنعها الشجعان ويستغلها الجبناء. ويبدو أن هذه المقولة تنطبق إلى حد ما على الحالة المصرية, لجهة محاولة (الجبناء) سرقة الثورة عبر الجماهير نفسها التي صنعتها وضحّت لأجلها. العملية الإنقلابية المفضوحة والمخجلة التي نفذها العسكر ضد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي, هي محاولة مكشوفة لسرقة ثورة 25 يناير, بل وإسقاطها وشطبها نهائياً من التاريخ المصري الحديث, وإحلال ما يسمونه بثورة 30 يونيو مكانها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد, بل ثمة محاولات حثيثة لاستغفال الشعب المصري بتصوير العملية الإنقلابية على أنها ثورة شعبية حقيقية وحركة تحرر, وهو ما يطرق عليه الإعلام المصري الرسمي بقوة, ليفصح عن توجه مقصود ومدروس لتحطيم صورة ثورة 25 يناير في نفوس المصريين, على أعتبار أنها أخفقت في تمثل آمال وتطلعات المصريين حينما جاءت بالإخوان إلى السلطة, والاستعاضة عن تلك الصورة التي يحاولون تشويهها بصورة 30 يونيو التي يستميتون في تجميلها وتقديمها لجماهير مصر على أنها ثورتهم الحقيقية, كونها حررتهم, بحسب زعمهم, من حكم الإخوان. لذا يجهد تحالف القوى الإنقلابية, المدنية والعسكرية, لإطلاق وصف (الاستقلال) على المشهد المصري المنبثق من العملية الإنقلابية, بوصفها استجابة لما يسمى بثورة 30 يونيو. تلك هي حكاية الإنقلاب العسكري الذي يراد إخراجه بصورة ثورة شعبية. الغريب أن كثير من القوى السياسية التي لطالما نددت بحكم العسكر, كانت أول من هلل لإنقلابهم, بل وسارعت للتطبيل للإقصاء وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات, وهي التي صدّعت رؤوسنا بالديمقراطية والحرية والدولة المدنية الحديثة, لكنها سرعان ما انقلبت عليها كانقلاب العسكر تماماً, لتسقط الأقنعة ونرى ويرى العالم حقيقة من يسمون أنفسهم في بلداننا العربية بالقوى التقدمية المستنيرة, وقد ضبطها الشارع العربي متلبسة, عن سبق إصرار وترصد, بجرم تقويض الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة التي لطالما غررت على الجماهير بها. لكن وبعيداً عن ذلك كله, هل يمكن القول أن القوى الإنقلابية (السياسيين والعسكر) صدقت أنها استطاعت بالفعل سرقة ثورة يناير؟ ربما تكون صدقت نفسها, أما أنها استطاعت ففيه نظر, ذلك أن ثورات الشعوب ليست بقرة يمكن سرقتها من الزريبة, إنها إرادة أمة, وهذه الإرادة لايمكن قهرها أو سرقتها مهما بلغ حذق المتلاعبين بالعقول, حتى وإن بدا الأمر كذلك. وثورة 25 يناير هي ثورة الشعب المصري بأكمله وليست ثورة الإخوان المسلمين, لذا فمن المؤكد, وطبقاً لكل تجارب الثورات البشرية قديمها وحديثها, أن ينهض المصريون لاستعادة زمام المبادرة وتخليص ثورتهم من أيدي الإنقلابيين. ذلك أن ثورة 25 يناير فتحت باباً للتغيير لايمكن غلقه, وهؤلاء الانقلابيون يحاولون عبثاً غلق ذلك الباب لكنهم لن يستطيعوا. تلك حقيقة لايمكن تجاهلها. الأمر الآخر, أن ثورة 25 يناير التي وقعت في مصيدة الدولة العميقة (فلول النظام السابق), لم تستطع بناء دولة جديدة على أنقاضها لظروف وعوامل عديدة, وكانت تعيش بالفعل وضعا غير طبيعي بوجود رئيس على هرم السلطة لا يملك ولا يحكم, واقتصر دوره فقط على تجميل صورة الثورة التي لم تكتمل حقيقة. لذا كونوا واثقين بأن ما يجري اليوم إنما يصب في خطوات إستكمال تلك الثورة التي لم تكتمل بعد. وتزيد ثقتنا بأن ثورة الشعوب لايمكن سرقتها مهما حاول الانقلابيون. [email protected]