المعارك تتواصل في اليمن.. الحوثيون يُعلنون عن مقتل 4 من مقاتليهم    فضيحة في سجون الحوثي النسائية...انتهاكات جسيمة في سجون النساء بصنعاء تدفع إحدى النزيلات لمحاولة الانتحار    عاجل: إسرائيل تعلن بدء الهجوم على رفح رغم موافقة حماس الموافقة على مقترح وقف إطلاق النار    بالأسماء والصور.. تعرف على المواطنين الضحايا الذين اتهمتم المليشيات بأنهم "جواسيس عمار عفاش"    مويس سيغادر وست هام رسميا نهاية الموسم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    كنوز اليمن تحت سطوة الحوثيين: تهريب الآثار وتجريف التاريخ    الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    فتيات مأرب تدرب نساء قياديات على مفاهيم السلام في مخيمات النزوح    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    السلطة المحلية تعرقل إجراءات المحاكمة.. جريمة اغتيال الشيخ "الباني".. عدالة منقوصة    فارس الصلابة يترجل    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    صورة.. الهلال يسخر من أهلي جدة قبل الكلاسيكو السعودي    مبابي يوافق على تحدي يوسين بولت    التشكيل المتوقع لمعركة الهلال وأهلي جدة    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    منظمات إغاثية تطلق نداءً عاجلاً لتأمين احتياجات اليمن الإنسانية مميز    مليشيا الحوثي تقتحم قرية بالحديدة وتهجّر سكانها وتختطف آخرين وتعتدي على النساء والأطفال    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    تعاون حوثي مع فرع تنظيم القاعدة المخيف في تهديد جديد لليمن مميز    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    جريمة مروعة في حضرموت.. قطاع طرق يقتلون بائع قات من عمران بهدف نهب حمولته    القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    رغم تدخل الرياض وأبوظبي.. موقف صارم لمحافظ البنك المركزي في عدن    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    العثور على جثة مواطن معلقة في شجرة جنوب غربي اليمن    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    "ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادرة المشترك...حديث " الحقيقة للقوة " !
نشر في التغيير يوم 29 - 12 - 2005


د. عبد الله الفقيه*
أحسنت أحزاب اللقاء المشترك صنعا يوم السادس والعشرين من نوفمبر 2005 حين انتقلت من اسلوبها القديم القائم على توظيف استراتيجية "رد الفعل" إلى أسلوب جديد يقوم على المبادرة بالفعل السياسي. لقد طال انتظار الناس لمولود المعارضة الذي حملته طويلا ثم ولدته بعد طول مخاض. ومهما كانت نقاط الضعف في مبادرة أحزاب اللقاء المشترك للإصلاح الوطني الشامل، وهي كثيرة بالفعل وتبدأ بالجانب الاقتصادي ولا تنتهي عند حقوق المرأة، فان المبادرة بشكلها المعلن قد وضعت النقاط على الحروف في الكثير من الأمور ومثلت شيئا جديدا في واقع
ياسي يتصف بالشيخوخة والجمود والعقم ويعمل على اجترار تاريخ مملوء بالقحط والجدب الفكري.
نجاحات عدة
ققت أحزاب اللقاء الم
إن انتخاب مدراء المديريات ومحافظي المحافظات ينبغي أن يكون نقطة النهاية في أي إصلاح سياسي حقيقي يتبنى الديمقراطية عن قناعة، وليس نقطة البداية.
شترك بتوقيعها على مبادرة للإصلاح الوطني الشامل في الجمهورية اليمنية عدة نجاحات بغض النظر عن الكيفية التي ستتطور بها الأمور في المستقبل. فلقد نجحت أولا في تجاوز الاختلافات الإيديولوجية بينها، وفي رمي التاريخ العدائي الذي اتصفت به لاقة بعضها ببعض خلف ظهرها. وبدلا من العيش في الماضي بكل مآسيه قررت وبشجاعة الانحياز إلى الحاضر والمستقبل. وهناك الكثير من الدلالات الإيجابية التي يمكن استخلاصها من إقدام أحزاب اللقاء المشترك على خطوة بمثل هذا الحجم. أهم تلك الدلالات هي أن تلك الأحزاب ربما لم تعد تفكر بمصالح قادتها وأحزابها فقط. وهذا النضوج الحزبي يبعث على الارتياح وعلى الخوف معا. هو أمر يبعث على الارتياح لأن التجرد عن المصالح الأنانية الضيقة والإلتفات إلى المصلحة الوطنية التي هي مصلحة كل يمني بغض النظر عن حزبه وقبيلته ومنطقته يدل على نضوج سياسي كبير في بيئة يعتبر التخلف السياسي والانتهازية السياسية أهم الصفات المميزة له. وهو أمر يبعث على الخوف لأنه قد يعني أن أحزاب المعارضة لم تقدم على القيام بمثل تلك الخطوة ولم تغامر بمصالح قياداتها إلا بعد أن رأت البلاد تنزلق نحو الهاوية. وإذا كان الافتراض الثاني هو الصحيح فان المعارضة ربما تكون قد تأخرت كثيرا في تقديم مبادرتها.
لم يعد من الممكن القول بعد إصدار أحزاب اللقاء المشترك للمبادرة انه إذا وجد شخص ما خمسة يمنيين يعيشون بمفردهم في مكان ما فانه سيجد أيضا أنهم قد شكلوا عشرة أحزاب. كما لم يعد من الممكن القول إن الشعب اليمني يعمل كرجل المطافيء الذي كلما اشتعل حريقا سارع إلى إطفاءه دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن الأسباب التي تؤدي لاشتعال الحرائق، ويعمل على معالجتها. لقد سبقت احزاب المعارضة اليمنية هذه المرة اشتعال الحريق بتقديم رؤية وطنية متقدمة تتناسب في وضوحها ومعالجاتها مع طبيعة التحديات التي تواجهها الجمهورية اليمنية ومع طبيعة المخاطر التي تهدد الأمن القومي للبلاد. ونجحت أحزاب اللقاء المشترك في تصحيح بعض المفاهيم السيئة عن الأحزاب اليمنية وقدمت هذه المرة دليلا على براءتها من تهمة الانتهازية التي كان الأستاذ علي سيف حسن أول من وصمها بها في تفصيل مبادرته للإصلاح السياسي. ولا بد أن الذين وقعوا على المبادرة، وبصلابة لا تلين وشجاعة لا تنكر، قد أدركوا حجم المخاطرة التي أقدموا عليها، وجعلوا من مبادرتهم بمثابة "حديث الحقيقة للقوة."
كما نجحت أحزاب اللقاء المشترك من خلال مبادرتها في إزالة ورقة التوت التي تختفي خلفها مشاكل اليمن ، وفي توصيفها بلغة واضحة السبب الرئيس للازمة اليمنية القائمة والمتمثل في الاستبداد. ذلك التوصيف جعل من المبادرة التي تم إطلاقها امتدادا لنضال يمني طويل ضد الحاكم المستبد ابتدأ في وقت مبكر من القرن العشرين ولم يتوقف بقيام الثورتين في شمال اليمن وجنوبه. كما لم يتوقف أثناء حكم القبائل لشمال اليمن وحكم الاشتراكيين لجنوبه. وقدمت أحزاب اللقاء المشترك رؤية وطنية للخروج من الأزمة اتصفت بالمسئولية والابتعاد عن المكايدات السياسية، واستوعبت مختلف الأفكار والطروحات المقدمة. إن أي قراءة منصفة للمبادرة ستجد أنها تمثل، وبدون أي مجاملة، ارقي ما وصل إليه الفكر السياسي اليمني في تطوره عبر التاريخ. بل هي خلاصة للتطور الفكري لليمنيين خلال المائة سنة الماضية.
وكانت أحزاب اللقاء المشترك موفقة عندما أقرت بان المبادرة المعلنة هي ملك لكل اليمنيين الحريصين على امن بلادهم واستقراره ونموه وتقدمه، والساعين للحفاظ على وحدته وسيادته وبناء الدولة الديمقراطية العادلة. وأصابت أحزاب اللقاء المشترك كثيرا عندما أعلن قادتها في المؤتمر الصحفي الذي خصص لإعلان المبادرة بان مشروعهم مطروح أمام كافة القوى للنقاش وليعمل الجميع على إثرائه وتطويره. وتكون أحزاب المعارضة بذلك الإعلان الذي نتمنى أن ينتقل من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل قد خطت الخطوة الأولى في ترسيخ ثقافة الديمقراطية عن طريق التسليم بان لا احد على الساحة يملك الحقيقة كاملة وان اليمنيين بعامتهم في الأحزاب وخارجها وفي السلطة والمعارضة هم أصحاب المصلحة الحقيقية في الإصلاح الشامل وان كل رأي له قيمته بغض النظر عن صوابه من خطئه.
وحققت أحزاب المعارضة نجاحا عندما رفضت الاستقواء بالخارج ووضعت دور الخارج حيث يجب أن يكون، وعندما أعلنت في حفل توقيع المبادرة، وقد صدقت في ذلك، أن الهدف من المبادرة ليس الاستقطاب السياسي والاجتماعي. فالمبادرة التي تصدر عن أحزاب ما يفرقها يفوق ما يجمعها لا يمكن أن تكون مبادرة للاستقطاب السياسي، بل هي مبادرة لكل المواطنين والأحزاب.
نقاط ضعف
الحديث عن نجاحات المعارضة لا ينبغي أن يأتي على حساب الحديث عن نقاط الضعف في المبادرة. فإذا كانت المعارضة قد قالت كلمتها فيما يتصل بالجانب السياسي وبشكل واضح فإنها لم تقل كلمتها بنفس الوضوح بشأن الجانبين الاقتصادي والاجتماعي. وإذا اخترنا مسألتي
بالنسبة لمسألة تمكين المرأة فان مبادرة المشترك قد فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع المرأة اليمنية كشريك وكصاحب حق وتم تغييب القضايا الجوهرية للمرأة ومن ضمنها التمكين السياسي
ناء الاقتصاد الحر الذي يتفق مع تطلعات اليمن للاندماج في الاقتصاد العالمي ومع اشتراطات شركاء اليمن في تحقيق التنمية ومسألة تمكين المرأة اليمنية، فان مبادرة اللقاء المشترك قد فشلت في تقديم رؤية واضحة للمسألتين. وهناك تفسيرات مختلفة للضعف الذي اعترى المبادرة في هاتين المسألتين. فربما أن التباين الإيديولوجي بين الحزبين الرئيسيين في اللقاء المشترك وهما التجمع اليمني للإصلاح والاشتراكي قد قاد الاثنين إلى صفقة ضحى الإصلاحيون بموجبها بمطلبهم في بناء الاقتصاد الحر مقابل تضحية الاشتراكي بحقوق النساء.
وقد يكون الغموض الملحوظ في معالجة الجانب الاقتصادي راجعا ليس إلى تمسك الاشتراكيين بأفكارهم القديمة ولكن إلى طغيان الجانب السياسي على الجوانب الأخرى في ثقافة وتفكير المعارضة وكما هو عليه الحال بالنسبة للسلطة. وقد يكون سبب ذلك الغموض هو العجلة التي تمت بها صياغة الجزء الخاص بالجانب الاقتصادي.
بالنسبة لمسألة تمكين المرأة فان مبادرة المشترك قد فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع المرأة اليمنية كشريك وكصاحب حق وتم تغييب القضايا الجوهرية للمرأة ومن ضمنها التمكين السياسي بطريقة ستجعل المعارضة تبدو أمام الخارج والداخل كعدو للمرأة. ويصعب تفسير ذلك التغييب للمرأة اليمنية في مبادرة المشترك. فربما كان سببه ضعف الدور الذي تلعبه المرأة في أحزاب المعارضة وعدم تمثيل المرأة في اللجنة التي صاغت مبادرة المشترك أو في اللجان التي صاغت المبادرات الأخرى التي مثلت المصادر لمبادرة المشترك. وقد يكون سبب ذلك التغييب للمرأة هو موقف التجمع اليمني للإصلاح وهو اكبر أحزاب المعارضة من المرأة اليمنية وهو موقف يتصف بالغموض على أحسن الأحوال وبالعداء الصريح للمرأة في أسوء الأحوال. وإذا كان قد اشتهر عن قحطان، الذي يمثل الجناح الليبرالي في حركة الإخوان اليمنية، تصريحاته المناصرة للمرأة وقضاياها وموافقته على ترشيحها لرئاسة الدولة، فان الجناح المحافظ للإخوان له موقفه المتشدد الذي يبدو أن السنوات الماضية لم تحدث فيه أي تغيير.
ومع التسليم بان الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة لا تختلف كثيرا على صعيد الممارسة في تعاملها مع قضايا المرأة إلا انه وعلى مستوى الخطاب السياسي يبدو الخطاب المؤتمري المتصل بالمرأة أكثر قوة وتحديدا ولفتا للانتباه.
وأيا كان السبب لتهميش المرأة في مبادرة المشترك فان قيادات المعارضة قد ارتكبت خطأ كان يمكن تجنبه. وإذا كان تهميش المرأة في المبادرة يعكس مصداقية أحزاب المعارضة في المطالب التي تضمنتها المبادرة، فانه يعكس أيضا غياب التجربة والخبرة في الممارسة السياسية وفي السعي لتعظيم قوة المبادرة. فلو أن أحزاب المعارضة تبنت قضايا المرأة وطالبت بتطبيق " الكوتا " لكانت قد حققت بعض المكاسب السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي. لكن الطريقة التي تعاملت بها المبادرة مع قضايا المرأة تكرس الصورة النمطية عن أحزاب المعارضة وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح. وإذا كان الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها في دولة مثل اليمن يعتمد على مساندة الخارج المعنوية والرمزية على الأقل أو حتى على عدم معارضة الخارج، فان أحزاب المعارضة بإهمالها للموقف الدولي من قضايا المرأة وفشلها في استيعاب ذلك الموقف في مبادرتها، قد أضعفت مصداقية طروحاتها بشكل كبير.
مرمى المؤتمر
لقد ارتكب المؤتمر الشعبي العام خطأ فادحا عندما استبدل السياسة بالغوغائية وأوكل إلى إعلام "جوبيلز" مسألة الرد على المبادرة، فأساء جوبيلز إلى نفسه والى الحزب الحاكم والى الشعب اليمني.
ندما يلتقي الآلاف من أعضاء المؤتمر الشعبي العام في عدن بعد أيام في تظاهرة حزبية مرشحة لأن تكون اكبر حشد لحزب سياسي يمني على الإطلاق، سيجد الحزب الحاكم نفسه في وضع حرج. فإذا كان إعلان رئيس الجمهورية (ورئيس المؤتمر) في الصيف الماضي عزمه عدم ترشيح نفسه قد وضع الحزب في حرج بالغ سيكون من الخطأ معه طرح مسالة اختيار مرشح المؤتمر للانتخابات الرئاسية القادمة للنقاش في هذا الظرف بالذات، فان مبادرة المشترك للإصلاح السياسي والوطني قد رفعت سقف المطالب الشعبية المقدمة للحزب الحاكم إلى مستوى غير مسبوق. ومهما كانت الإصلاحات التي سيتبناها المؤتمر الشعبي العام في مؤتمره العام السابع، فإنها لن تصل إلى المستوى الذي تبنته المعارضة.
لقد ارتكب المؤتمر الشعبي العام خطأ فادحا عندما استبدل السياسة بالغوغائية وأوكل إلى إعلام "جوبيلز" مسألة الرد على المبادرة، فأساء جوبيلز إلى نفسه والى الحزب الحاكم والى الشعب اليمني. وبالنظر إلى أن عيون الخارج مسلطة على اليمن ونظامه وقيادته وطريقة أدائها ومدى ديمقراطيتها، فان الطريقة التي تم التعامل بها مع المبادرة قد جعلت الكثيرين يعقدون مقارنة كان يمكن تجنبها بين ما فعله الإمام يحيى حميد الدين في عام 1948 عندما اتهم دعاة الدستور بالكفر وبين اتهامات القيادات المؤتمرية لأحزاب اللقاء المشترك بالعمالة والخيانة والانقلاب على الدستور والنظام والسعي للانفصال وغير ذلك من التهم التي لم يكن جوبير ذاته ليستخدمها في هذا الوقت بالذات.
لقد أساءت قيادات المؤتمر إلى نفسها والى أصدقاء اليمن. فتصوير النظام البرلماني بأنه إسرائيلي فيه إساءة كبيرة لدولة صديقة لليمن مثل بريطانيا التي طورت النظام البرلماني خلال 800 عام من عمرها. كما أن فيه إساءة أيضا إلى دول أخرى كثيرة صديقة لليمن.
كان المؤتمر قد التزم صوت العقل في رده الأولي على المبادرة عندما أشار باقتضاب بعد بضع ساعات على إعلان المبادرة إلى أن تقديم أحزاب المشترك لمبادرة للإصلاح الوطني لا يتناقض مع الديمقراطية وان الحكم في الأخير هو الناخبين. لكن صوت العقل سرعان ما اختفى ليحل بدلا عنه "غوغائية" تندرج تحت مفهوم "تدمير الذات." لقد كان المؤتمر في حاجة ماسة ، ولو على سبيل الحفاظ على ماء الوجه، إلى منطق الدكتور أبو بكر القربي في نقاشه للسيدة جين نوفاك حول وضع الديمقراطية في اليمن. لكن المؤتمر وجد نفسه فجأة يقع في فخ "اللامنطق." وكالعادة فقد ظهر الإعلام الرسمي وكأنه يقول الشيء وضده في نفس الوقت.
وكان كريكاتير الصفحة الأخيرة من العدد الأخير من صحيفة الصحوة والصادر في الأول من ديسمبر موفقا إلى حد كبير في التعبير عن أزمة الحزب الحاكم. فقادته يقولون بان مشروع المشترك "مسروق من الحزب الحاكم" وفي نفس الوقت يصفون المشروع بأنه "خيانة للوطن." ومع أن التناقض في تصريحات قادة المؤتمر ومواقفها قد يكون مبررا في حزب كالمؤتمر يقدم نفسه للناس على انه الوطن ويقدم سياساته على أنها السياسات الوطنية وما عداها فهو الخيانة، إلا أن الخروج عن مقتضيات الأدب والمنطق يمكن أن يضر بالمؤتمر وبالحياة السياسية. فإهانة الآخرين والتشكيك بوطنيتهم وبصدق مواقفهم لا يولد تطرفا مقابلا فقط ولكنه أيضا يكرس ثقافة لا تخدم التطور السياسي والاستقرار في اليمن.
وإذا كان المؤتمر الشعبي العام قد اخطأ في رده على مبادرة اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني الشامل فانه سيرتكب خطأ أكثر فداحة إذا تبنى من جانب واحد ودون حوار مع المعارضة أي برنامج للإصلاح الوطني. لقد تضمنت مبادرة اللقاء المشترك في لغتها وتوقيتها العديد من الرسائل الموجهة إلى المؤتمر وقيادته. لكن الخوف هو أن تأخذ المؤتمريين العزة بالإثم وان يعميهم غرور القوة الغاشمة عن قراءة تلك الرسائل وفهمها بالشكل المطلوب. وإذا فشل المؤتمريون في التقاط تلك الرسائل أو فهمها أو في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها فإنهم ربما أضاعوا على أنفسهم وعلى البلاد فرصة لا تعوض في نزع فتيل التوتر وفي تجنيب البلاد الوقوع في دوامة "عدم الاستقرار السياسي."
إذا كان المؤتمريون عاقدون العزم، وبنية صادقة، على القيام ببعض الإصلاحات التي تتقاطع مع مطالب أحزاب اللقاء المشترك فانه من مصلحتهم ومن مصلحة البلاد أن يتم تبني تلك الإصلاحات من خلال حوار وطني موسع وان يعملوا على جعل أحزاب المعارضة تشعر بان تلك الإصلاحات قد كانت بمثابة تنازلات قدمت لها من قبل الحزب الحاكم وأنها شريكة في صنع المستقبل. إن القراءة المتأنية لمبادرة اللقاء المشترك لا تدع مجالا للشك في أن تلك الأحزاب في ظل استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه مصممة على منافسة الرئيس صالح في انتخابات سبتمبر القادم، وبقوة.
ومع أن منافسة المعارضة للرئيس مطلوبة وشرط هام للانتقال بالديمقراطية في اليمن من مرحلة الشعار إلى مرحلة التطبيق إلا انه من الأفضل للرئيس وحزبه وللمعارضة ولليمن عموما في ظل الظروف الحالية التي تتبلور فيها ثنائية سياسية حادة يعمل المؤتمر على رسم خطوطها، ويسود فيها جو من عدم اليقين بشأن المستقبل وبشأن الوضعين الداخلي والخارجي لليمن أن يتم اللجوء إلى الحوار لحسم الكثير من الأمور ولبناء إجماع وطني يخلق قدرا من اليقين عند أبناء الشعب اليمني حول مستقبل بلادهم. فأي انتخابات تنافسية حقيقية على أعلى موقع في السلطة في ظل الظروف القائمة يمكن أن تمثل تهديدا كبيرا للاستقرار السياسي النسبي القائم. وإذا كان الرئيس يراهن على حكمة الشيخ في مسألة مثل هذه، وهو رهان ربما كان في محله، فان عليه أن يدرك أن حكمة الشيخ وحدها قد لا تكفي للحفاظ على استقرار البلاد.
وسواء قرر المؤتمر تبني إصلاحات سياسية انفرادية وتحمل التبعات التي يمكن أن تترتب عليها، أو اتبع طريق السياسة وفتح حوار مع
فأي انتخابات تنافسية حقيقية على أعلى موقع في السلطة في ظل الظروف القائمة يمكن أن تمثل تهديدا كبيرا للاستقرار السياسي النسبي القائم.
لمعارضة وجعلها شريكا حقيقيا في الإصلاح وضامنا لعدم الانحراف بالإصلاحات في اتجاه تكريس الوضع الراهن، فانه من مصلحة اليمن وأهل اليمن أن تبدأ حركة الإصلاحات من أعلى ثم تتجه بالتدريج إلى الأسفل بدلا من أن يبدأ الإصلاح من الأسفل ثم يتجه إلى الأعلى. وإذا كان رئيس الجمهورية قد عقد العزم على القيام بإصلاحات تتصل بالطريقة التي يعمل بها النظام فان عليه أن يقوم بتلك الإصلاحات على المستوى المركزي وليس المحلي.
وإذا كانت بعض الأطراف الخارجية، بحسن أو بسوء نية، تدفع في اتجاه انتخاب المحافظين ومدراء المديريات، فمن الواضح أن أي إصلاح سياسي يبدأ بانتخاب المحافظين ومدراء المديريات في ظل غياب الدولة المركزية القوية وفي ظل الوضع المزري لأجهزة القضاء والأمن والنيابة العامة يمكن أن يكون بمثابة القشة التي تكسر ظهر الدولة الموحدة في اليمن. إن انتخاب مدراء المديريات ومحافظي المحافظات ينبغي أن يكون نقطة النهاية في أي إصلاح سياسي حقيقي يتبنى الديمقراطية عن قناعة، وليس نقطة البداية. وإذا كان المؤتمر الشعبي العام عاقد العزم على تقديم تنازلات للشعب اليمني فان الأجدر به أن يعطي تلك التنازلات في مسائل تعمق الديمقراطية دون أن تهدد بنية الدولة المركزية الهشة. إن الحديث عن انتخاب المواطنين لمدراء المديريات في بلد لا يستطيع فيه أساتذة الجامعات انتخاب رؤوساء أقسامهم وعمداء كلياتهم واللجان المختلفة التي تنظر في شئونهم لا يمكن أن يكون واقعيا. كما لا يمكن أن يساهم في بناء الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك فانه قد يساهم في تحطيمها.
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.