بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادرة المشترك...حديث " الحقيقة للقوة " !
نشر في التغيير يوم 29 - 12 - 2005


د. عبد الله الفقيه*
أحسنت أحزاب اللقاء المشترك صنعا يوم السادس والعشرين من نوفمبر 2005 حين انتقلت من اسلوبها القديم القائم على توظيف استراتيجية "رد الفعل" إلى أسلوب جديد يقوم على المبادرة بالفعل السياسي. لقد طال انتظار الناس لمولود المعارضة الذي حملته طويلا ثم ولدته بعد طول مخاض. ومهما كانت نقاط الضعف في مبادرة أحزاب اللقاء المشترك للإصلاح الوطني الشامل، وهي كثيرة بالفعل وتبدأ بالجانب الاقتصادي ولا تنتهي عند حقوق المرأة، فان المبادرة بشكلها المعلن قد وضعت النقاط على الحروف في الكثير من الأمور ومثلت شيئا جديدا في واقع
ياسي يتصف بالشيخوخة والجمود والعقم ويعمل على اجترار تاريخ مملوء بالقحط والجدب الفكري.
نجاحات عدة
ققت أحزاب اللقاء الم
إن انتخاب مدراء المديريات ومحافظي المحافظات ينبغي أن يكون نقطة النهاية في أي إصلاح سياسي حقيقي يتبنى الديمقراطية عن قناعة، وليس نقطة البداية.
شترك بتوقيعها على مبادرة للإصلاح الوطني الشامل في الجمهورية اليمنية عدة نجاحات بغض النظر عن الكيفية التي ستتطور بها الأمور في المستقبل. فلقد نجحت أولا في تجاوز الاختلافات الإيديولوجية بينها، وفي رمي التاريخ العدائي الذي اتصفت به لاقة بعضها ببعض خلف ظهرها. وبدلا من العيش في الماضي بكل مآسيه قررت وبشجاعة الانحياز إلى الحاضر والمستقبل. وهناك الكثير من الدلالات الإيجابية التي يمكن استخلاصها من إقدام أحزاب اللقاء المشترك على خطوة بمثل هذا الحجم. أهم تلك الدلالات هي أن تلك الأحزاب ربما لم تعد تفكر بمصالح قادتها وأحزابها فقط. وهذا النضوج الحزبي يبعث على الارتياح وعلى الخوف معا. هو أمر يبعث على الارتياح لأن التجرد عن المصالح الأنانية الضيقة والإلتفات إلى المصلحة الوطنية التي هي مصلحة كل يمني بغض النظر عن حزبه وقبيلته ومنطقته يدل على نضوج سياسي كبير في بيئة يعتبر التخلف السياسي والانتهازية السياسية أهم الصفات المميزة له. وهو أمر يبعث على الخوف لأنه قد يعني أن أحزاب المعارضة لم تقدم على القيام بمثل تلك الخطوة ولم تغامر بمصالح قياداتها إلا بعد أن رأت البلاد تنزلق نحو الهاوية. وإذا كان الافتراض الثاني هو الصحيح فان المعارضة ربما تكون قد تأخرت كثيرا في تقديم مبادرتها.
لم يعد من الممكن القول بعد إصدار أحزاب اللقاء المشترك للمبادرة انه إذا وجد شخص ما خمسة يمنيين يعيشون بمفردهم في مكان ما فانه سيجد أيضا أنهم قد شكلوا عشرة أحزاب. كما لم يعد من الممكن القول إن الشعب اليمني يعمل كرجل المطافيء الذي كلما اشتعل حريقا سارع إلى إطفاءه دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن الأسباب التي تؤدي لاشتعال الحرائق، ويعمل على معالجتها. لقد سبقت احزاب المعارضة اليمنية هذه المرة اشتعال الحريق بتقديم رؤية وطنية متقدمة تتناسب في وضوحها ومعالجاتها مع طبيعة التحديات التي تواجهها الجمهورية اليمنية ومع طبيعة المخاطر التي تهدد الأمن القومي للبلاد. ونجحت أحزاب اللقاء المشترك في تصحيح بعض المفاهيم السيئة عن الأحزاب اليمنية وقدمت هذه المرة دليلا على براءتها من تهمة الانتهازية التي كان الأستاذ علي سيف حسن أول من وصمها بها في تفصيل مبادرته للإصلاح السياسي. ولا بد أن الذين وقعوا على المبادرة، وبصلابة لا تلين وشجاعة لا تنكر، قد أدركوا حجم المخاطرة التي أقدموا عليها، وجعلوا من مبادرتهم بمثابة "حديث الحقيقة للقوة."
كما نجحت أحزاب اللقاء المشترك من خلال مبادرتها في إزالة ورقة التوت التي تختفي خلفها مشاكل اليمن ، وفي توصيفها بلغة واضحة السبب الرئيس للازمة اليمنية القائمة والمتمثل في الاستبداد. ذلك التوصيف جعل من المبادرة التي تم إطلاقها امتدادا لنضال يمني طويل ضد الحاكم المستبد ابتدأ في وقت مبكر من القرن العشرين ولم يتوقف بقيام الثورتين في شمال اليمن وجنوبه. كما لم يتوقف أثناء حكم القبائل لشمال اليمن وحكم الاشتراكيين لجنوبه. وقدمت أحزاب اللقاء المشترك رؤية وطنية للخروج من الأزمة اتصفت بالمسئولية والابتعاد عن المكايدات السياسية، واستوعبت مختلف الأفكار والطروحات المقدمة. إن أي قراءة منصفة للمبادرة ستجد أنها تمثل، وبدون أي مجاملة، ارقي ما وصل إليه الفكر السياسي اليمني في تطوره عبر التاريخ. بل هي خلاصة للتطور الفكري لليمنيين خلال المائة سنة الماضية.
وكانت أحزاب اللقاء المشترك موفقة عندما أقرت بان المبادرة المعلنة هي ملك لكل اليمنيين الحريصين على امن بلادهم واستقراره ونموه وتقدمه، والساعين للحفاظ على وحدته وسيادته وبناء الدولة الديمقراطية العادلة. وأصابت أحزاب اللقاء المشترك كثيرا عندما أعلن قادتها في المؤتمر الصحفي الذي خصص لإعلان المبادرة بان مشروعهم مطروح أمام كافة القوى للنقاش وليعمل الجميع على إثرائه وتطويره. وتكون أحزاب المعارضة بذلك الإعلان الذي نتمنى أن ينتقل من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل قد خطت الخطوة الأولى في ترسيخ ثقافة الديمقراطية عن طريق التسليم بان لا احد على الساحة يملك الحقيقة كاملة وان اليمنيين بعامتهم في الأحزاب وخارجها وفي السلطة والمعارضة هم أصحاب المصلحة الحقيقية في الإصلاح الشامل وان كل رأي له قيمته بغض النظر عن صوابه من خطئه.
وحققت أحزاب المعارضة نجاحا عندما رفضت الاستقواء بالخارج ووضعت دور الخارج حيث يجب أن يكون، وعندما أعلنت في حفل توقيع المبادرة، وقد صدقت في ذلك، أن الهدف من المبادرة ليس الاستقطاب السياسي والاجتماعي. فالمبادرة التي تصدر عن أحزاب ما يفرقها يفوق ما يجمعها لا يمكن أن تكون مبادرة للاستقطاب السياسي، بل هي مبادرة لكل المواطنين والأحزاب.
نقاط ضعف
الحديث عن نجاحات المعارضة لا ينبغي أن يأتي على حساب الحديث عن نقاط الضعف في المبادرة. فإذا كانت المعارضة قد قالت كلمتها فيما يتصل بالجانب السياسي وبشكل واضح فإنها لم تقل كلمتها بنفس الوضوح بشأن الجانبين الاقتصادي والاجتماعي. وإذا اخترنا مسألتي
بالنسبة لمسألة تمكين المرأة فان مبادرة المشترك قد فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع المرأة اليمنية كشريك وكصاحب حق وتم تغييب القضايا الجوهرية للمرأة ومن ضمنها التمكين السياسي
ناء الاقتصاد الحر الذي يتفق مع تطلعات اليمن للاندماج في الاقتصاد العالمي ومع اشتراطات شركاء اليمن في تحقيق التنمية ومسألة تمكين المرأة اليمنية، فان مبادرة اللقاء المشترك قد فشلت في تقديم رؤية واضحة للمسألتين. وهناك تفسيرات مختلفة للضعف الذي اعترى المبادرة في هاتين المسألتين. فربما أن التباين الإيديولوجي بين الحزبين الرئيسيين في اللقاء المشترك وهما التجمع اليمني للإصلاح والاشتراكي قد قاد الاثنين إلى صفقة ضحى الإصلاحيون بموجبها بمطلبهم في بناء الاقتصاد الحر مقابل تضحية الاشتراكي بحقوق النساء.
وقد يكون الغموض الملحوظ في معالجة الجانب الاقتصادي راجعا ليس إلى تمسك الاشتراكيين بأفكارهم القديمة ولكن إلى طغيان الجانب السياسي على الجوانب الأخرى في ثقافة وتفكير المعارضة وكما هو عليه الحال بالنسبة للسلطة. وقد يكون سبب ذلك الغموض هو العجلة التي تمت بها صياغة الجزء الخاص بالجانب الاقتصادي.
بالنسبة لمسألة تمكين المرأة فان مبادرة المشترك قد فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع المرأة اليمنية كشريك وكصاحب حق وتم تغييب القضايا الجوهرية للمرأة ومن ضمنها التمكين السياسي بطريقة ستجعل المعارضة تبدو أمام الخارج والداخل كعدو للمرأة. ويصعب تفسير ذلك التغييب للمرأة اليمنية في مبادرة المشترك. فربما كان سببه ضعف الدور الذي تلعبه المرأة في أحزاب المعارضة وعدم تمثيل المرأة في اللجنة التي صاغت مبادرة المشترك أو في اللجان التي صاغت المبادرات الأخرى التي مثلت المصادر لمبادرة المشترك. وقد يكون سبب ذلك التغييب للمرأة هو موقف التجمع اليمني للإصلاح وهو اكبر أحزاب المعارضة من المرأة اليمنية وهو موقف يتصف بالغموض على أحسن الأحوال وبالعداء الصريح للمرأة في أسوء الأحوال. وإذا كان قد اشتهر عن قحطان، الذي يمثل الجناح الليبرالي في حركة الإخوان اليمنية، تصريحاته المناصرة للمرأة وقضاياها وموافقته على ترشيحها لرئاسة الدولة، فان الجناح المحافظ للإخوان له موقفه المتشدد الذي يبدو أن السنوات الماضية لم تحدث فيه أي تغيير.
ومع التسليم بان الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة لا تختلف كثيرا على صعيد الممارسة في تعاملها مع قضايا المرأة إلا انه وعلى مستوى الخطاب السياسي يبدو الخطاب المؤتمري المتصل بالمرأة أكثر قوة وتحديدا ولفتا للانتباه.
وأيا كان السبب لتهميش المرأة في مبادرة المشترك فان قيادات المعارضة قد ارتكبت خطأ كان يمكن تجنبه. وإذا كان تهميش المرأة في المبادرة يعكس مصداقية أحزاب المعارضة في المطالب التي تضمنتها المبادرة، فانه يعكس أيضا غياب التجربة والخبرة في الممارسة السياسية وفي السعي لتعظيم قوة المبادرة. فلو أن أحزاب المعارضة تبنت قضايا المرأة وطالبت بتطبيق " الكوتا " لكانت قد حققت بعض المكاسب السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي. لكن الطريقة التي تعاملت بها المبادرة مع قضايا المرأة تكرس الصورة النمطية عن أحزاب المعارضة وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح. وإذا كان الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها في دولة مثل اليمن يعتمد على مساندة الخارج المعنوية والرمزية على الأقل أو حتى على عدم معارضة الخارج، فان أحزاب المعارضة بإهمالها للموقف الدولي من قضايا المرأة وفشلها في استيعاب ذلك الموقف في مبادرتها، قد أضعفت مصداقية طروحاتها بشكل كبير.
مرمى المؤتمر
لقد ارتكب المؤتمر الشعبي العام خطأ فادحا عندما استبدل السياسة بالغوغائية وأوكل إلى إعلام "جوبيلز" مسألة الرد على المبادرة، فأساء جوبيلز إلى نفسه والى الحزب الحاكم والى الشعب اليمني.
ندما يلتقي الآلاف من أعضاء المؤتمر الشعبي العام في عدن بعد أيام في تظاهرة حزبية مرشحة لأن تكون اكبر حشد لحزب سياسي يمني على الإطلاق، سيجد الحزب الحاكم نفسه في وضع حرج. فإذا كان إعلان رئيس الجمهورية (ورئيس المؤتمر) في الصيف الماضي عزمه عدم ترشيح نفسه قد وضع الحزب في حرج بالغ سيكون من الخطأ معه طرح مسالة اختيار مرشح المؤتمر للانتخابات الرئاسية القادمة للنقاش في هذا الظرف بالذات، فان مبادرة المشترك للإصلاح السياسي والوطني قد رفعت سقف المطالب الشعبية المقدمة للحزب الحاكم إلى مستوى غير مسبوق. ومهما كانت الإصلاحات التي سيتبناها المؤتمر الشعبي العام في مؤتمره العام السابع، فإنها لن تصل إلى المستوى الذي تبنته المعارضة.
لقد ارتكب المؤتمر الشعبي العام خطأ فادحا عندما استبدل السياسة بالغوغائية وأوكل إلى إعلام "جوبيلز" مسألة الرد على المبادرة، فأساء جوبيلز إلى نفسه والى الحزب الحاكم والى الشعب اليمني. وبالنظر إلى أن عيون الخارج مسلطة على اليمن ونظامه وقيادته وطريقة أدائها ومدى ديمقراطيتها، فان الطريقة التي تم التعامل بها مع المبادرة قد جعلت الكثيرين يعقدون مقارنة كان يمكن تجنبها بين ما فعله الإمام يحيى حميد الدين في عام 1948 عندما اتهم دعاة الدستور بالكفر وبين اتهامات القيادات المؤتمرية لأحزاب اللقاء المشترك بالعمالة والخيانة والانقلاب على الدستور والنظام والسعي للانفصال وغير ذلك من التهم التي لم يكن جوبير ذاته ليستخدمها في هذا الوقت بالذات.
لقد أساءت قيادات المؤتمر إلى نفسها والى أصدقاء اليمن. فتصوير النظام البرلماني بأنه إسرائيلي فيه إساءة كبيرة لدولة صديقة لليمن مثل بريطانيا التي طورت النظام البرلماني خلال 800 عام من عمرها. كما أن فيه إساءة أيضا إلى دول أخرى كثيرة صديقة لليمن.
كان المؤتمر قد التزم صوت العقل في رده الأولي على المبادرة عندما أشار باقتضاب بعد بضع ساعات على إعلان المبادرة إلى أن تقديم أحزاب المشترك لمبادرة للإصلاح الوطني لا يتناقض مع الديمقراطية وان الحكم في الأخير هو الناخبين. لكن صوت العقل سرعان ما اختفى ليحل بدلا عنه "غوغائية" تندرج تحت مفهوم "تدمير الذات." لقد كان المؤتمر في حاجة ماسة ، ولو على سبيل الحفاظ على ماء الوجه، إلى منطق الدكتور أبو بكر القربي في نقاشه للسيدة جين نوفاك حول وضع الديمقراطية في اليمن. لكن المؤتمر وجد نفسه فجأة يقع في فخ "اللامنطق." وكالعادة فقد ظهر الإعلام الرسمي وكأنه يقول الشيء وضده في نفس الوقت.
وكان كريكاتير الصفحة الأخيرة من العدد الأخير من صحيفة الصحوة والصادر في الأول من ديسمبر موفقا إلى حد كبير في التعبير عن أزمة الحزب الحاكم. فقادته يقولون بان مشروع المشترك "مسروق من الحزب الحاكم" وفي نفس الوقت يصفون المشروع بأنه "خيانة للوطن." ومع أن التناقض في تصريحات قادة المؤتمر ومواقفها قد يكون مبررا في حزب كالمؤتمر يقدم نفسه للناس على انه الوطن ويقدم سياساته على أنها السياسات الوطنية وما عداها فهو الخيانة، إلا أن الخروج عن مقتضيات الأدب والمنطق يمكن أن يضر بالمؤتمر وبالحياة السياسية. فإهانة الآخرين والتشكيك بوطنيتهم وبصدق مواقفهم لا يولد تطرفا مقابلا فقط ولكنه أيضا يكرس ثقافة لا تخدم التطور السياسي والاستقرار في اليمن.
وإذا كان المؤتمر الشعبي العام قد اخطأ في رده على مبادرة اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني الشامل فانه سيرتكب خطأ أكثر فداحة إذا تبنى من جانب واحد ودون حوار مع المعارضة أي برنامج للإصلاح الوطني. لقد تضمنت مبادرة اللقاء المشترك في لغتها وتوقيتها العديد من الرسائل الموجهة إلى المؤتمر وقيادته. لكن الخوف هو أن تأخذ المؤتمريين العزة بالإثم وان يعميهم غرور القوة الغاشمة عن قراءة تلك الرسائل وفهمها بالشكل المطلوب. وإذا فشل المؤتمريون في التقاط تلك الرسائل أو فهمها أو في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها فإنهم ربما أضاعوا على أنفسهم وعلى البلاد فرصة لا تعوض في نزع فتيل التوتر وفي تجنيب البلاد الوقوع في دوامة "عدم الاستقرار السياسي."
إذا كان المؤتمريون عاقدون العزم، وبنية صادقة، على القيام ببعض الإصلاحات التي تتقاطع مع مطالب أحزاب اللقاء المشترك فانه من مصلحتهم ومن مصلحة البلاد أن يتم تبني تلك الإصلاحات من خلال حوار وطني موسع وان يعملوا على جعل أحزاب المعارضة تشعر بان تلك الإصلاحات قد كانت بمثابة تنازلات قدمت لها من قبل الحزب الحاكم وأنها شريكة في صنع المستقبل. إن القراءة المتأنية لمبادرة اللقاء المشترك لا تدع مجالا للشك في أن تلك الأحزاب في ظل استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه مصممة على منافسة الرئيس صالح في انتخابات سبتمبر القادم، وبقوة.
ومع أن منافسة المعارضة للرئيس مطلوبة وشرط هام للانتقال بالديمقراطية في اليمن من مرحلة الشعار إلى مرحلة التطبيق إلا انه من الأفضل للرئيس وحزبه وللمعارضة ولليمن عموما في ظل الظروف الحالية التي تتبلور فيها ثنائية سياسية حادة يعمل المؤتمر على رسم خطوطها، ويسود فيها جو من عدم اليقين بشأن المستقبل وبشأن الوضعين الداخلي والخارجي لليمن أن يتم اللجوء إلى الحوار لحسم الكثير من الأمور ولبناء إجماع وطني يخلق قدرا من اليقين عند أبناء الشعب اليمني حول مستقبل بلادهم. فأي انتخابات تنافسية حقيقية على أعلى موقع في السلطة في ظل الظروف القائمة يمكن أن تمثل تهديدا كبيرا للاستقرار السياسي النسبي القائم. وإذا كان الرئيس يراهن على حكمة الشيخ في مسألة مثل هذه، وهو رهان ربما كان في محله، فان عليه أن يدرك أن حكمة الشيخ وحدها قد لا تكفي للحفاظ على استقرار البلاد.
وسواء قرر المؤتمر تبني إصلاحات سياسية انفرادية وتحمل التبعات التي يمكن أن تترتب عليها، أو اتبع طريق السياسة وفتح حوار مع
فأي انتخابات تنافسية حقيقية على أعلى موقع في السلطة في ظل الظروف القائمة يمكن أن تمثل تهديدا كبيرا للاستقرار السياسي النسبي القائم.
لمعارضة وجعلها شريكا حقيقيا في الإصلاح وضامنا لعدم الانحراف بالإصلاحات في اتجاه تكريس الوضع الراهن، فانه من مصلحة اليمن وأهل اليمن أن تبدأ حركة الإصلاحات من أعلى ثم تتجه بالتدريج إلى الأسفل بدلا من أن يبدأ الإصلاح من الأسفل ثم يتجه إلى الأعلى. وإذا كان رئيس الجمهورية قد عقد العزم على القيام بإصلاحات تتصل بالطريقة التي يعمل بها النظام فان عليه أن يقوم بتلك الإصلاحات على المستوى المركزي وليس المحلي.
وإذا كانت بعض الأطراف الخارجية، بحسن أو بسوء نية، تدفع في اتجاه انتخاب المحافظين ومدراء المديريات، فمن الواضح أن أي إصلاح سياسي يبدأ بانتخاب المحافظين ومدراء المديريات في ظل غياب الدولة المركزية القوية وفي ظل الوضع المزري لأجهزة القضاء والأمن والنيابة العامة يمكن أن يكون بمثابة القشة التي تكسر ظهر الدولة الموحدة في اليمن. إن انتخاب مدراء المديريات ومحافظي المحافظات ينبغي أن يكون نقطة النهاية في أي إصلاح سياسي حقيقي يتبنى الديمقراطية عن قناعة، وليس نقطة البداية. وإذا كان المؤتمر الشعبي العام عاقد العزم على تقديم تنازلات للشعب اليمني فان الأجدر به أن يعطي تلك التنازلات في مسائل تعمق الديمقراطية دون أن تهدد بنية الدولة المركزية الهشة. إن الحديث عن انتخاب المواطنين لمدراء المديريات في بلد لا يستطيع فيه أساتذة الجامعات انتخاب رؤوساء أقسامهم وعمداء كلياتهم واللجان المختلفة التي تنظر في شئونهم لا يمكن أن يكون واقعيا. كما لا يمكن أن يساهم في بناء الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك فانه قد يساهم في تحطيمها.
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.