الإهداء: الى الدكتور علي الفقيه مع تضامني وتمنياتي بالشفاء التغيير احمد صالح غالب الفقيه: في تصريح غير مسؤول، يرقى الى درجة التهديد باشعال نيران حرب اهلية، هدد عبد القادر باجمال، ومن موقعة كامين عام للمؤتمر الشعبي العام، بتسليح الناس (اعضاء حزبه )، ليقوموا بقتل الناس الذين يحتجون ويعتصمون مطالبين بحقوقهم. وهو ما يدفع الى التساؤل عن الجهة التي يعمل لصالحها والاسباب الحقيقية التي دعت هذا الرجل الى اطلاق مثل هذه التصريحات، خاصة مع ما يقال عن ادواره المعروفة في تقويض الدولة والسلام الاجتماعي في اليمن، بداية من ادوارة في الاحداث المروعة في يناير 1986، والاحداث الاكثر ترويعا في حرب العام 1994 ، ودوره الكبير في اباحة حقوق البلاد، في تسويات الحدود، التي لم تعد على البلاد باي فائدة، على الرغم من التفريط المخزي والمذل بالحقوق. ثم ادواره في الصفقات النفطية الفضائحية التي ابرمها كرئيس للحكومة، في عمليات بيع حقوق الدولة في قطاعات منتجة باثمان بخسة، والتي اوقف بعضها اعضاءحزبه في مجلس النواب بالتعاون مع المعارضة. ثم الاتفاقيات المجحفة المتعلقة باعادة التجديد لشركة هنت في حقول مارب النفطية، والتي كادت تفقد البلاد مليارات الدولارات، لولا تصدي اعضاء مجلس النواب من المعارضة والمؤتمر معا لها. وصولا الى الاتفاقيات المجحفة بحقوق الدولة في الغاز وفي المنطقة الحرة، والتي ادت الى فشل المشروع وتعثره الى اليوم. ثم ما نشهده اليوم من نتائج سياسية الخصخصة التي قادها، والتي ادت الى التفريط بموجودات الدولة وممتلكاتها، من صوامع الغلال التي تخص هذه المادة الاستراتيجية، التي يذبح غلاء سعرها المواطنين اليوم، اضافة الى قيامه بحل مؤسسات الدولة الانتاجية والخدمية كمؤسسات الحبوب والخضار ... الخ والعواقب الوخيمة التي ادت اليها. وفي مواجهة هكذا مسؤولين وهكذا ادارة، لم يعد امام المواطنين والمعارضة معا، من حل لايقاف التدهور والفساد في السلطة والمجتمع، الا العصيان المدني. وتعرف الموسوعة اليريطانية العصيان المدني ( بانه المقاومة السلمية التي تعني رفض اطاعة اوامر الحكومة او قوة الاحتلال دون اللجوء الى العنف، وقد كان العصيان المدني فلسفة حركتي المقاومة الجنوب افريقة والهندية وتكتيكهما الرئيسي، وكذلك الحال في حركة الحقوق المدنية للسود في الولاياتالمتحدةالامريكية ). وفي ظل القانونين الجائرين الخاصين بالتظاهرات والجمعيات،واللذين قيدا حقوق المواطنين في التنظيم والاعتصام والتظاهر المنصوص عليها في الدستور، باشتراط الموفقة المسبقة للجهات الامنية، اضطر المواطنون الى رفض اطاعة هذين القانونين، نظرا لرفض الجهات الامنية الترخيص لهم، وهو ما جعل الاحتجاجات والتظاهرات التي شهدتها الاسابيع والاشهر الماضية، عصيانا مدنيا، طبقا لتعريف الموسوعة البريطانية المشار اليه انفا. وينصب اعتراض المعترضين على العصيان المدني، بانه غير ضروري طالما كانت هناك قنوات قانونية لاحداث التغيير في المظالم التي يشكو منها الناس. وقد اجاب زعيم الحقوق المدنية الامريكي مارتن لوثر كنج على اعتراض مماثل بقوله: ( ان الامر يتطلب القاء نظرة فاحصة على القنوات القانونية للتغيير، فهي ان كانت مفتوحة ومتاحة من الناحية النظرية، بينما تكون معاقة وعاجزة عن التغير من الناحية العملية، بسبب عوائق غير شرعية امام تحقيق العدالة، فان العصيان المدني يصبح ضروريا ). ويرد ناشطون حقوقيون اخرون مثل ( ثوريو ) :( بان الانسان انما ولد ليعيش حياته وليس ليقضيها في اروقة المحاكم ). ويذهب اخرون الى القول ( القوانين المحلية التي تقف عائقا امام الحقوق والحريات، والتي تتعارض مع القوانين الدولية التي التزمت بها الدولة، كشرعة حقوق الانيان وميثاق الالفية، توجب مبادئ نورمبرج على المواطنين تحدي هذه القوانين المحلية باعتبارها باطلة وغير شرعية، ويصبح عصيانها واجبا مدنيا واخلاقيا ). ان تصعيد المقاومة السلمية والعصيان المدني هو الطريق الى نيل الحقوق والحريات، ومنع الفوضى والحروب الاهلية في اليمن، وهو واجب وطني، وواجب ديني، وواجب خلاقي. وعلى الناس ان يكفوا عن كونهم مجرد ضحايا خانعين، وشياطين خرسا. ***
تلامذة ميكيافيللي الخائبون منذ خمسامائة عام ونيف كتب نيقوللو ميكيافيللي كتابه (الأمير) على هيئة قواعد للسلوك يجب أن يتبعها الأمير أو الحاكم المستبد، حتى يديم سيطرته على البلاد والعباد. وقد أصبح هذا الكتاب مصدرا للإلهام لدى كثير من الحكام حتى في القرن العشرين. ولكن هذا لم يمنع أن يكون لميكيافيللي تلامذه خائبون، سقطوا في المحذور، ففقدوا عروشهم وحتى رءوسهم. وفي الكتاب عبر يمكن اسقاطها على الأوضاع الحاضرة في بلادنا. يقول ميكيافيللي :"على الأمير الذي يصل إلى منصبه باختيار الشعب أن يحافظ على صداقة هذا الشعب، وهي في متناول يده، إذ أن كل مايطلبه الشعب لا يعدو الخلاص من الطغيان. أما الامير الذي يصل إلى منصبه عن طريق النبلاء(المتنفذين)، وضدا على إرادة الشعب، فان عليه ان يتبع كل وسيلة ممكنة لكسب صداقة شعبه، وذلك أمر سهل اذا فرض حمايته عليه. ولما كان من طبيعة الناس أن يشعروا بالدين الكبير لمن يلقاهم بالمعروف، مع أنهم لم يكونوا يتتظرون منه إلا المكروه، فإن الشعب سبصبح أكثر ميلا لهذا الأمير منه للأمير الذي يختاره برضاه". "إن من الضروري لكل أمير أن يكسب صداقة شعبه، وإلا فإنه لن يجد لنفسه أي ملجأ في وقت الشدة والضائقة" ويفسر لنا ميكيافيللي ظواهر الانشقاق بين الأعوان كما العواضي والقاضي وميسري، وذلك ان تلامذة ميكيافيللي الخائبين يجمعون حولهم ما يشبه العصابة من الأعوان، ويغدقون عليهم المال والجاه، ويسلطونهم على الشعب، معتبرين أن الشعب(مخلوق حقير)، لايمكن الإعتماد عليه في وقت الشدة , وان أفراد عصابة الأعوان هم الذين يمكن الركون إليهم والإعتماد عليهم، ولذلك يطلقون لهم الحبل على الغارب فيعيثون في الأرض فسادا، وينهببون المال العام، ويجمعون الثروات غير المشروعة، بل ويعتدون على أموال الناس وحرماتهم دون رقيب أو حسيب. يقول ميكيافيللي : عندما يتحول الأمير إلى وضع الحاكم المستبد الذي يحكم إما مباشرة ، أو عن طريق القضاة (الأعوان الذين يختارهم) ، فإن وضع الأمير في هذه الحالة الأخيرة يضعف ويصبح معرضا للخطر، لانه يصبح تحت رحمة هؤلاء الذين اختارهم ليحكم بواسطتهم، والذين يستطيعون في أوقات الشدة أن يخلعوا الأمير من منصبه، اما بالعمل ضده أو عن طريق عصيان أوامره. وفي مثل هذه الحال ، وعند حلول مثل هذا الخطر لا يكون الأمير في وضع يمكنه من تسلم زمام السلطة بيده، لأن المواطينين والرعايا لا يكونون مستعدين لإطاعة أوامر الأمير، وسيكون دائما مفتقرا في الأوقات الصعبة الى الرجال الذين يستطيع الإعتماد عليهم حقا. ومثل هذا الأمير لن تتحقق خططه التي وضعها طبقا لما يراه في أوقات السلم، إذ أن المواطنين المحتاجين الى الدولة في وقت السلم، يغدقون الوعود، ويعربون عن استعدادهم للموت في سبيله عندما يكون الموت بعيدا (بالروح والدم نفديك يا علي). أما عند الشدة ، وعندما يحتاج مثل هذا الأمير إلى مواطنيه، فإنه لن يجد إلا القليلين) . ولقد رأينا جميعا كيف هجر الجنود لعراقيون وحداتهم في أوج الحرب. ويختم ميكيافيللي هذا الجزء بالقول : ( ولا ريب أن هذه التجربه بالغة الخطورة، إذ انها لا تقع للأمير إلا مرة واحدة (يفقد بعدها منصبه وربما رأسه). ولذا فأن الأمير العاقل سيبحث عن السبل التي سيشعر بواسطتها االموطنون ،في كل حين ، وفي جميع الأوضاع الممكنة، بالحاجة الى قيادة الامير لهم فيخلصون في الولاء له. ولكن وعلى راي أم كلثوم (فات الميعاد وبقينا بعاد). أليس كذلك؟
*** الأسوأ والجيد والأفضل
يتصاعد عدد ضحايا أجهزة القمع الحكومية من المتظاهرين والمحتجين في المدن الجنوبية ، الى حد يهدد يحدوث الأسوأ، في ظل الصمت المدمر للوحدة الوطنية الذي يشهده الشمال . فحتى أحزاب اللقاء المشترك ، التي طالما أخرجت المظاهرات والمسيرات ، وجمعت التبرعات، نصرة للفلسطينيين والشيشان، والبوسنيين ، وألبان كوسوفو، لا تقيم فعاليات التضامن مع الجنوبيين في الشمال، وإنما تقيمها في الجنوب. فمراكزها وفروعها في مدن الشمال ومحافظاته تتصرف كما لو أها لا علاقة لها بما يجري في الجنوب . وهذا لعمري أشد وأنكى على الوحدة الوطنية من القمع الذي تمارسه أجهزة السلطة . فما تفعله السلطة متوقع منها على الأقل. ان هذه الهوة الأخذة في الاتساع بين الجنوب والشمال تثير المخاوف من أسوأ السيناريوهات الممكنة الحدوث. فقد دأبت المؤسسات الدولية والبحثية، الأوروبية والأمريكية ، على وصف اليمن بالدولة الفاشلة ، وقد خرجت منها التقارير التي يأخذ بعضها برقاب بعض حاملة نذر فشل الدولة في اليمن. وطبقا للاستراتيجية الغربية ، المعروفة ، في مكافحة الإرهاب، والحرب عليه ، تعتبر الدولة الفاشلة تهديدا خطيرا لهم، لإمكانية وقوعها تحت سيطرة المنظمات الجهادية ، التي ستحولها ،حسب رأيهم ، الى مأوى ، ونقطة إنطلاق، ومعسكر تدريب. وفي حالة اليمن يصبح تهديد المصالح النفطية وخطوط مواصلاتها خطرا داهما ، قد تجد معه هذه الدول أن إعادة تقسيم البلاد ربما يؤمن خطوط المواصلات على امتداد البحر العربي ، وهو ما يمكن تنفيذه بحجة حماية سكان الجنوب من تغول السلطة الحاكمة وأجهزتها الامنية ، وطبقا لشرعة الأممالمتحدة في حق تقرير المصير. الدول الفاشلة في وطننا العربي ابتداء من الصومال والعراق ومرورا بلبنانواليمن اتصفت بأنظمة حكم مارست التمييز الطائفي والمناطقي، وانعدمت فيها العدالة في معاملة جميع المواطينين بالسوية، والمواطنة المتساوية. وقد كانت موريتانيا مرشحة للحاق بطابور الدول الفاشلة لولا حركة الجيش التي اسقطت النظام الفاسد، واستعادت حقوق الشعب المنهوبة، وسلمت السلطة الى حكومة منتخبة بنزاهة، وكذلك السودان الذي ينتزع نفسه اليوم بصعوبة من مصير الدولة الفاشلة، باتفاقيات تقاسم الثروة والسلطة مع الجنوبيين ، وسكان شرق السودان، واخيرا في دارفور. ومن الواضح اليوم أن الدول الفاشلة هي تلك التي أبتليت بالانقلابيين العسكريين الدين اغتصبوا السلطة ، ثم اعتمدوا في سبيل الحفاظ عليها على الأسرة والعشيرة وحتى الطائفة ، ومن لم يعتمد على الجيش أوالقبيلة منهم في الوصول الى السلطة ، أوصلته المخابرات الأجنبية . وفي سبيل السلطة والبقاء في سدتها، فرطوا حتى في الحقوق الوطنية تحت شعارات رنانة زائفة. ولكن الجيد هو أن العسكرية العربية قد استفادت من دروس الماضي واخذت تعيد الاعتبار الى ذاتها، وشرعت في الانقلاب على الانقلابيين، وفي تصحح المسار ، وتعيد السلطة المغتصبة الى الشعب ، كما حدث في موريتانيا، وقبلها في السودان على يد سوار الذهب، واليوم في لبنان التي يقف فيها الجيش حارسا للبلاد رافضا اتهامات السلطة لسوريا بأنها وراء تنظيم فتح الإسلام ، وهو ما يحمل دلالات غاية في الأهمية. ومثل هذا لم يحدث في اليمن بعد ولكنه ممكن الحدوث. غير أن الأفضل من ذلك هو أن تتحرك أحزاب المعارضة اليمنية في الشمال مثل الجنوب، لتقود الناس الى التضامن الفعال مع المظلومين أينما كانوا، ولتصعيد النضال السياسي الشعبي حتى النصر الذي لا يتحقق إلا باستعادة الحقوق، حقوق المواطن وحقوق الدولة المغتصبة والمنهوبة . وبهذا التضامن فقط يكون هناك أمل في صيانة الوحدة الوطنية.