بعيداً عن لغة الخطابات، بعيداً عن الغوص في النظريات، بعيداً عن الفلسفة التي لم ولن يفهمها الجائعون، أقول أن البحث عن الحلول بطرح أيديولوجيا جديدة – كالطريق الثالث مثلاً- وكما أرى أنا شخصياً - هو في أبسط أشكاله دليل على سلوك يتنافر فيه الوعي بالمشكلات مع اتجاه الفعل، من يتجهون حالياً الى الطريق الثالث، إنما وبلا وعي يبحثون عن غطاء أيديولوجي لحالة العجز واليأس التي استولت عليهم الآن، وعن مهرب من دائرة الفعل مستقبلا، مع أنهم على يقين – كما الجميع- أن المشكلة لم تكن يوماً في النظريات، وإنما في التطبيقات.. الطريق الثالث، منذ أن دعا إليها السويسري (كويس شيلد) في عام 1936- أي في زمن الكساد الكبير- وحتى أعاد طرحها مجدداً (أنطوني جدينز) في 1998- بعد إنهيار المعسكر الشرقي، وحتى اليوم لم تستطع خلال قرابة قرن كامل أن تنضج أو أن تجد لها طابعاً إجرائيا، أو مشروعاً عملياً قابل للتحقيق، ولطالما كانت فكرة طارئة لا تظهر إلا في أوقات الفوضى، أو أوقات الشعور بالفوضى وفي ظل حالة الاندماج معها، علاوة على استخدامها كشعارات في الحملات الانتخابية ل بيل كلنتون وتوني بلير. الحقيقة التاريخية والمنطقية، تقول بأنه لا توجد هناك منطقة وسطى بين المتناقضات، لقد فشل الفلاسفة العظام في التوفيق بين المادية والمثالية، وفشلت الأيديولوجيات الكبرى في التوفيق بين الإيمان والإلحاد، كما فشلت الأمبراطوريات العظمى في ايجاد نظام (اشتراسمالي).. وفي الوقت الذي نحن فيه على يقين بأن المكونات الدينية والطائفية هي المحرك الأقوى الآن لكل الصراعات الراهنة، يصبح الحديث عن طريق ثالث يقول بديمقراطية اجتماعية ومجتمع معرفي في اليمن ضرباً من ضروب العبث والاستخفاف.. توظيف اليمين لليسار نظرياً وبطريقة براجماتية، يمكن ملاحظته في نموذج التوظيف الفظ والغير معلن من قبل اليمين السلالي لليسار الاشتراكي في اتجاه لصنع (المكون الشيعوي)، وهو هجين سيء للغاية، وفي المقابل نجد أنه وبدلاً من أن يستفيد اليمين الإخواني من تجربة استذيال الأحزاب اليسارية الفاشلة – أي جعلها أذيال تمسح عنه دائماً سوءات مخرجاته- ها هو اليوم يستعد لإلتقاط فكرة الطريق الثالث، كحاضن أيديولوجي يسمح له بإعادة ترتيب أوراقه وانتاج (المكون الاشتراخواني).. هذا بالضبط ما فعلته الأحزاب المسيحية في الفاتيكان وأوروبا.. وهي التي رفعت شعار الحرب الصليبية ضد الشيوعية ومولت مشروع الجهاد الاسلامي في أفغانستان.. لتكون النتيجة في النهاية [ْX]= [الإرهاب]، ربما يعرف مروان الغفوري هذا. والمشكلة أن أحداً لا يرى حقيقة انقسام اليسار (الاشتراكي) – باعتباره أخر ممثلي النخبة المثقفة- بين طرفي الصراع الطائفي في اليمن، والآن.. يمكن أن يكون الطريق الثالث مشروعاً تبريرياً وذرائعياً للسماح بإفتلاخ وافتشاخ اليسار (المثقف) بين طرفي اليمين المتطرف سلالياً وطائفياً.. وهذا يعني: القبول باستذيال مبرر ومؤدلج.. !! علينا أن نبتكر الحلول لمشكلاتنا، لا أن نستوردها، فلسنا بحاجة الى نظرية أو الى أيديولوجيات تفتتنا أكثر ما نحن الآن مفتتين، نحن بحاجة الى مشروع فعل اجتماعي، يوحد الرؤية والقضية الاجتماعية في أطر وطنية محددة ومشتركة بين الجميع، ويضع الدولة على محك الرقابة الشعبية القادرة على ضبط مسار أدائها السياسي والاقتصادي، وتصويبه كلما شعرت بانحرافها عن جادة المصلحة الوطنية. ما نحتاج إليه هو مشروع فعل رقابي: رقابة اجتماعية تفرض حمايتها المطلقة على الدولة ابتداءً من النظام الجمهوري وانتهاءً بآخر رصاصة يمكن أن تضاف الى جرد عام 2015. هذا هو الطريق الرابع ..