في تقديري أن الفترة الانتقالية التي حددت في المبادرة الخليجية بسنتين انقضتا، يلزمها سنة ونصف كي تنتهي متممة بذلك أربعة سنوات، هذا إن سارت الأعمال في لجنة صياغة الدستور واللجنة العليا للانتخابات بشكل طبيعي غير متأثرة بما يدور في البلد من فوضى كبيرة ومدمرة. لم يكن جائزاً أن تعمل اللجنتان بمنأى عن إظهار أعمالهما بشفافية للرأي العام أولاً فأولاً، إلا أن حالة خلط الأوراق التي تشهدها اليمن من قبل المتوافقين، جعل من المهم أن يظل عمل اللجنتين بمنأى عما يدور وبمنأى عن الشارع والرأي العام الذي ترك مسألة عمل اللجنتين وفق المحددات الوطنية خاضعاً لضمائر أعضاء اللجنتين، إذ أصبح هذا الخطأ الجسيم مخرجاً اقتضته الضرورة في حالة اللا سلم واللا حرب التي نعيشها.. وإن كان الناس حتى الآن لا يعرفون ما الذي أنجزته لجنة صياغة الدستور تحديداً، وما شكله ولونه، إلا أن الظاهر أن الفرقاء السياسيين سيخوضون معارك كلامية حادة بمجرد ظهور مسودة مشروع الدستور قبل أن يقبلوا بها بالكيفية التي ستأتي بها دون تعديل، وذلك رضوخاً لضغوط عدة. لا أستطيع أن أفصل مسألة الانتخابات والاستفتاء عما يدور في المحافظات الجنوبية وشمال الشمال من صراع، فإنه وإن بدت الأوضاع خالية من حروب في وسط البلاد وبعض أطرافه، فإن خلط الأوراق في الجنوب من قبل الأطراف المتصارعة على الحكم يضعف الحراك الجنوبي لصالح الأحزاب السياسية أو القوى المتنفذة في الشمال بجر الناس إلى القبول بأي مخرج انتخابي من هناك رغبة في إنهاء الفوضى على الأرض وإن كان هذا المخرج لا يمثّل مواقفهم وميلهم السياسي، فالأغلب أن طريقة تفكير مدبري هذا الانفلات في المحافظات الجنوبية يبتزون الناس هناك بسبب مواقفهم المناوئة في محاولة إرغامهم القبول بهم حكاماً بعد الفترة الانتقالية ضداً لرغباتهم الحالية. في شمال الشمال يبدو الوضع مشابهاً وإن بطريقة مختلفة قليلاً، فإن الصراع هناك واضح الغرض، السيطرة على مناطق يرى المتصارعان أنهما أحق بتمثيلها، إما بداعي السيطرة التقليدية والتاريخية عليها المتمثلة بالمشيخة، أو بداعي أحقية تمثيلها بداعي الانتماء المذهبي، فالصراع السياسي المسلّح في شمال الشمال لاشك أنه يغير اليوم ميول ومزاج الناخبين هناك لصالح الطرف المنتصر في الحروب، فيما يفقد الآخر قاعدته الانتخابية التي جثم عليها طويلاً وسيطر على أدائها. إن خطأ التوافق الذي قامت عليه المرحلة الانتقالية، أنه تم بين السلطة الحاكمة حتى 2011م وممثلي السلطات التي حكمت قبلها، لذا فالصراع القائم يتمثل في محاولة إضعاف كل طرف في التوافق للأطراف الأخرى للظفر بالسلطة بعد المرحلة الانتقالية، ومقارنة بالفترة المتوقعة حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية، فلا يبدو أن أي طرف يستطيع تسيد المشهد وإن استطاع تعزيز مواقعه سياسياً وعسكرياً، فانتهاء الفترة الانتقالية لن يعني انتهاء التوافق الذي سيرغم الجميع على خوضه لضمان موطئ قدم في السلطة القادمة التي ستبدأ بالانتخابات. يبدو أننا سنضطر إلى عيش حالة التوافق المقلقة وحالة التوتر التي يختلقها المتوافقون حتى بعد أي انتخابات أو استفتاء على الدستور الذي أتوقع أنه سيكون بحاجة إلى أكثر من تعديل في العقدين القادمين، وربما أن حالة الصراع سترتفع بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وستكون السنتان التاليتان لأول انتخابات مرحلة فرز وتصفية للخصوم السياسيين فيما بينهم، إذ أنها ستكون غير محكومة بتدخل كبير ومباشر من قبل المجتمع الدولي، خاصة وأن من سيحكم بعد الانتخابات وفق توافق سيكون منقوص السلطة بلا شك.. سيكون على قوى التغيير التي أقصيت عن المشاركة في هذه المرحلة، أو أقصت نفسها بنفسها، أن تعد أوراقها وتهيئ ظروفها لتستثمر مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية التي سيصفي فيها الخصوم الخصوم، فالمتوقع أن المتوافقين ممن حكموا حتى 2011م ومن حكموا قبلهم ستضعف شوكتهم جميعاً نتيجة إنهاكهم بالصراع غير المحسوم، وإن لم تستثمر القوى الجديدة هذه المرحلة (ما بعد الانتقالية) فإن نتيجة الصراع ستفرز مجدداً الحالات القديمة من شكل الحكم والحاكمين، إن لم تستوعب قوى التغيير هذه المسألة وتعيد ترتيب أوراقها استعداداً لحسم الصراع القائم بين أشكال الحكم القديم، فإن أي تغيير متوقع سيتأخر كثيراً كثيراً أكثر مما نتوقع. الواضح أن كل الذين يحاولون أن يكونوا اليوم فاعلين سياسيين؛ إنما يكرّسون وجودهم كمفاعيل، إذ أصبحوا أبطالاً في رواية دون أن يعرفوا إلى أين توصلهم خاتمة القصة. twitter@ezzatmustafa "الجمهورية"