تعبئة الشعب اليمني يخضع لتجييشات اقتصادية مادية أكثر من كونها عقائدية تتشكل في فصيل سياسي أو فصيل عسكري دونما توظيف لقيم العدالة التي تستدعي اتفاق المجموع على مصالحة مشتركة وفقا لضرورات المساواة والخير العام كما أن استغلال الشعوب في الصراعات العسكرية يعكس التضحية بها على خلاف التضحية بقادتها وهو ما يزيد من توتر الشارع العام والدفع به نحو اتجاهين متباينين تبايناً عقائدياً في خضم هذه التوجهات الطائفية التي بلورتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية واستوردت صراع القوى الإقليمية في مجتمعات قبلية تؤمن بأن العقيدة أعلى من الضرورات الاقتصادية الملحدة. صراع يعكس التعصب الشيعي والتشدد السلفي لا سيما بعد استفزاز التيار الحوثي للغالبية العظمى من أهل السنة في اليمن برفع رموز القيادات الإيرانية أثناء المظاهرات ونقل المذهب الاثنى عشري إلى اليمن بقوة السلاح على غرار نموذج إبن الفضل الذي استجلب أبن حوشب العراقي إلى اليمن وتحت فكرة اليماني الذي سيلغي ولاية الفقهية في ايران ويضع مناهجا جديدة تتناسب مع مقدمات إرهاصات المهدي المنتظر وفي المقابل الرايات السود التي شكلها التيار السني المتشدد . إن الحملات الأمريكية في أفغانستانوالعراق وتكتيكاتها في مصر وسوريا واليمن مع أنظمة الخليج العربي المناهضة لحركة الإخوان تحمل في طياتها إخضاع الأنظمة القومية السنية والفصائل الشيعية للصراع ضد السنة سواء في شكلها المعتدل ممثلة بالإخوان أو في شكلها المنعزل ممثلة بالسلفية أو في شكلها الجهادي المتشدد ممثلة بتنظيم أنصار الشريعة والقاعدة إن هذه التحالفات دفعت بالقوى الإسلامية المعتدلة مثل تركيا والقوى المتشددة مثل السعودية للتوافق مع ايران التشدد الشيعي المحافظ في الحرب العقائدية ضد تنظيم داعش وملحقاته التنظيمية كما دفع بتيار البعث العسكري وحركة الإخوان وتنظيم الجيش الحر والنظم العسكرية الانقلابية وإخوان الثورة في كل من تونس وليبيا إلى الوقوف بجانب التحالف الدولي في حين أن تنظيم الصدر الشيعي وتنظيمات وفيلق بدر لا يقل تعصبا طائفيا ضد السنة من تعصب انصار الشريعة ضد التحالفات السابقة ذكرها. واليمن صورة مصغرة في الوقت الحالي لشبكة المليشيات العسكرية المتشددة في العراق وسيحتم الأمر تقسيم اليمن إلى جهويات بفرض القوة العسكرية التي تستدعيها التوجهات الطائفية والتي زادت وستزيد من قوتها العقائدية التعصب الحوثي السيد في فرض آلياته وقوته العسكرية وتوجيهاته السياسية على السلطة ولا شك أن تحالف الحوثي مع علي صالح واستراتيجيته في احتكار السلاح ونقله إلى صعده سيجعل منه في الأيام القادمة لا سيما بعد فشل الوضع السياسي التوافقي العودة إلى صعدة والاحتماء بها استعدادا للدفاع عنها من العمليات الانتحارية كما أنه من المستحيل في الظروف الراهنة استعادة الأسلحة المنهوبة من المعسكرات التي انخرطت بشكل حتمي مصلحي نفعي انتقامي مع الحركة الحوثية ومن الصعوبة استرداد شرعية القوة العسكرية الوطنية الموحدة بسبب مخزونها الثقافي السلطوي السابق والتي انخرطت ضمن التحالف الحوثي المؤتمري في فرض سلطة الآمر على المؤسسات التنفيذية دون المرور عبر تفعيل السلطة البرلمانية واستقراء إرادة الشعب عبر ممثليه في ظروف آمنه ديمقراطية تستدعيها ظروف المصالحة الراهنة. إن تنظيم الشريعة في الجزيرة العربية سيتحول الى فصيل جهادي قوي إذا استمرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية وسياسة المصالح والنفوذ في السلطة لا سيما إن التجارب الحالية لا تعيد اليمن إلى ظروف قيام الجمهورية الأولى ضد الحكم الأمامي وإنما هي صورة حتمية لصراع الدويلات السابقة ستستدعي الظروف قيام فصائل جهادية جديدة على الساحة وأن قوة السنة الحالية ستتجه من الجنوب نحو الشمال بينما تؤكد المؤشرات على زوال خارطة الإخوان والحركات السلفية الصاعدة والمؤمنة بالديمقراطية والمشاركة السياسية بعد الثورة وسيكون التماهي فرديا وليس تنظيما – إرادة فردية- مع الحركة السنية القوية التي ستعبر عن طموحاتها القادمة بينما سترحل القوى الدولية الراعية للمبادرة الخليجية والتي كانت سببا في تهيئة الظروف الطائفية وترك اليمن في سيناريو أفغانستان والصومال وسوريا والعراق . كما أن استمرار الحملات المتعددة للجيش اليمني دون ميزان حتمي يفرضه واقع الظروف المحلية والإقليمية والدولية يدفع باليمن نحو صراع لا يبقي ولا يذر وستمتد الخيوط العقائدية في كل جزيرة العرب لا سيما بعد اندماج الجيش العائلي للرئيس الصالح في الحركة الحوثية عبر استراتيجية الانقلاب العسكري على الإرادة الشعبية والثورة اليمنية التي اقتصرت تطلعاتها الثورية على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية وإعادة توزيع الثروة. وهكذا ستنقلب الموازين من جديد في ظل غياب الأيدولوجيات الحزبية وصوت الدولة المدنية وتغييب الثقافات الوطنية والتضييق العقائدي الذي ابتدرته الحركة الحوثية في صعدة ضد السلفية العلمية إلى مرحلة جديدة توشك أن تدفع بالقوميين والليبراليين والاشتراكيين إلى تبريرات طائفية نحو حرب البقاء التي لن تنتهي فيه سلسلة التوحش الطائفي. إن التضييق الشديد على الثقافات والمذاهب يدفع بها نحو التوحش الأكثر ضراوة في الأيام القادمة وإن سياسة الحوار التي تشكلت خلال الفترات السابقة أفسدها التعصب السلطوي السابق والتعصب المذهبي الشيعي الصاعد في حرب يرى أن جغرافية الحكم المنشود ستدفع بالتمدد الجهادي في عمرانوصنعاء إلى رجوعه من حيث بداية الانطلاق لا سيما بعد نقل المعركة القادمة إلى صعدة وتشتيت قوى الحوثية الصاعدة بين صنعاء وصعدة وهو ما سيجعلها بين أمرين: إما التضحية بصنعاء أو التضحية بصعده أو التضحية بهما . وربما سيهون عليها التضحية بصنعاء على أن تضحي بمركز الإشعاع العلمي في صعده. وتبقى استراتيجية القوة الحوثية قائمة على قوة المؤتمر الجماهيرية والعسكرية وسيدفع بالمصالحة المشتركة على أن تبقى صنعاء بحماية قوى المؤتمر بينما ستكون صعدة في حماية الحوثية وستدفع هذه الظروف إلى انفصال الجنوب عن الشمال بسبب حتمية الواقع المفروضة بينما ستستمر القوى غير النظامية في صراعها وستغيب الدولة والقوة العسكرية اذا استمرت سياسة أعلاء المصالح الخاصة والحزبية على المصالحة الوطنية والجماهيرية . إن الصراع على السلطة في صنعاء وتمدد الحوثية قد خدمت حركة تنظيم الشريعة وستدفع بها نحو التنظيم على غرار داعش لا سيما وأن الفئات الاجتماعية المستضعفة استنهضت وعيها المتنامي للوقوف معها في خندق المواجهة ضد الحوثية وأن العمليات ستشهد تصاعدا مستمرا من قبلها ضد الجيش الذي أظهر قوته وعملياته العسكرية في الجنوب والأخذ بالشبهة للافراد وفتح سجون القهر العسكري. بينما فشل في الشمال وردع الحوثية عن صنعاء ولا شك أن رؤية انصار الشريعة السابقة في الجيش تقاسمها توجهان: توجه يرى ضرورة فرز بين أفراد الجيش المعادي للسنة وأفراد الجيش المغلوب على أمره وهو ما كان يعيق تحركاتهم عقائديا ولكن بعد صعود الحوثية إلى صنعاء تشكلت الرؤية الواضحة لعملياتهم القادمة . إن القوة ستعمل على تنامي القوة وان الفرقة السياسية ستخدم الفصائل المتشددة والمتباينة وأن سيناريو العراق هو أقرب السيناريوهات القادمة على المستوى العقائدي بينما سيناريو أفغانستان سيكون الأنسب على المستوى العسكري في العمليات الجهادية وان الصوملة القادمة هي السيناريو الاجتماعي المتوقع مما سيهيأ لحركة انصار الشريعة الظروف المواتية ليكون اللاعب الاستراتيجي في المرحلة القادمة . وربما التوافق على السلطة بحكومة كفاءات وطنية من الشارع ومن المستقلين المناهضين للحزبية لا سيما القوى العسكرية والعمل الجاد في تأمين السكينة العامة وتأمين الحياة الاقتصادية وإعادة تفعيل الدور الثقافي وفقا لقيم المذهب الزيدي والمذهب السني بالتساوي والالتفاف حول الأبنية والمبادئ المشتركة سيخفف من هذه الوطئة وفق رؤية استراتيجية. أما استخدام القوة ضد انصار الشريعة أو ضد الحركة الحوثية من قبل الدولة سيكون لها نتائج مزدوجة إما الصعود المتنامي المتطرف وبالتالي انهيار الاقتصاد والدولة وإما التراجع والصعود مرة أخرى فالحروب العقائدية لا تنتهي بل هي أصعب من الحروب النظامية والحروب الدولية التي تنتهي بالتوافق والمعاهدات والالتزامات الدولية . أما حرب الأشباح فسيبقى الرعب المحلي والعسكري والإقليمي الذي ينذر بزوال أنظمة الحكم في دول الخليج لا سيما مع تصاعد الوعي والتعبئة الجماهيرية في الخليج والتي كان لعامل الصراعات المذهبية في اليمن دورا كبيرا في ابتعاثها وأن استخدام القوة والقهر مع رموز التيارات السنية في السجون الخليجية سيهيأ المجال لبروز حركات شبابية حماسية جهادية نصف متعلمة تؤمن بالرد وليس وترفض الاحتكام للقيم الحاكمة ما دام السيف يهدد وجودها. كما أن الوصول المذهبي إلى الحكم لن يحقق الاستقرار والأمن وستسمر إرهاصات الدولة وانهيارها باستمرار والدفع سيولد التدافع الزمني والحروب المباغتة التي تستنزف موارد الدولة البشرية والاقتصادية والثقافية . أن الحروب المحلية في اليمن تستدعي حماية الحدود اليمنية من أمدادات التنافس الإقليمي الذي يغذي الصراع في اليمن ونقل القوى السلطوية السابقة والقائمة من اليمن إلى جوانتانامو باعتبارهم أصل الإرهاب السياسي والاجتماعي والعقائدي وفي كل عملية انتحارية أو صراع نظامي لهم اليد الكبرى .. فدأبهم يفسدون ولا يصلحون وقدسيتهم عقيدة الانتقام والتضحية بالشعب والوطن.