إن طبيعة تعاطي حركة أنصار الله مع القوة التي تمتلكها هي التي ستحدد بوصلة مسار الحركة وترسم الخطوط العريضة لمستقبلها السياسي، فالحركة التي تعرضت منذ مطلع الألفية الثانية لستة حروب متتالية استهدفت وجودها الإنساني ومشروعها الفكري في معقلها بصعدة وامتلأت سجون الأمن القومي والأمن السياسي بأنصارها في بعض المحافظات ومورست ضدها صنوف الإقصاء والتهميش هي اليوم من أقوى الحركات الوطنية والتكتلات السياسية إن لم تكن أقواها على الإطلاق، لا سيما بعد الأحداث الدراماتيكية المتلاحقة التي شهدتها البلاد مؤخرا وأفضت إلى سقوط العاصمة صنعاء وكثير من المحافظات بيد الحركة ولجانها الشعبية، بعد ثورة 21سبتمبر 2014م. إن الحركة تقف اليوم على مفترق طريقين متباينين في الوسيلة والغاية، هما طريق الشعب وطريق السلطة، ولا توجد بينهما منطقة وسطى، لأن الشعب والسلطة في خصومة دائمة فإما أن تكون حركة أنصار الله مع الشعب حاملة لهمومه مناصرة لقضاياه وحينئذ سيقتصر دورها على ممارسة دور الرقابة الثورية واستثمار قوة الحركة في الضغط على أجهزة الدولة للقيام بواجباتها على الوجه المطلوب سواء في القضاء أو الأمن أو سوى ذلك من أجهزة الدولة ومكاتبها المختلفة وإما أن تقدم نفسها بديلا عن السلطة وتمارس دورا تنفيذيا، وحينها ستكون خصما للشعب ولن تستطيع أبدا أن تكون مع الاثنين . يظن البعض أن تجاوز الدور الرقابي إلى ممارسة دور السلطة التنفيذي ومهامها العملية في أجهزتها المختلفة سيمكن الحركة من تطبيق شعاراتها المرفوعة كالعدل والإنصاف والأمن وسوى ذلك من المفاهيم النظرية على أرض الواقع فيستفيد منها الشعب وتتحقق مسألة الجمع بين السلطة والشعب، وأصحاب هذه الرؤية سواء صدرت عن حسن نية أو عن تفكير براغماتي نفعي، لا يقرأون التاريخ ولا أظنهم يتابعون مسرح التجارب الواقعية المعاصرة في وطننا العربي وآخرها ما جرى للأخوان المسلمين بجمهورية مصر العربية . لهؤلاء نقول ناصحين: إن شرف الغاية لا يبرر ارتجالية الوسيلة ...أنتم باختصار يا أنصار الله مهما كانت مقاصدكم نبيلة لستم البديل عن الدولة ...ولكنكم قد تكونون ظهيرا للشعب وناصرا له في الحصول على حقوقه المشروعة والعادلة أمام تجاوزات السلطة وانحراف الفاسدين...وقد تكون ظهيرا شعبيا للدولة ورديفا لها أيضا في مكافحة الفساد وتحقيق الأمن وسوى ذلك من القضايا المشروعة التي تحتاج إلى إسناد شعبي، فلستم في كل الأحوال بديلا عنها وهذا مكمن قوتكم واستمرار صعودكم أما إذا تجاوزتم هذا الدور الرقابي إلى الدور التنفيذي وقدمتم أنفسكم بديلا عن أجهزة الدولة وساعدتم على تغييبها فإنني أتوقع أن النجاحات التي يمكن أن تتحقق على أيدي بعض المخلصين الشرفاء ستتراكم حولها الكثير من السلبيات وأهمها: تسلق المنتفعين سلم الحركة وركوب الفاسدين الموجة تحت عناوين مختلفة، وستظهر نغمة المسيدة والتعنصر السلالي على أيدي بعض السخفاء من المحسوبين على الحركة وقد بدأت تظهر عند بعض الأشخاص. ثم إنكم سترهقون الحركة في أمور ليست من اختصاصها ولا تعود عليها بالنفع. وستتعالى الأصوات التي تنتقد احتكار المواقع القيادية التنفيذية في أجهزة الدولة على بعض الهاشميين ...وهو الأمر الذي سيؤدي إلى بروز الاختلافات داخل الحركة في الوسط الهاشمي تحديدا وقد يتطور الأمر إلى صراع أجنحة ....فضلا عن تأثير ذلك على غير الهاشميين ...وغير ذلك من السلبيات التي قد تتراكم وتفقد الحركة زخمها الشعبي وحضورها الجماهيري وتعمل على عزلها اجتماعيا ،لا سيما وأن الحركة تواجه اليوم آلة إعلامية متنوعة المشارب تحتشد ضدها، وتسعى إلى رصد أخطائها وتضخيمها وتسويقها إلى الرأي العام لتشويه حركة أنصار الله بالحق وبالباطل. الخلاصة التي يسعى كاتب هذه السطور لتأكيدها هي أن بقاء أنصار الله كحركة ثورية تحمل قضايا الشعب وهمومه وتراقب مسار السلطة وتقف في وجه تجاوزاتها أجدى وأنجح للحركة أولا وللشعب ثانيا وللسلطة ثالثا، فالسلطة مفسدة وتجلب الكثير من الأخطاء والسلبيات، لذلك يتحاشاها العاقلون فلا يغريهم بريقها مهما كان شديد اللمعان، ورحم الله ابنة أخي الإمام زيد عليه السلام التي أُثِرَ عنها قولها وهي تلم أشتات ثيابه بعد استشهاده على يد الطغيان الأموي، وهو من هو علما وتقى وزهدا : "واااعماه ... ما خفت عليك من القتل أكثر من خوفي عليك من سلطان الأمر؛ لأن السلطة غرارة مفسدة"،يقول الدكتور حسن إبراهيم في كتابه (تاريخ الدولة الفاطمية): "ليست ابنة أخي زيد نادبة وإنما كانت حكيمة؛ لأنها طرحت نظرية في إفساد السلطة صاحبها".