ضغوط واغراءات سعودية هائلة على دول مجلس الأمن الدولي لتمرير قرار دولي يشرعن للعدوان السعودي على اليمن، فبعد أن شعرت المملكة بخذلان باكستان لها عندما رفض برلمانها المشاركة في العدوان ودعوته للحكومة الباكستانية أن تلتزم الحياد، ودعا لحل سياسي للصراع في اليمن، إضافة الى خذلان مصر عندما أعلن رئيسها أن جيش مصر للمصريين "مش لحد تاني" على حد قوله، ودعا مختلف الأطراف اليمنية الى الحوار في إشارة منه أن الحل سياسي وليس عسكري، إضافة الى رفض المغرب على المستوى العملي ارسال أية قوات والاكتفاء بالتأييد الإعلامي والسياسي في مختلف المحافل، كل ذلك جعل السعودية تستميت لشرعنة عدوانها عبر مجلس الأمن الدولي. تحدثت سابقاً أن السعودية وحدها ستدفع ثمن العدوان وأن الدول التي اعلنت مشاركتها لن ترسل أي جنود الى الأراضي اليمنية، ولو تورطت مصر وارسلت جنود لسقط نظام السيسي بسقوط خمسة جنود قتلى في اليمن عند عودة نعوشهم الى القاهرة، ولا أدري هل وضع أصحاب القرار في السعودية تلك الاحتمالات، التي يمكن لأي متابع بسيط للسياسة أن يتوقعها فكيف بالباحثين والمختصين الأكاديميين وصُنعا القرار؟!، كتبت عن هذا السيناريو بعد انطلاق العدوان بيوم واحد فقط، وها أنا أراه يتحقق أمامي. *** نسيت المملكة أن الاعلام والمال والاغراءات والتهديدات لا يمكنها أن تحجب عين الشمس عن الجريمة التي ترتكبها في اليمن، وها هي الدول تتراجع في السر وفي العلن، وبدأت تتكشف حقيقة الجريمة التي يرتكبها العدوان السعودي على اليمن، بعد استشهاد مئات المدنيين وبالأخص من النساء والأطفال الذين يتم تداول صورهم على مستوى العالم كأول جريمة موثقة ضد النظام السعودي الذي تعود أن يضرب بغيرة ويقاتل بجيوش دول أخرى ويستخدم المرتزقة لتصفية حساباته مع بعض الدول والأنظمة، لكنه في اليمن تورط بشكل مباشر. هناك جريمة أخلاقية واضحة، لذلك تتهرب الكثير من الدول من المشاركة فيها لإحساسها أنها ستكون وصمة عار سيسجلها التاريخ ضدها كدول وليس فقط كأنظمة، فقرار الحرب اُتخذ فجأة دون اية مقدمات أو عدوان على الأراضي السعودية، إضافة الى انه لم يتم التهيئة له عبر عقوبات سياسة أو حتى اقتصادية على سلطة انصار الله بهدف تأليب الشعب عليها تمهيداً لاستبدالها بسلطة تشارك فيها مختلف القوى السياسية اليمنية. *** وبحسب الأنباء التي وصلتني من مقر الأممالمتحدة في نيويورك فان هناك مساعي سعودية حثيثة لشرعنة العدوان، بإضفاء شرعية دولية عليه عبر تمرير قرار من مجلس الأمن مؤيد للعمليات العسكرية في اليمن، لكن تلك المساعي بآت بالفشل بعد موقف روسي وصيني واضح ورافض لجعل مجلس الأمن مظلة لتلك الجريمة الأخلاقية، لذلك تراجعت السعودية عبر ممثلة الأردن في مجلس الأمن الدولي "دينا قعوار" وعدلت القرار للاكتفاء بإدانة الحوثيين بسبب انقلابهم على السلطة الشرعية مع تجاهل للحرب –سلباً أو ايجاباً- التي شنتها الرياض على اليمن. كما تسعى السعودية الى إضافة اسم قائد أنصار الله عبدالملك الحوثي ونجل الرئيس السابق صالح العميد احمد علي الى لائحة الشخصيات التي تعرقل التسوية لتضاف الى لائحة العقوبات السابقة التي شملت الرئيس السابق صالح وعبدالخالق الحوثي وأبو علي الحاكم، لكن روسيا اعترضت كذلك على إضافة تلك الأسماء وبالأخص اسم قائد أنصار الله وتساءل المندوب الروسي كيف يمكن ان نضع اسم رجل دين يتبعه ملايين اليمنيين على لائحة عقوبات ثم ندعوا التيار الذي يقوده للحوار؟، واعتبر المندوب الروسي أن وضع اسم الحوثي سيعرقل أي مساعي لحل سلمي في المستقبل، وهذا ما أدى الى تأجيل مناقشة مشروع القرار. *** إضافة الى أن المشروع يدعوا الى حوار في الرياض، وتبدو تلك الدعوة مستغربة في ضل قصف الرياض لصنعاء ومختلف المحافظاتاليمنية بالصواريخ وكل أنواع الأسلحة، ومن الأفضل لأي حوار أن يعقد في أي دولة عربية محايدة كسلطنة عمان أو الجزائر، أو في جنيف مثلاً. سيهبط سقف العدوان السعودي بالتدريج مع مرور الأيام وفشله في تحقيق أهدافه العسكرية، وبالأخص مع اتضاح الكارثة الإنسانية التي تسبب بها بعد محاصرة اليمن من الغذاء والدواء والنقل البحري والجوي منذ انطلاق شرارة العدوان، وتهدف السعودية من ذلك الحصار الاقتصادي والعقاب الجماعي الى صناعة اقتصاد حرب ينخرط فيه اليمنيون ليقاتلوا بعضهم بعد رفض الكثير من الدول التدخل برياً في اليمن، لكن ذلك الحصار أوضح حتى للمواطن البسيط زيف الأهداف المعلنة، وبين للعالم بما لا يدع مجالاً للشك أن اليمن سيسير الى سيناريو سوري جديد في المنطقة، ففي نفس الوقت الذي يتحالف فيه العالم لضرب داعش في العراق وسوريا، تنقل السعودية تلك التجربة المؤلمة والكارثية لليمن عبر عدوانها عليه وتقويضها لما تبقى من مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وحتى المدنية. "صحيفة الأولى" [email protected]