"اعتقد الناس لوقت طويل ان كل حكومة في العالم ليست سوى نتاج للقوة والعنف، وانه ليس هناك قانون يحكم الناس سوى قانون الغاب، حيث يحكم الأقوى. وفي هذا يكمن أساس الفوضى والغدر والخيانة والتمرد، وهي الأشياء نفسها التي يستنكرها الحكام أصحاب هذا الاعتقاد." (جون لوك – الحكومة المدنية) كانت التشيع ميالا الى المحافظة والمسالمة ولم يكن له شان بالسياسة وكانت الاهتمامات الدينية مركزة على العالم الاخر وليس هذا العالم فهي تهتم بالروح وامور السلوك الشخصي والأخلاق وكان الحدث الأكثر قدسية هو عاشوراء اليوم العاشر من شهر محرم اليوم الذي ذهب فيه الامام الحسين العام 680 ميلادية، عن طيب خاطر كما يرى الشيعة، لكي يستشهد في كربلاء من اجل تحقيق المشيئة الإلهية. ويحي الشيعة ذكري كربلاء بالطريقة نفسها التي يحتفل بها المسيحيون الكاثوليك بجمعة الآلام عند جبل الجلجثة حيث يعتقدون ان المسيح تم صلبه. وهناك أوجه شبه في الطريقة التي يعظم بها المسيحيون ام المسيح مريم والطريقة التي يعظم بها الشيعة السيدة فاطمة ابنة النبي محمد. ومنذ العام 1501 حينما ثبت الصفويون التشيع كمذهب ديني رسمي في ايران، عملوا وكل خلفائهم، بما في ذلك ملوك القاجار، على استخدام عاشوراء شهر محرم لسد الفجوة بينهم وبين رعاياهم، وتمثيل ارتباطهم بهم بمواجهة العالم السني، وخاصة ضد العثمانيين في الغرب، والاوزبك في الشمال،والباشتون في الشرق. ومع اندلاع ثورة 1979، التي استولى فيها رجال الدين على السلطة، تحول التشيع بشكل عنيف الى مذهب مسيس اشبه ما يكون بأيديولوجيا راديكالية وليس دينا محافظا ورعا، وتم تأويل رسالة شهر محرم الى القتال من اجل العدل الاجتماعي والثورة السياسية، تحت شعار فلنجعل كل شهر محرم، وكل يوم عاشوراء، وكل مكان كربلاء. في مملكة القاجار، وهم اتحاد قبلي بلسان تركي غزوا إيران جزأ بعد الاخر خلال الفترة من ثمانينيات الى تسعينيات القرن 18، واقاموا عاصمتهم في طهران في عام 1786، واسسوا حكم سلالتهم في العام 1796، وواصلو حكمهم لأكثر من قرن،كانت علاقتهم برجال الدين قائمة على محاولة القاجار إحاطة أنفسهم بهالة دينية.فأعلنواأنفسهم، حماة التشيع، المحافظين على القران، وائمة المؤمنين، وحملة سيف الامام على. وقد حرصوا على الزيارات المعلنة الى العتبات المقدسة لدى الشيعة، كمسجد الامام الرضا في المشهد الذي دفن فيه الامام الثامن من ائمة الشيعة، ولمسجد فاطمة في قم حيث قبر اخت الامام الرضا، كما قاموا بزيارات الى العراق، الذي كان جزء من الإمبراطورية العثمانية، لزيارة كربلاء حيث استشهد الامام الحسين، والنجف حيث مرقد الامام على، وسامراء حيث عاش الامام الثاني عشر، وقاموا بطلاء القبة الكبيرة في سامراء بالذهب . كما قاموا أيضا ببناء مشهد التي تعني حرفيا مكان الشهداء وذلك لمنافسة مكة والمدينة، وقد قاموا برعاية مراكز التعليم الديني في النجف، ومشهد، واصفهان، وكما أسسوا المدرسة الفيضية في قم. وقد استمر القاجار في اختيار أعضاء من العلماء لكي يكونوا قضاة وشيوخ اسلام وائمة جمعة. وكان امام جمعة طهران متزوجا من العائلة المالكة. وقد عمد القاجار الى تصميم راية جديدة تحمل الأسد والشمس، وأعلنواان هذه الراية هي الحد الفاصل بين الخير والشر منذ أيام زرادتشت. وقد ارتجلوا بوضع سيف الامام على الشهير ذي الفقار في قبضة الأسد الظاهر في العلم. ثورة 1907 الليبرالية في إيران عندما بدأ الاختراق الغربي في إيرانفي بداية قرن جاء بعد سلسلة من الهزائم العسكرية التي منيت بها ايران، على يد الجيش الروسي، وعلى يد الجيش البريطاني، حيث فرض الروس على الإيرانيين معاهدات مهينة كمعاهدة غلستان 1813 وتكمنجاي1820. وبالمثل بدأ البريطانيون الذين كانوا موجودين في الخليج العربي منذ القرن الثامن عشر في توسيع انتشارهم، ليجبروا القاجار على التخلي عن هراة التي أصبحت جزأ من أفغانستان، وفرضوا عليهم معاهدة باريس عام 1857 المهينة أيضا.ومع ان هذه الاحداث حدثت في القرن الثامن عشر الا ان الأسباب المباشرة للثورة بدات بين العامين 1904-1905 مع الازمة الاقتصادية التي شهدت افلاس الحكومة، والتضخم الزائد حيث ارتفعت أسعار الخبز بمقدار 90%واسعار السكر بمقدار 33%،وحدثت احتجاجات واعمال عنف في عدد من المناطق من بينها طهران. وفي يونيو 1906 قاد كل من السيد عبدالله بهبهاني والسيد محمد طباطبائي وهما اثنان من المجتهدين الثلاثة الأكثر احتراما في طهران موكبا من نحو الف من طلاب الحوزات الدينية للالتجاء الى قم. ولم تكن القاب اية الله وحجة الإسلام قد ظهرت بعد، فهي لم تظهر الا بعد وقت طويل. وفي قم انضم المجتهدان الى الشيخ فضل الله نوري ثالث المجتهدين الكبار. وهدد الثلاثة بالتحرك بالجميع الى كربلاء والنجف وحرمان البلد من الخدمات الدينية، ومع تزايد الاحتجاجات اضطر الشاه مظفر الدين لتوقيع اعلان ملكي بإجراء انتخابات عامة على المستوى الوطني لمجلس تأسيسي. ويحتفل بيوم هذا الإعلان 5 أغسطس باعتباره يوماللدستور. في ديسمبر 1907 ظهر الشيخ فضل الله نوري على راس حشد في ميدان طوب خانه وامتلأ الميدان بالناس ليسمعوا حديث الشيخ الذي اتهم الليبراليين بأنهم يبذرون بذور الشر في الأرض. ومع استثارتهم بهذه اللغة المثيرة قامت الحشود بمهاجمة الناس المرتدين للقبعات الأوروبية في الشوارع. وكان الشيخ نوري، الذي اعتبره البعض انه الأعلى مقاما بين المجتهدين الثلاثة،قد قام بقطع العلاقة معزملائه المجتهدين الاخرين وكون جمعية النبي، وأعاد بناء الجسور مع الشاه في تحالف ضد القوى التقدمية، وأصدر فتوى رئيسية ادان فيها الليبراليين بانهم يفتحون البوابات امام فيضانات الفوضوية والعدمية والاشتراكية والمادية. وقال بان الثورة مكيدة مدبرة من البابيين والبهائيين والارمن، لتدمير الإسلام ببدع الهرطقة مثل البرلمانات المنتخبة، والقوانين العلمانية، والمساواة الدينية. ثورة الخميني 1977-1979 اثناء معيشته في النجف منفيا من نظام الشاه محمد رضا بهلوي بعد 1963 طور الخميني تأويله الخاص للإسلام الشيعي، ونشره في كتاب بعنوان "ولاية الفقيه: الحكومة الإسلامية" ووفقا لتأويله الجديد فان المجتهدين البارزين المتخصصين في الفقههم السلطة النهائية لحكم الامة. وللوصول الى هذه الخلاصة قال : ان الله بعث الأنبياء والأئمة لتوجيه المجتمع وهم قد تركو وراءهم الشريعة،وذلك لإبقاء المجتمع على الصراط المستقيم. وانه باختفاء الامام الثاني عشر يصبح وكلاؤه في العالم، وهم المجتهدون الكبار، حراس الشريعة. وأول الآيةالقرآنية (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) بانها تعني المجتهدين المعاصرين.وأصر الخميني في انقلاب كامل على موقف الحوزة الدينية الشيعية طوال تاريخها، على ان الأنظمة الملكية مؤسسة جاهلية من بقايا عصر الشرك والفراعنة وان الامام الحسين برفعه لواء الثورة حاول ان يحرر الناس من الملكيات الوراثية. وأصر الخميني على ان واجب المسلمين المقدس هو معارضة كل النظم الملكية لان الملوك كلهم دون أي استثناء فاسدون. ونثر الخميني في تصريحاته مقولات راديكالية تم تبنيها كشعارات للهتاف. وعندما قامت الثورة وأصبح الخميني على راس الدولة حصل الخميني على سلطات دستورية لم تكن تخطر في خيال الملوك. فشرح الخميني الحكومة الإسلامية بانها كيان مقدس منحه الله للنبي؛ وان حكومة الإسلام هي الركن الاولي في الإسلام، ولها الأولوية على الأركان الثانوية مثل الصلاة والصيام والحج، وانه يمكن للحكومة الإسلامية ان تعلق هذه الأركان الثانوية او بعضها لحماية الإسلام. وكان في سلطاته الدستورية طيف واسع من الصلاحيات فبوسعه تحديد مصالح الإسلام، ووضع الارشادات العامة للجهورية الإسلامية، والاشراف على تنفيذ السياسات، وعزل الرؤساء، وفحص المترشحين لهذا المنصب، وإعلان الحرب والسلام، وتعبئة القوات المسلحة واختيار قادتها، وعقد مجلس امن قومي. وعلاوة على ذلك فانه يستطيع تعيين مسؤولين خارج هيكل الدولة الرسمي بما فيها أجهزة الاعلام، والمؤسسات الخاصة الدينية، ورئيس هيئة القضاء، وقضاة المحاكم الأقل درجة، والمدعي العام، وستة من بين الاثني عشر عضوا في مجلس صيانة الدستور الذي له صلاحية الفيتو على القوانين التي يقررها البرلمان، كما ان له أيضا سلطة فحص المترشحين للمناصب العامة،واعطي القائد الأعلى (الوليالفقيه)سلطة إضافية لتعيين مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهكذا خلقت الثورة فرعونا يمثل حسب زعمهم صوت الله. ولكن، والحق يقال،فان احقر وأجهل رئيس عربي يمارس صلاحيات مماثلة سواء منحها له الدستور ام لم يمنحها، فالمستبدون اخوة لعلات. الأمر لا يتعلق بشخص الخميني فالشاه كذلك لم يكن هناك معقب عليه، وفي رأيي أن الامر يرجع الى طبيعة السلطة منسوبة الى الالوهية منذ ان بدأ الناس ينصبون قادة ملوكا عليهم، فيألهون الحاكم أو ينسبون سلطته الى الاله او الالهة، ربما يدفعهم الى ذلك الخشية من الصراع على المنصب او الخشية من التنازع عند اتحاذ القرار، ومن ثم فان طبيعة الحكم ونوعيته سترجع الى طبيعة شخص الحاكم ونوعية ميوله واهوائه، فان كان صالحا كانت جيدة وصالحة، والعكس ان كان طالحا. وقد تجاوزت البشرية او جزء منها على الأقل هذه المعضلة بتحديد مدة لحكم الشخص الذي يحتل منصب الرئيس، وفصلت بين السلطات وحددنها وجعلت كل سلطة رقيبة على الأخرى. وقد اثبتت التجربة البشرية انه لا يمكن الخلاص من الحاكم المطلق الطالح الا بثورة تورده موارد الهلاك او تطرده من البلاد، ولكن العجيب الاعجب ان يهب بشر لينصبوا عليهم حاكما من هذا الطراز في هذا العصر، ومع ذلك فان الشعوب تراجع اخطاءها ولا بد لها من هبة تصحح بها ما سببنه من ضر لنفسها. ولكنها مرة أخرى ستدفع ثمن التصحيح.