أصبح أمر إطالة الحرب في اليمن شرا ، يتربص بجل اليمنيين ، وعامل قلق يضاف لجملة من الصعوبات والهموم ، التي يعاني منها الشعب اليمني ، منذ فترة ليست بالقصيرة ، لاسيما وأن الحرب الدائرة في اليمن ، تدور رحاها في كنف صراع إقليمي دولي ، بالغ الحساسية والخطورة والتوتر ، ووفقا لحسابات سياسية معقدة ، قد تجعل الحرب الجارية تستمر طويلا ، إذا استمرت الفجوة ، وتوسعت بين الأطراف المتصارعة ، ومن يقف خلفها ، بأبعادها الداخلية والإقليمية ، وبمستوياتها السياسية والعسكرية ، وقد تضع الحرب أوزارها ، بجرة قلم وقرار سياسي إقليمي دولي ، يتضمن الاتفاق على توزيع وتقاسم الأهداف والمصالح في اليمن. ينطوي اليمن في ذاته ، على شروط وعوامل اندلاع الحرب والعنف واستمرارهما ، في مقدمتها الغياب الحقيقي لمؤسسات الدولة ، والبنية الاجتماعية القبلية التقليدية للمجتمع اليمني ، وسهولة حيازة أدوات الحرب ، من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بل والثقيلة ؛ ولذلك فإن أي حديث عن إطالة أمد الحرب ، لا يمكن عده تخرصا ، أو ضربا من خيال ، أو إفراطا في التشاؤم ، فالمشهد اليمني متخم بتراكم الصراعات والتباينات السياسية اللاوطنية ، زاد من تعقيدها تدخل أطراف خارجية ، والتي وإن حسنت نواياها ، بيد أنه يظل لها حساباتها الخاصة ، والتي غالبا ما تكون متعارضة ، مع أي حلول سياسية جذرية وعميقة ، تضع اليمن على طريق الاستقرار والتنمية ، ناهيك من أن أي تدخل خارجي ، في الشأن اليمني من طرف ما ، من شأنه أن يستدعي مثيله من طرف آخر ، الأمر الذي يجعل اليمن ساحة ؛ لتصفية حسابات بين أطراف خارجية ، يدفعها صراعها مع الآخر ؛ لمراكمة شروط استمراره وتجديد انتاجه بشكل دوري. استمرار الحرب سيولد ثقافتها ووقودها وأدواتها وقيمها ، وسينتج واقعا ، يتباين تماما مع الخريطة السياسية الطبيعية لليمن ، ولن يكن باستطاعة الحوثيين ولاحليفهم المخلوع صالح ، ولا الأطراف المناوئة لهم ، ولا الأقليم ، ولا المجتمع الدولي ، ضبط الأوضاع المتحركة فيه ، والسيطرة عليها ، وهذا سيؤدي لظهور قيادات وجماعات مسلحة ،،من الصعوبة بمكان التعاطي معها ، بعد انتهاء الحرب ، وبالذات في بلد يموج بالأسلحة والمسلحين ، والتي أيضا لا تعرف ولا تعترف بماهية وقواعد اللعبة السياسية ، والحوار معها يعتبر ضرب من المستحيل ، كما أن كل قائد حرب ميداني ، لن يفرط بشرعية الواقع الجديد ، التي حصل عليها بحكم نشاطه القتالي ، ولنا في سيطرة مليشيات الحوثيين وحليفها المخلوع صالح ، على مؤسسات الدولة دليل ساطع وحجة دامغة على ذلك ، حيث اكتسبت شرعية الأمر الواقع ، ولاتعترف بالشرعية الداخلية أو الدولية ، ظهر ذلك في تعاملها مع قرارات مجلس الأمن ، الملزمة لها باستهتار ، وعلى هذا الأساس ، سنجد في اليمن عشرات الشرعيات ، التي ستعقد وتؤزم المشهد أكثر مما هو عليه الآن. تلاقي المصالح الأمريكية والروسية والإيرانية ، المتمثلة في عدم انهيار الحوثيين بشكل كامل ، في هزيمة عسكرية ساحقة ، يدركه الحوثيون جيدا ، ويمنحهم قدرا من المراوغة والصبر ، على أمل إطالة الحرب ، بما يفرغها من مضمونها السياسي ، ويحرم خصومهم من جني ثمارها ، فمليشيات الحوثيين والمخلوع صالح ، تفسر إطالة الحرب ، بأنه ناتج من مقاومتها وثباتها ، والنصر فيها لا يقاس بالخسائر البشرية والمادية ، وإنما يقاس بصمودها ، وعدم استسلامها ؛ ولذلك فهي ترى أنه كلما طالت الحرب ، كلما كان ذلك في صالحها ، وهذا يتطابق تماما ، مع مواقف كثير من الدول الكبرى كأمريكا ، التي تريد الحفاظ على التوازن العسكري بين الأطراف المتحاربة في اليمن ؛ ليستمر القتال فترة أطول ، يسمح لشركات الأسلحة الأمريكية ، ببيع مزيد من الأسلحة ، للسعودية ودول الخليج الأخرى ، وللحوثيين عبر وكلاء إيرانيين. تشير الدلائل إلى أن صراع الإرادات الإقليمية ، الذي أصبحت اليمن مسرحه ، وعدم امتلاك الأطراف المتحاربة في الداخل اليمني لقرارها ، فضلا عن افتقارها لأي رؤية وطنية ، تنزع فتيل العنف والاحتراب ، وتحول دون مزيد من التدهور والانقسام ، يقود اليمن لمربع ، ما قبل الدولة والشعب والوطن ، ومازال في الوقت متسع ، لأن يسمع اليمنيون لصوت العقل ، ويكفوا عن تدمير بلدهم بأيديهم ، متجاوزين بواعث الكراهية وعوامل الحقد ، وأسباب الفرقة والتمزق ، تاركين أدوات الرعب والموت وراء ظهورهم ، مستجيبين لنداء سلام الحرية والكرامة والعدالة لكل أبناء اليمن.