التعريف الاقتصادى للاحتكار هو عباره عن مجموعه من الوسائل التى تخص انتاج سلعه معينه أو تقديم خدمه ما لا يوجد لها بديل فى الأسواق أو فى مركز الخدمات ، ولكى يتحقق الاحتكار يجب أن لا توجد منافسه ضمن مجال السلع والخدمات وتكون مرتبطه بمجال ما أو خدمه يتم تقديمها للزبائن والمستهلكين ، إن ظهور محتكرين لقوت الشعب اليمني أو لبعض السلع التي تؤثر على حياة الناس يعد بمثابة جريمة لا تسقط بالتقادم وهذا مايحدث الآن في هذا السياق التاريخي الذي تشهد فيه البلاد حرباً مُدمرة ، ظهور قروش وملوك للبحر والغذاء والنفط يُعد جريمة لن تسقط بالتقادم وبالنظر إلى حركة الاقتصاد في معظم دول العالم وبما فيها دول المنظومة الرأسمالية فإننا سوف نكتشف أن قوانين تلك الدول ترفض وبصورة قاطعة إقامة أي مشروع يمكن له أن يقود إلى تفشي البطالة وإخراج الآلاف من الناس من سوق العمل إلى أرصفة البطالة والتسول ، فلو حاولت الدولة أن تشرعن للاحتكار لتحركت النقابات والروابط المهنية ومؤسسات المجتمع المدني ولأقامت الدنيا ولم تقعدها بالإعتصامات والاحتجاجات التي لن تتوقف إلا بإلغاء ذلك القانون ، وهو الأمر الذي لم يتحقق عندنا ولا أضنه يحدث على المدى القريب فمعظم النقابات ومؤسسات المجتمع المدني على صلة وثيقة بالسلطة والفساد وللقوى الاحتكارية الداعم الأول لها في نشاطاتها "الاحتكارية " في اليمن ساهمت الجريمة المشتركة للسلطة ولرأس المال في الاحتكار في طرد ليس الآلاف ولا مئات الآلاف من سوق العمل بل ساهمت تلك الجريمة المشتركة في طرد ملايين من العمال من سوق العمل وهذا ماسيتم تأكيده وإثباته بالأرقام ففي ظل قيام النظام الموثوقراطي لعلي صالح بضرب قوى اليسار والنقابات العمالية وفي ظل التزاوج الحادث بين السلطة ورأس المال وبخاصة الرأسمالية التعزية التي دفعت بصالح إلى سدة الحكم في العام 1978م قام النظام بفتح البلاد للمشاريع الاقتصادية على طريقة النماذج المجاورة مصر السادات و بلا ضوابط آو قوانين تحكم البلاد إلا قانون القبيلة والأمن الوطني اللذان انتهكا كل شي ففي ذلك السياق المرعب وصل عدد المختفين قسريا في حكم الرئيس صالح إلى أكثر من خمسة الآف ووصل عدد المشردين من الكوادر السياسية إلى عشرات الآلاف منهم خمسة عشر ألف كادر سياسي في عام 1978م بعيد المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي قام بها الناصريون في 15 اكتوبر ، ففي ذلك السياق كان الحاكم الفرد هو وحده القانون وهنا نستعرض بعض المشاريع الاحتكارية لمعرفة حجم الجريمة الاقتصادية التي ارتكبت في حق هذه البلاد فحتى الثمانينيات كان يوجد في اليمن قرابة ال200 ألف مطحن دقيق يعمل بها قرابة الستمائة ألف إنسان بمتوسط ثلاثة إفراد لكل مطحن وبمجرد وجود مطاحن عملاقة لطحن الدقيق حيث تم بناء ثاني أكبر مطاحن في العالم بعد تلك الموجودة في استراليا والتي اقتضت الوفرة الخيالية في زراعة القمح و المقدرة بملايين الأطنان وجود هكذا مطاحن وفي ظل عدد سكان قليل جدا مقارنة بمساحة جغرافية تزيد على السبعة ملايين كيلو متر مربع فالدولة القارة هي التي أوجبت هكذا مشروع في الوقت الذي تعد فيه اليمن من الدول المزدحمة سكانيا شمال اليمن في ذلك الحين 195.000الف كيلو متر مربع وهو هنا لايشكل مانسبته 5% من إجمالي المساحة لدولة استراليا مع فارق سكاني كبير لصالح اليمن مقارنة بالمساحة الجغرافية استراليا كواحدة من أكبر المصدرين لمادة القمح في العالم قامت ببناء تلك المنشاءة من أجل المساعدة في تصدير ماتزرع أما في الحالة اليمنية فالعمل جاء عشوائيا وأسهم في إغلاق فرص العمل على مئات الألآف إذ انه لم تمضي سنوات حتى اختفت المشاريع الصغيرة للطحن وأصبح العاملين فيها على أرصفة البطالة وباتوا يبحثون عن مورد رزق في ظل نظام لايضع نصب عينيه وضمن خططه التنموية خلق فرص عمل للشباب فكل تشريعاته تخدم شيوخ القبائل والرأسمالية الطفيلية والدائرة النفعية المحيطة به ، ففي جميع دول العام يمنع إيجاد أي مشاريع احتكارية من شأنها ضرب مصالح الناس وتحويل حركة المال من حركة بين أفراد المجتمع إلى حركة بيد القلة أو الأفراد كما هو حادث في اليمن ، المشاريع الأخرى التي أضرت بالناس هي شركات تصنيع الألبان ففي معظم دول العالم وبخاصة في المجتمعات التي تعتمد على الزراعة والرعي كما هو الحال في يمن السبعينات أو في الشمال اليمني تحديدا "الجمهورية العربية اليمنية التي تعد التركيبة السكانية فيها من أنشط التركيبات الاجتماعية في المنطقة في مثل هكذا دول تعمد الدول على تشجيع المعامل الصغيرة للألبان والتي عادة ما يتكون أفرادها من عدد مابين الثمانية إلى العشرة فتجد بلاد مثل اليمن تحتاج إلى عدد مائة ألف معمل ألبان أي توفير مليون فرصة عمل لكن في ظل الاحتكار لايزيد العدد الذي يعمل في هذا القطاع عن خمسة ألاف بما في ذلك الموزعين والسائقين وهنا تكمن الكارثة عندما نعرف أن سياسة الاحتكار أضاعت علي الشعب اليمني مليون فرصة عمل ناهيك أن تلك الفرص التي ذهبت مع ريح السياسة الغير مرشدة أسهمت في زيادة الفقر والجوع وضرب المشاريع الشعبية البسيطة لتربية الثروة الحيوانية فحدث ذلك الانخفاض المرعب في عدد الإناث على مستوى الأبقار والأغنام ، وكأن العملية هنا تبدو أشبه بإقصاء الشعب عن سوق العمل لصالح أفراد من المتعالين على الناس ،هذا الأمر تسبب في عدم دوران المادة" النقود" بشكل أفقي في أوساط الناس كما ينبغي وكما تتطلبه الدورة المالية منذ خروج العملة من البنك المركزي وحتى عودتها أليه وأوجد لنا قاعدة أن هناك أفراد يحركون الاقتصاد وليس اقتصاد يتحرك وفق العرض والطلب وحسب حاجيات الناس وهذه القاعدة هي السبب فيما ستعانيه اليمن من ركود اقتصادي يبدأ من منتصف الثمانينيات ويستمر إلى وقتنا الراهن فالدائرة النفعية المتزاوجة مع السلطة المنهارة في الدولة العميقة تشعر أنها فقدت مصالحها ولهذا فهي حذرة تماما في التعامل مع المجتمع وأوقفت نشاطها حتى تتضح الرؤية ، الحالة الثالثة للمشاريع الاحتكارية التي عصفت باليمن هي احتكارصناعة دباغة الجلود فقد كانت اليمن من أكثر الدول نشاطا في هذه المهنة وعلى الرغم أن الذين احتكروا هذه الصناعة لم يكونوا من الدائرة النفعية ولا من الرأس مال الطفيلي الذي انتجته السلطة إلا أن هذا الاحتكار تسبب في إنهاء طبقة اجتماعية كاملة هي طبقة "الدباغة " والتي كانت تتواجد بكثافة في النطاق الجغرافي لإقليم تهامة تحديداً وفي بعض الأقاليم الأخرى بصورة أقل وهذه الطبقة حسب إحصاءات تقريبية كانت تقدر بأربعمائة ألف إنسان حتى العام 1985م وهي مهنة أكثر منها طبقة حيث التحق بمهنة الدباغة الكثير من الناس من خارج الطبقة لدرجة يقال أن نسبة المشتغلين بمهنة الدباغة كانت تقترب من نسبة المشتغلين بالزراعة والرعي ،وعموما انتهت هذه الطبقة والى الأبد بالرغم من أنها كانت تشكل واحد من أهم مصادر الدخل في اليمن ، فبلاد مثل اليمن بحاجة إلى قرابة المائة ألف مدبغة عادية "تقليدية" قيمة الواحدة لاتتجاوز ال800 دولار أمريكي يعمل فيها من ثلاثة إلى أربعة أفراد دخلها اليومي يقترب من العشرة الآف ريال وهذا يعني أن الاحتكار حرم البلاد أكثر من مليون فرصة عمل . النموذج الرابع هو الاستثمار في مجال الثروة السمكية احد المشاريع الاستثمارية قطعت أرزاق أكثر من خمسة عشر ألف صياد في محافظة مثل حضرموت أحالتهم إلى بطالة مقابل تشغيل 270 في المشروع المخصص للتصدير إلى دول شرق أسيا ، بالرغم من أن هكذا مشروع تم ر فضه ومقاومته بقوة شديدة في بلد مثل المغرب حيث حصل المشروع على امتيازات جعلت منه يحتكر مساحة كبيرة من البحر العربي ، هكذا مشاريع احتكارية تعد بمثابة جرائم اقتصادية في حق البلد اليمن بحاجة إلى الاقتصاد الشعبي وليس إلى الآلات الضخمة التي تغذي السوق بملايين العاطلين عن العمل فهنا تكون موجبات التأميم قد توافرت وبمقارنة بسيطة بين اليمنوالجزائر التي يعادل ساحلها على المتوسط السواحل اليمنية سوف نلاحظ أن العاملين والمشتغلين والمستفيدين بمهنة الصيد في الجزائر تجاوز العدد المليونين شخص بينما في اليمن لايتجاوز العدد المائة وخمسون ألف شخص والسبب في ذلك هو توجه الدولة ودعمها للشعب حيث قامت الحكومة الجزائرية بدعم الصيادين في الجزائر على عكس حكومة الجرع المزمنة التي سلمت البحر لمجموعة مشايخ وللمافيا فحرمت ملايين الناس من الحصول على ارازاقها وهو مايجعلنا نطالب بفتح ملف الاصطياد البحري وعلاقة الرأسمالية والمتنفذين باعتقال مئات الصيادين من قبل حكومة أسمرة إذا كان الجميع شركاء في الوطن وهو مايقتضي التوزيع العادل للموارد والثروة وهو الأمر الذي لم يحدث لا من قبل الرأسمال ولا من قبل السلطة الحاكمة وهو مايتطلب إعادة النظر في النشاط القائم او تحويله إلى حالة من الشراكة مع المنتجين "العمال" أولا ومع مساهمين من أفراد الشعب من خلال قيام الدولة بتوزيع شهادات استثمارية للعائلات الأشد فقرا في البلاد مثلا نصف مليون عائلة فقيرة يتم إعطائهم شهادات استثمارية باسمهم في المشاريع السابقة الذكر وتتغير الأسماء كل خمس سنوات ، أو يتم وضع يد الدولة عليها من اجل تصفيتها بصورة تدريجية بواقع 25% كل عامين ونصف ليتم السيطرة عليها خلال عشر سنوات كمقدمة لإلغائها بالتوازي مع إحلال المعامل الصغيرة بدلا عنها وهنا يتم تعويض أصحاب تلك المشاريع حسب اللوائح والقوانين المهم أن تنتهي تلك الحالة من الاحتكار نعم أدعو لتأميمها قبل إلغائها بصورة نهائية وفي ذات الوقت ادع إلى تعويض عادل ومرضي لأصحابها فوجود مشاريع احتكارية في بلد فقير ومنهك وربع سكانه في الغربه تعد جريمة لابد من تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكب في حق الشعب . الغريب في الأمر أن سياسة الاحتكار التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي وتكرست في زمن علي عبد الله صالح لاتزال مستمرة حتى يومنا الحاضر فصناعة هامة مثل صناعة الأسمنت والتي تعتبر من الصناعات التي ينبغي ان تكون في يد الدولة الرشيدة التي لا تؤمن بالاحتكار يجري الآن تسليمها إلى القطاع الخاص الاستغلالي الذي لن يرحم الشعب عندما يجعل منها مادة خاصة بالمضاربة السعرية في بلد لاتتوفر فيه القدرة الشرائية ولا البني التحتية للعمران بعد ان نجحت السياسة الاقتصادية التدميرية بإفقاره وتحويل السواد الأعظم منه إلى ماتحت خط الفقر وعندما أقول السواد الأعظم فإنني اعني ما أقول أن تسليم صناعة الأسمنت للرأسمالية مسألة في غاية الخطورة وستكون لها أثار كارثية على التنمية والبناء والعمران على المدى البعيد ، كان المفترض دخول الدولة اليمنية بنسبة 50% وان بتم طرح الباقي على النحو التالي 20% للرأسمال والباقي آسهم للمواطنين فما يحدث يضاف إلى الجرائم الاقتصادية الإقصائية التي تؤسس لها الدولة اليمنية ويتناقض تماما مع توصيات مؤتمر الحوار الوطني الشامل المتعلقة بالتنمية المستدامة فما يجري لايمكن توصيفه إلا عملية تسليم للبلاد ومقدراتها للقوى الرأسمالية في الداخل المرتبطة بالرأسمالية الدولية والشركات متعددة الجنسيات وهذا يندرج تحت إطار الاستعمار الاقتصادي و يشكل وصمة عار في بلد قامت فيه ثورتين في اقل من خمس سنوات وإذا كانت مبررات التخاذل معروفة فيما يتعلق بثورة فبراير الشبابية "المسروقة " فلا يمكن القبول بأي خطاب تبريري للدولة اليمنية القادمة بعد نهاية الحرب . ماسبق يؤكد لنا أن موجبات التأميم تعد ضرورة وطنية ملحة يفرضها الواقع اليمني الراهن ، وفي مرحلة مابعد الحرب ستكون الدولة اليمنية في موقف صعب يجعلها غير قادرة على إحداث التنمية في المرحلة القادمة . *رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة