ليس من السهولة بمكان أن تفقد مدينةٌ برمتها قدرتها على صناعة الأحلام لساكنيها، وهي التي حتى الأمس القريب كانت تُدعى ب "الحالمة"، قبل أن تعبث بها الحرب الدائرة فيها منذ أربع سنوات، لتحولها إلى أكوام من الدمار، ومشاعر مبعثرة بين ساكنيها الباحثين عن حق الحياة، وكأنه حلمٌ بات صعبَ المنال. من حينٍ لآخر تبدو مدينة تعز، حالةً استثنائيةً على مستوى خارطة الصراع اليمني، كلٌ يبحث عن نصيبه منها، ونحن في المنتصف، نواجه آثار الحرب الهمجية، هذا ما قاله إبراهيم الباشا (40عامًا)، معبّرًا عن الوضع الذي تعيشه مدينته اليوم، وعلامات الحسرة تكسو وجهه. كل منتصف شهر يذهب إبراهيم معية ابنته إيمان (12 عامًا)، إلى مركز الأمل لعلاج الأورام بالمحافظة، فالرجل الذي نال صك الخلاص ولو بصورة غير محسومة من السرطان، فُجع في الخامس من ديسمبر 2017م، بنتائج سلبية أفرزتها فحوصاتٌ مخبرية أجراها لإيمان بعد أن لاحظ تغيرًا كبيرًا في عنق طفلته، لتساوره الشكوك باحتمالات عدة، كان آخرها السرطان، ولكن النتائج أكدت بأنها مصابة بسرطان في غدد العنق الليمفاوية، ولا مفر لها من خوض معركة إثبات حقها في الحياة حتى النهاية. إيمان باتت من بين 681 طفلًا مصابين بأنواع عدة من السرطان في تعز، وبما يشكل ما نسبته 10% من إجمالي 7041 مصاب في تعز حتى 31 ديسمبر 2018م، بحسب بيانات صادرة عن مركز الأمل لعلاج الأورام التابع للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان - تعز. تحاكي إيمان واقعها بما تمتلكه من رصيد الأمل المتبقي في الحياة، فهي ليست وحدها في معركة مواجهة السرطان، فنحو 445 طفلًا مصابون بسرطاني الدم والغدد الليمفاوية بما نسبته 6% من عدد المصابين في المركز، و65% من المصابين الأطفال. وحده سرطان الدم ينفرد ب 283 مصابًا، 4% من العدد الكلي، 42% من عدد المصابين الأطفال، أما سرطان الغدد الليمفاوية والذي تعاني منه إيمان فعدد مصابيه 162 مصابًا، 2% من العدد الكلي للمصابين في المركز، 24% من المصابين الأطفال. لا تحصل إيمان على دوائها في موعده المحدد، فهي بحاجة إلى أن تنتظر حتى يتوفر، هذا ما يؤكده مدير المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بتعز، مشيرًا إلى عدم وجود تفاعل حقيقي مع احتياجات مرضى السرطان في المحافظة، الذين يحتاجون إلى أدوية كيماوية وداعمة ومحاليل مخبرية ومستلزمات طبية ومصروفات تشغيلية تضمن استمرار مركزهم الوحيد في أكثر محافظاتاليمن إصابة بالسرطان. أكثر من 30 ألف مصاب بالسرطان في اليمن، ولتعز نصيب الأسد بنسبة تقترب من 14%، كما تفيد بذلك منظمة الصحة العالمية، وهي ذاتها التي لم تتجاوب معنا حين توجهنا إليها بقائمة أسئلة تتضمن معاناة مرضى السرطان في تعز، عبر صفحتها بالفيس بوك " منظمة الصحة العالمية – اليمن"، أو بإرسالها إلى المسؤول الإعلامي للمنظمة في اليمن، الذي لم يرد حتى كتابة النص. حتى منظمة اليونسيف، نأت بنفسها عن الاهتمام بالأطفال المصابين بالسرطان في تعز، مجيبة على تساؤلاتنا بأنها غير مختصة بذلك، مع التحفظ على عدم الرد عن جزئية الدعم النفسي للأطفال المصابين، كإيمان وأمثالها. وسط مخاض البقاء لا تزال إيمان تائهةً، فالسرطان من حين لآخر يداهمها، مقتنصًا أعذب لحظاتها؛ لينغص عليها حياتها.. منذ يومين، أجري لها تدخلٌ جراحي لأخذ عينة من ورم عنقها، من أجل الوقوف أمام حالتها مجددًا، بعد أن هاجمها السرطان، في حين كان طبيبها يتحدث عن تحسن كبير في حالتها الصحية. ينتظر الجميع نتيجة الفحص النسيجي لعينة عنق إيمان، وعلى رأس المنتظرين إيمان نفسها، فهي لا تدخر جهدًا في متابعة احتياجاتها الصحية والنفسية، برباطة جأش منقطعة النظير، إذ لا استسلام للسرطان في قاموسها؛ لأن ذلك بالنسبة لها يعني الموت قبل أوان الأجل! لا تتوقف إيمان عن نسج أحلامها رغم ما يجري لها، فحقها في الوجود تلاحقه منذ نعومة أظافرها، فهي تتطلع لهزيمة السرطان قريبًا، واكتمال رحلتها التعليمية، لتصبح طبيبة أورام، تساعد الناس في القضاء على السرطان، وذلك هدف حددته لنفسها منذ أول يوم من إصابتها، ولم يبقَ له سوى أن يكون حقيقة، وذلك مرتبطٌ ببقاء إيمان على قيد الحياة، إن انتصرت على الحرب والسرطان... فهل يكون لها ما تريد؟