اعتبر متابعون للشأن السياسي في تونس أنّ طلب الرئيس التونسي، قيس سعيد، الدعم من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، يشكّل انعطافة لافتة باتّجاه التقارب مع دولة الإمارات، و الابتعاد عن قطر من منطلق أنّ الدبلوماسية تُبنى على العلاقات بين الدول لا على الولاءات، وعلى دعم الدولة الوطنية لا دعم الأحزاب من منطلق أيديولوجي، بحسب تعبيرهم. وقد أفاد بيان للرئاسة التونسيّة، أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيد، أجرى مساء الثلاثاء ال14 من أبريل / نيسان 2020، مكالمة هاتفية مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وتناولت المكالمة العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين واستعداد دولة الإمارات لدعم تونس في مواجهة جائحة "كورونا" العالمية، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية. وذكّر الرئيس التونسي في هذا السياق بمناقب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وحسه الإنساني، كما ذكر أيضا بدور الإمارات في دعم تونس ومساهمتها في الكثير من المشاريع بها، وفق البيان. وتأتي هذه المكالمة بعد أسابيع من زيارة وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى تونس. ولاحظ متابعون للشأن السياسي والدبلوماسي في تونس أنّ سعيد بات يبدي تقاربا مع دولة الإمارات بعد أن أعطى انطباعا في البداية بأنه أقرب إلى المحور القطري وبعد ما راج إبان حملته الانتخابية من أنه قريب من حركة "النهضة" التي تدعمها قطر. وقال مصدر دبلوماسي ل"إرم نيوز" إن هذا التقارب قد يكون سببه الرئيس أن الشيخ محمد بن زايد يتصرف وفق ما تمليه الظروف الإنسانية المرتبطة بأزمة فيروس كورونا وهو ما يتسق مع شخصيته حيث يفصل عادة بين السياسية والمواقف الإنسانية. ويرى المحلل السياسي التونسي هشام الحاجّي، في تصريح ل"إرم نيوز"،أنّ التحركات التي ما انفك يقوم بها رئيس الجمهورية قيس سعيد تجاه الإمارات العربية المتحدة يمكن قراءتها من زاويتين على الأقل. و أوضح أنّ الزاوية الأولى، تكمن في التقييم الذي قام به قيس سعيد بوصفه معنيا بالعلاقات الخارجية لتونس لأداء بعض الدول التي تمكنت منذ ثورة ال 14 من يناير 2011 من الاقتراب من القرار السياسي التونسي وتوجيهه وبالتحديد قطر و تركيا. وقال "لا ننسى أن قيس سعيد قد رفض تمكين الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان من استعمال المجال الجوي التونسي لدعم حكومة فايز السراج و هو ما خلق فتورا في علاقة الرجلين وأضافت أزمة الكورونا لهذا الموقف فتورا جديدا، إذ كان الدعم التركي لتونس ضعيفا، بينما آثرت قطر دعم إيطاليا بدل الوقوف إلى جانب تونس". وأضاف هشام الحاجي، أنّ الزاوية الثانية هي رغبة قيس سعيد في أن يتمايز عن حركة النهضة التي تصرح بوضوح بانخراطها في المحور التركي- القطري ويبدو أن قيس سعيد يريد وضع بصمته على السياسة الخارجية و هي من اختصاصاته الحصرية حسب الدستور التونسي إعدادا للاستحقاقات القادمة وفق قوله. واعتبر الحاجّي أنّ ما يؤكد هذه القراءة أنّ تحرك قيس سعيد قد تزامن مع تصريح لوزير الدفاع عماد الحزقي اعتبر فيه أن حكومة فائز السراج غير شرعية و أن قواته هي "ميليشيات" و ليست جيشا شرعيا. من جانبه، اعتبر المحلل السياسي التونسي ناجي العياشي في تصريح ل "إرم نيوز"، أنّ التقارب التونسيالإماراتي عبّرت عنه المواقف المتطابقة في علاقة بالقضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمتها الوضع في ليبيا، مشيرا إلى التصريح الأخير لوزير الدفاع التونسي، عماد الحزقي، الذي استخدم فيه مصطلح "ميليشيات" في توصيفه للقوات التابعة لحكومة الوفاق في ليبيا، و هو موقف رسمي لافت، لا سيّما أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد أعلن في وقت سابق دعمه المعلن لحكومة "الوفاق" . وأوضح العياشي أنّ جزءا من الخطاب الرسمي الصادر عن وزارة الدفاع وعن وزارة الخارجية في تونس يعكس موقف رئيس الجمهورية الذي يتدخل في تعيين وزيري الدفاع والخارجية وفي وضع السياسات الكبرى للدبلوماسية التونسية والخطط الدفاعية للبلاد، وفق ما ينص عليه الدستور، معتبرا أنّ هناك تطوّرا في الخطاب الرسمي التونسي في علاقته بالملف الليبي يعكس تقاربا مع الموقف الإماراتي، بحسب تعبيره. وذهب العياشي إلى اعتبار أنّ الرئيس التونسي قيس سعيد اختار بهذا التوجه السير على نهج سلفه الباجي قائد السبسي، الذي كانت تربطه علاقات مميزة مع الإمارات لا على أساس إأديولوجي ظرفي أساسه دعم حزب "نداء تونس" الذي أسسه قائد السبسي، بل على أساس أنّ قائد السبسي كان رجل دولة وكان يرسم خطا واضحا للدبلوماسية التونسية، الأمر الذي استفادت منه تونس كثيرا، بحسب قوله.