لم تكد تنقضي حتى 6 اشهر على توقف آلة الحرب في صعدة وحرف سفيان بعمران ، حتى عادت مجددا طبولها تدق . لقد استبشر الناس خيراً في حقن الدماء بقرار إيقاف الحرب بغض النظر عمن اتخذه ، المهم أن آلة الحرب توقفت ، وبدأ تطبيع الحياة في تلك المناطق من هذا الوطن . لكن التداعيات الأخيرة والمتمثلة في الاشتباكات المتقطعة بين الجيش والحوثيين ، من جهة ، وبين الحوثيين ورجال القبائل ، والاتهامات التي سيقت للحوثيين بخرق قرار وقف إطلاق النار ، والرد بالتكذيب واتهام اللجان المشرفة على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بعدم الحيادية وغيرها من الأحداث ، هي – اليوم – مؤشرات حقيقية على مدى صعوبة الوضع ميدانياً . ويمكننا هنا وضع العديد من الملاحظات أو النقاط لقراءة الوضع في شمال البلاد . - يمكن التأكيد على أن قرار وقف الحرب بصورة " ثنائية " أو في ضوء " تفاهمات ثنائية " وغياب الشفافية لدى الطرفين وعدم إعلان ما يتم الاتفاق عليه ، يمثل " خط الرجعة " لدى الطرفين ، وذلك لانعدام الثقة فيما بينهما ، أو أنها – الثقة – تتوفر بنسبة ضئيلة جداً. - تغييب أطراف محايدة عن الإطلاع على ما يتم الاتفاق عليه والمشاركة الميدانية الحقيقية وليس على تلك الطريقة التي رأيناها بعد وقف الحرب ، كفقاعة إعلامية تلاشت مع مرور الأيام ، وبقي الطرفان في الميدان لوحدهما ، أدى إلى بروز نزعة عدم الثقة والتوجس من الأخر ، إلى أن تتعثر عملية تنفيذ الاتفاق على الميدان ، ولذلك كان ولازال مهما أن تشرف أطراف محايدة على تنفيذ أي اتفاق ، خاصة وان الطرفين سعيا حثيثاً لوقف الآلة العسكرية ، رغبة في إنهاء الاقتتال ، لكن – كما يبدو – دون رؤية مستقبلية واضحة . - لقد جاء إيقاف الحرب السادسة دون وضع عدة استراتيجيات لمعالجة الملفات الشائكة ، أي أن ذلك تم على " الطريقة اليمنية " الخالصة ، ومن أهم الأمور التي لم يتم التوقف أمامها أو الالتفات إليها ، أو لم يرد ذلك ، هي وضع الاحتكاك الميداني بين ثلاثة أطراف : الجيش والحوثيين .. الحوثيون ورجال القبائل في بعض المناطق والمواليين للحكومة اليمنية ، والاحتكاك الأخير هو الأخطر ، لان هناك من يطرح أن أي احتكاك بين الجيش والحوثيين ، يعني اندلاع حرب جديدة وان أي احتكاك بين الحوثيين ورجال القبائل ، يعني استمرار الحرب بشكل أخر ، عبر الوكلاء من الطرفين ، مما يتضح أن الطرفين مازالا يخوضان الحرب ، الجيش عبر " ميلشياته " القبلية والحوثيين عبر " الناس في المنطقة " ، حسب وصفهم . والمهم ، في الأمر ، أن مثل هذه المعركة التي تعكس عدم حُسن النوايا ، قابلة وبسبة كبيرة للاستمرار ، حتى لو حُسم الأمر ميدانياً لأي من الطرفين ، بسبب التركيبة القبلية وثقافة الثأر والثأر المضاد ، وغياب مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية في تلك المناطق القبلية . - من ضمن النقاط أو الحقائق التي يمكن الإقرار بها في ضوء مشهد الحروب الست في سبع سنوات ، أن جماعة الحوثي قوة لا يستهان بها ميدانياً ، فلديها الفكر الأيدلوجي – الديني الذي تسيطر به على عوام الناس ، ولديها العقيدة العسكرية المؤهلة والمتمرسة في تلك المناطق ، وكذا الدعم المالي وبالسلاح ، وهو ما لم تفك الحكومة طلاسمه حتى اليوم ، أو أنها لا تريد ذلك لحسابات محلية أو إقليمية أو دولية ، ربما ! - أيضا من ضمن الحقائق التي يجب الإقرار بها في مشهد صعدة ، أن استخبارات الحكومة والجيش اليمني في تلك المناطق ، ضعيفة للغاية ، وإلا لما كانت الأمور وصلت إلى ما وصلت إليه من استعداد حوثي غير مسبوق عسكرياً وامنياً وإعلاميا ، واقتصادياً . ويرجع ذلك إلى تركيبة تلك المناطق القبلية بسبب عجز الدولة من خلال أكثر من أربعة عقود ، عن تموينها ، وبالتالي فان تجنيد المخابرات لعملاء وزرعهم في صفوف أهاليهم أمر صعب للغاية ، لا يقل صعوبة عن عدم إمكانية نشاط عملاء من خالج تلك المناطق ، إضافة إلى الأداء العتيق والتقليدي لأداء مخابرات الجيش في عموم المناطق ، وليس فقط في صعدة وعمران . - ضمن الحقائق التي لابد من التطرق إليها ، هي أن أساليب وتكتيكات الجيش اليمني في حربه ضد الحوثيين ، قديمة وباليه ولا تعكس أي تطور تقني وتكنولوجي مما يتم الحديث عنه ليه نهار في وسائل الإعلام الرسمية ، وهذا يجعل المواطن اليمني يستشعر خطورة ، لا قدر الله ، جرت مواجهات عسكرية مع أية دولة ، أو وجدت بؤرة عسكرية لتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات الإسلامية المتطرفة ، في إحدى المساحات الجغرافية للبلاد ، ذات المساحة الشاسعة ، على غرار ما يجري في الباكستان وأفغانستان . وبالعودة إلى مشهد ما يجري حاليا من تصعيد تُشم منه روائح البارود ، يمكن القول إن المواطن اليمني ، كان مستشعراً منذ البداية أن قرار وقف الحرب وإطلاق النار ، لم يكن سوى " استراحة محارب " من اجل التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الصفوف بعد إنهاك الحرب لأشهر ، رغم أن هذا المواطن – كان ولا يزال – يأمل في أن يستريح وتستريح البلاد من ويلات الحرب ونتائجها ، لأن المنتصر في مثل هذه حروب ، دائماً مهزوم ! يمكن الجزم أن الحكومة اليمنية وكذا الحوثيين ، لا يدركون – جميعاً – مدى الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي بما يجري في شمال البلاد ، بدليل أنهم " يكولوسون " فيما بينهم ، دون وعي بأهمية أن تحظى خطواتهم بتغطية إعلامية ، لنقل إن اتفاق وقف الحرب تم ولم ترد الحكومة إظهار " المتمردين " في موقف الند ، من خلال استدعاء وسائل الإعلام لتغطية الاتفاق ، ولكن تم أواخر الشهر الماضي ( يوليو / حزيران ) الماضي ، توقيع اتفاق أخر جديد ، غير النقاط الست ، وبحسب الحوثيين فهو يتضمن 22 بنداً ، وبحسب الدكتور رشاد العليمي ، فانه يتضمن نقاطا لتنفيذ " ما تبقى من النقاط الست " ، ويمكننا الاستنتاج مما جرى في المرة الأولى والمرة الثانية أن الجانبين يمارسان أسلوبا واحدا ، وهو " استغفال " الآخرين ! : - لم يتم عرض أي اتفاق على مجلس النواب أو حتى مجلس الشورى . - لم يتم إطلاع المؤسسات الدستورية أو وسائل الإعلام على فحوى وبنود الاتفاقيات . - لم يتم السماح لمؤسسات الإعلام والمنظمات المحلية والعربية والدولية بالنزول إلى المناطق التي كانت مساحات معارك. - لم يتم الإطلاع على حجم الدمار والخراب الذي لحق بالمنطقة وحجم الخسائر المادية والبشرية في صفوف الجيش وقوات الأمن وكذا في الطرف الأخر ( الحوثيين ) ، وأيضا في صفوف المدنيين ، كم من الرجال والنساء والأطفال والحيوانات قضوا في هذه الحروب وبالأخص الحرب الأخيرة التي كانت طاحنة ؟!! - بغض النظر عن التطورات الجارية ، فان الحرب يمكن أن تندلع في أي وقت ويمكن أن لا تندلع ، بمعنى تؤجل ، في حال جرى تقليص مساحة تحرك " تجار الحروب ودعاتها في الطرفين وحصول " تنازلات " تطيل من عمر الهُدنة ! - يمكن أن تندلع الحرب في حال رفعت تقارير أمنية و استخباراتية إلى الجهات الرسمية المعنية وتكون غير دقيقة وتفيد بان " الوضع تحت السيطرة " و " القبائل في أيدينا " و " قواتنا المسلحة ستدك معاقل المتمردين " وغيرها مما يعرف الجميع . - ويمكن ، أيضا ، أن تندلع إذا شعر الحوثيون أنهم أعادوا ترتيب صفوفهم ، ربما حصلوا على سلاح جديد ، معلومات استخباراتية بإمكان تمركز الجيش وخططه المستقبلية في التعامل معهم ، في حال تمكنوا من كسر شوكة القبائل الموالية للحكومة والتي تساند الجيش عسكريا – ميدانياً ، وإبعاد رموزها عن الساحة ، بأي طريقة ! وكافة تلك الاحتمالات ، ستلعب دوراً مهما وكبيراً في أي احتمال لدور إقليمي أو دولي في تجدد المعارك واندلاع حرب سابعة ، لان الدور الدولي يراهن – دائماً – على المعطيات الميدانية ، قبل العواطف والمشاعر والرغبات ! 1- الدور والصوت السعودي خفت وانتهت الاحتكاكات بينه والحوثيين بتنفيذ مطالبه. 2- لا صوت أميركيا أو موقف بشأن ما جرى ويجري وهناك غموض في موقف الولاياتالمتحدة . 3- العلاقات اليمنية – الإيرانية " محلك سر " . متى ستندلع الحرب والصورة التي ستكون عليها ؟!!