دشنت حكومة الوفاق الوطني ،الاحد، عهدا جديدا من الحكم في اليمن بدون هيمنة الرئيس علي عبدالله صالح، لأول مرة منذ توليه السلطة عام 1978 والذي حكم البلاد طوال 33 عاما بالحديد والنار وسيطر عليها بالأزمات، من أجل إطالة عمر حكمه. وبدأت حكومة الوفاق الوطني، المكونة مناصفة بين حزب المؤتمر الحاكم سابقا وتكتل أحزاب المعارضة، ممارسة مهامها أمس وسط صراع سياسي مرير بين بقايا نظام الرئيس علي صالح وبين اتباع الأحزاب المعارضة وقوى الثورة الشعبية، والذي تخللته مواجهات عسكرية خلال الشهور الماضية أفضت إلى إجبار كافة الأطراف على التوقيع على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمّنة في الرياض في 23 الشهر الماضي، والتي بموجبها تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيادة المعارضة ومناصفة الحقائب الوزارية بين حزب المؤتمر الذي يرأسه صالح وبين أحزاب المعارضة. وأعرب مصدر حكومي ل'القدس العربي' أن التفاؤل يسود الجميع في إمكانية أن تؤدي الحكومة الحالية دورها بشكل إيجابي في إخراج اليمن من عنق الزجاجة الذي كانت تعيشه والوصول بها إلى بر الأمان بعد أن كانت على حافة الهاوية، وكانت مرشحة للانزلاق إلى حرب أهلية. ورغم هذا التفاؤل كشف أن وزراء المعارضة في الحكومة الجديدة قد يواجهون الكثير من الصعاب والمعوقات أثناء تسيير وزاراتهم، لأنهم سيظلون مكتوفي الأيدي في خضم العمل وسط طواقم وزاراتهم الذين ينتمي أغلبهم لحزب المؤتمر ويعمل العديد من اولي النفوذ منهم لدى أجهزة المخابرات لمراقبة أداء الوزارات وفقا للسياسة التي كان ينتهجها صالح ونظامه، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية ستحاول قدر الامكان الابتعاد عن بؤر الاختلاف والعمل بنقاط الاتفاق حتى تتجاوز البلد كل عوامل الفرقة وتسعى إلى رأب الصدع إثر الشرخ الكبير في المجتمع اليمني الذي طرأ عليه خلال الشهور الماضية بسبب الصراع السياسي. من جهتهم واصل شباب الثورة في العاصمة صنعاء والعديد من المدن الأخرى أمس مسيراتهم التصعيدية ضد بقايا نظام الرئيس علي صالح وواصلوا مطالبتهم بإسقاط بقايا النظام ومحاكمة صالح وأقطاب نظامه، وأن التوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني لا تعنيهم طالما أنها لم تلبّ كافة مطالبهم وأنها لم تضع حدا نهائيا لنظام الرئيس صالح. ويواصل شباب الثورة في اليمن اعتصامهم في ساحات الحرية والتغيير في نحو 18 مدينة يمنية رغم موجة البرد القارس التي بدأت في العاصمة صنعاء والعديد من المدن الأخرى، وهم مصممون على الاستمرار في اعتصاماتهم حتى تحقيق كافة مطالبهم. ووفقا لرئيس الحكومة الحالية محمد سالم باسندوه، تقف قضايا استتباب الأمن والاستقرار الاقتصادي وتوفير الخدمات العامة في مقدمة أولويات حكومة الوفاق الوطني، حتى تستعيد الحياة في اليمن عافيتها بعد إصابتها بالشلل خلال الفترة الماضية. وذكر العديد من سكان مدينة تعز، 256 جنوبي صنعاء، أن الهدوء بدأ يسود نسبيا مدينتهم التي تعرضت لأعنف عمليات القصف خلال الشهور الماضية بين القوات الحكومية الموالية للرئيس علي صالح وبين مسلحين قبليين قدموا للمدينة من المناطق الريفية لحماية المعتصمين المؤيدين للثورة الشعبية اليمنية. وأوضحوا ل'القدس العربي' أنه بمجرد إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني وأدائها اليمين الدستورية السبت الماضي بدأ الهدوء يسود المدينة وتوقف القصف تماما وبدأت الحياة تدبّ في أرجاء المدينة بعد أن كانت أصيبت بالشلل التام خلال الاسابيع الماضية اثر القصف الشديد الذي طال كافة الأحياء السكنية للمدينة وشهدت مجازر غير مسبوقة. إلى ذلك شهدت العاصمة اليمنيةصنعاء هدوءا نسبيا وتوقف القصف العسكري من قوات الجيش الموالية لصالح، غير أن قصفا محدودا حدث صباح أمس على حي صوفان الذي يقع فيه بعض منازل شيخ مشايخ حاشد صادق عبد الله الأحمر وإخوانه، والذي دان هذه الأفعال أمس واعتبرها 'اختراقا واضحا وصريحا للهدنة المعلنة ومحاولة مكشوفة لتعطيل عمل اللجنة العسكرية'. ودعا الأحمر نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي للاسراع في تطبيق المادة 16 من الآلية التنفيذية وعودة القوات المسلحة وغيرها من التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها. في غضون ذلك قام مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر أمس بزيارة مفاجئة لمدينة تعز للاطلاع على الأوضاع الأمنية والعسكرية فيها ومدى التزام كافة الأطراف بوقف اطلاق النار فيها، عقب تويع المبادرة الخليجية. وذكرت مصادر محلية أن بن عمر التقى خلال زيارته لتعز قيادات تكتل أحزاب المعارضة وناشطي الثورة الشعبية وكذا مسؤولي السلطة المحلية وقياداتها الأمنية والعسكرية واستمع الى شهود عيان وبعض سكان المدينة وبالذات بعض اهالي الضحايا للإطلاع من خلالهم على ما شهدته تعز من قصف عنيف من قبل قوات الجيش الموالية لصالح خلال الشهور الماضية.