ربما بالغ فريق حكومة الوفاق الوطني في تعليق آمال عريضة على ما يمكن ان يدره المانحون في مؤتمر اصدقاء اليمن الذي عقد الخميس الماضي بمدينة نيويورك ، خاصة بعد تعهدات مؤتمر الرياض التي بلغت ستة مليارات و400 مليون دوﻻر. إﻻ أن ما تمخض عنه مؤتمر نيويورك من تعهدات لم تتجاوز مليار و200 مليون دوﻻر كانت محبطة للغاية ، وربما ذلك ، يفسر العبوس الواضح في ملامح وجه الرئيس عبدربه منصور هادي ، وهو يرأس الاجتماع وإلى جواره وزير الخارجية ابو بكر القربي ووزير التخطيط محمد السعدي ، خاصة وأن استرسال هادي في عد المخاطر الاقتصادية والأمنية والسياسية المحدقة باليمن ، لم تشفع بما فيه الكفاية لتغيير طبيعة الشح التي يتسم بها المانحين التقليديين(الغربيين) رغم الحضور الرفيع في المؤتمر. اذ شارك فيه شخصيات رفيعة تمثل حكومات 39 دولة ومنظمة عربية وإقليمية ودولية وفي مقدمتهم أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون ، وأمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي ، والأمين العام لمساعد لمنظمة التعاون الإسلامي عبدالله العليم ، ووزراء خارجية بريطانيا و الكويت والامارات ونائب وزير الخارجية السعودي ، ومفوضة التعاون الدولي والمعونة الإنسانية بالاتحاد الأوروبي كريستالينا جورجيفا ، والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن جمال بن عمر. ومن ناحية أخرى ، فإن مخرجات مؤتمر نيويورك ، تفرض على الحكومة اليمنية اعادة ترتيب اولوياتها التنموية بما يتوائم مع ما حصلت عليه من تعهدات مخيبة للآمال في مؤتمري الرياضونيويورك التي لم تتجاوز 6ر7 مليار دوﻻر قياسا مع ما حاجة اليمن لتغطية كلفة البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية 2012- 2013م والبالغ تكلفته11 مليار و800 مليون دوﻻر كانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي اعدته بإشراف المانحين وصندوق النقد والبنك الدوليين ، بحيث يوزع بواقع اربعة مليارات و750 مليون دوﻻر لتغطية الاحتياجات الطارئة و7 مليارات و653 مليون دوﻻر لتغطية كلفة البرنامج الاستثماري متوسط المدى ، ويمتد إلى بعض المشاريع الاستراتيجية المزمع تنفيذها عامي 2015، و2016م. وتبلغ الفجوة بين التعهدات الحالية وبين احتياجات اليمن في الخطة اربعة مليارات و200 مليون دوﻻر ، ورغم هذا فكان من الصعب على الوفد اليمني ابداء تبرمه من المانحين في نيويورك ، رغم ان الرئيس هادي واعضاء الوفد وصفوا نتائجه بالناجحة بكل المقاييس وهي مقاييس دبلوماسية وليس بمقياس الارقام . مؤتمر نيويورك افرز المانحين بين فاعلين حريصين على مساعدة اليمن اقتصاديا كما اثبت ان المانحين الخليجيين هم السند الحقيقي في عملية التنمية وإن كان حجم التعهد الاماراتي ضئيل بعكس التوقعات ، حيث بلغ 150 مليون دوﻻر رغم القدرات المالية الكبيرة التي تتمتع بها ابوظبي. وفيما غابت التعهدات الصينية والعمانية والروسية برزت تركيا سند جديد لليمن ، بإعلانها تقديم 100 مليون دوﻻر. أما فرنسا فقد تملصت من تقديم مساعدات مالية جديدة ، وما اعلنت عنه من تعهد والبالغ 80 مليون دوﻻر ، فلم يكن تعهد جديد ، بل احياء لقرض كانت الحكومة اليمنية ستحصل عليه من وكالة التنمية الفرنسية عام 2011م لتمويل جزء من مشروع كهرباء الريف بمقدرار 55 مليون دوﻻر و25 مليون دوﻻر لتمويل مشروع الاسكادا(التحكم) التابع لمؤسسة الكهرباء ، لكن احداث عام 2011م دفعت وكالة التنمية الفرنسية الى ايقاف القرض. مؤشرات سياسية سلبية المخاوف من سيناريوهات متشائمة بشأن الفترة القادمة والمفصلية في تاريخ اليمن ، هو ما يشغل الرئيس هادي بصورة ابرز وشغل مساحة هامة من لقاءاته مع المسئولين الغربيين ، كون مؤشرات فشل مؤتمر الحوار الوطني تتصاعد بوتيرة مقلقة. يتضح ذلك مما قاله الرئيس هادي في مؤتمر صحفي جمعه مع وزير الخارجية البريطانية وليم هيج في مدينة نيويورك وحذر فيه من أن فشل مؤتمر الحوار سيقود البلاد الى حرب اهلية ما سيجعل الصعوبات اكثر ولن يقتصر تأثيرها على اليمن بل سيطال المنطقة والعالم ككل. كما ان صحيفة الشرق السعودية في افتتاحيتها الاسبوع الماضي قالت ان المشهد اليمني ﻻ يسير في اتجاه التوافق وان احتماﻻت نجاح الحوار الوطني آخذة في التضاؤل. اذ تساور الكثير من السياسيين في اليمن ، مخاوف بشأن نوايا الحوثيين والحراك المسلح ، وغيرهم ، من المرجح ان يكون الرئيس هادي ، ناقش مع قيادات الدول الغربية التي يزورها حاليا ، الخيارات التي يجب الاستعداد بها لمواجهة أي محاوﻻت لتفجير الوضع اثناء انعقاد المؤتمر اذا ما شعر البعض أن الحوار سيفرض عليهم التزامات تتعارض مع اجنداتهم الخفية. لذا فإن استفادة اليمن من تعهدات المانحين ستبقى مرهونة بتماسك المسار السياسي ونجاح مؤتمر الحوار الذي يبدو أن الطريق أمامه وعره ، كما ان تزايد مؤشرات انتكاسة العملية السياسية ستدفع المانحين الى ايقاف تقديم اي مما تعهدوا به. وﻻن اليمن ذات ارث غير سار في مسألة قدرتها على استيعاب القروض والمنح الخارجية فإن المؤشرات على تغير البيروقراطية الحاصلة والفشل المالي والاداري ليست واضحة فضلا عن قدرة الحكومة الجديدة على تحديد وربما ساهمت المؤشرات المقلقة بشأن الوضع السياسي في اليمن في التأثير سلبا على توجهات المانحين الذين سيرقبون الوضع في اليمن خلال الفترة القادة بنوع من التوجس الذي يعكس تحوﻻ الى المسار السياسي اكثر مما يعكس تغيير في اتجاه زيادة الدعم لموجهة معضلات البلاد الاقتصادية التي قادت اليمنيين مطلع 2011م الى ثورة اطاحت بنظام علي عبدالله صالح والكثير من رموز حكمة مدنيين وعسكريين.