يقول ثلاثة مواطنين يمنيين اعتقلوا أواخر عام 2003، انهم نقلوا الى سجن أميركي، وعزلوا في ما لا يقل عن اربعة أماكن اعتقال سرية، يعتقد موظفو منظمة العفو الدولية انها يمكن أن تكون جزءا من نظام سجني سري تابع لوكالة المخابرات المركزية (سي أي ايه). ولم يقل السجناء الثلاثة انهم تعرضوا الى تعذيب جسدي عندما كانوا في السجن الأميركي، ولكنهم يصفون نقلهم بطائرات الى أماكن مجهولة حيث جرى استجوابهم من جانب أميركيين يرتدون ملابس مدنية، وفقا لتقرير أصدرته منظمة العفو الدولية. وفي أحد السجون كان السجناء تحت حراسة اشخاص مقنعين يرتدون زيا اسود ويتخاطبون بالاشارات والايماءات. وقال التقرير، انه خلال فترة سجنهم الانفرادي لم تزرهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولم يتصلوا بمحامين ولم يكونوا قادرين على مراسلة عائلاتهم, ولم تكن لديهم صلات مع العالم الخارجي. وكانت عائلاتهم تعتقد انهم قتلوا أو ابلغوا بانهم ذهبوا الى العراق لمقاتلة الولاياتالمتحدة. ويبدو ان المعلومات، التي اخذت في مقابلات مستقلة من جانب باحثين في منظمة العفو الدولية، خلال الأشهر القليلة الماضية، تتوافق مع تقارير عن شبكة سجون سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية، وفقا لتقرير المنظمة. ولم يستطع السجناء تحديد المكان الذي كانوا فيه لأن وجوههم كانت مغطاة خلال الرحلة بالطائرة، ولكن بسبب وقت السفر افترضوا أنهم في اوروبا أو الشرق الأوسط. وقالت آن فيتزجيرالد، كبيرة المستشارين في مجال الأبحاث بمنظمة العفو الدولية، التي اجرت لقاءات مع السجناء في سجنين يمنيين «حاولنا أن نحدد مكان اعتقالهم، ولكن ذلك لم يكن يسيرا. وكان من الواضح أنهم كانوا في أماكن خصصت لاحتجاز كثير من الناس وليس هم وحدهم. ولكنهم لم يكونوا حقا على علم بالمكان». ورفضت وكالة المخابرات المركزية التعليق على الموضوع يوم الجمعة الماضي. وفي مكالمة هاتفية من لندن الأسبوع الماضي قالت فيتزجيرالد، انها تعتقد ان القصص التي رواها السجناء جديرة بالتصديق، لأنهم كانوا معتقلين بصورة منعزلة، ولم يكونوا قادرين على الاتصال مع بعضهم بعضا قبل أن تسلمهم الولاياتالمتحدة الى الحكومة اليمنية في مايو (ايار) الماضي. ولم يسبق لاحد السجناء أن التقى بالسجينين الآخرين. وقد اعتقل محمد أسد في بيته بدار السلام بتنزانيا يوم 26 ديسمبر (كانون الاول) 2003، بسبب مشاكل زعم انها تتعلق بجواز سفره. وكان المواطن اليمني أسد يعيش في تنزانيا لفترة 20 عاما. وبعد اعتقاله واستجوابه الأولي أخذ الى طائرة بالانتظار وأبلغت عائلته بأنه رحل الى اليمن، وفقا لمنظمة العفو الدولية. ونفت السلطات اليمنية أن يكون أسد قد دخل البلاد، وفي وقت لاحق ابلغتتنزانيا والد أسد بأنه سلم الى مسؤولين أميركيين. ويعتقد اسد انه اعتقل بسبب ارتباطاته بمنظمة خيرية وضعت في «القائمة السوداء» بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001 الارهابية بزعم تمويل الارهاب.. وهذه هي القضية الوحيدة التي جرى استجواب أسد بشأنها خلال فترة اعتقاله التي دامت 15 شهرا. وكان قد أخذ أولا بطائرة صغيرة حلقت لفترة ساعتين الى ثلاث ساعات، وجرى استجوابه لفترة أسبوعين من قبل اشخاص يتحدثون العربية وفقا للتقرير، ثم نقل جوا الى مكان آخر في رحلة يعتقد انها استغرقت حوالي 11 ساعة، مع توقف لمدة ساعة، وعندما وصل كان الجو المحيط اكثر برودة وجرى استجوابه من جانب رجال بيض تحدثوا بلهجة يعتقد انها أميركية. وجاء في التقرير الذي ضم 20 صفحة انه «لم يكن هناك ما هو عشوائي او مؤقت بشأن نظام السجن، فقد أعد بعناية لاثارة اقصى حالات الارباك والاجهاد لدى السجناء. فقد كان الرجال يتعرضون الى اقصى حالات الحرمان من الاحساس. وخلال ما يزيد على العام لم يكونوا يعرفون في أي بلد هم، وما اذا كان الوقت ليلا أم نهارا، أو الطقس ممطرا ام مشمسا. ولم يكن بوسعهم الحديث لأحد غير من يحققون معهم عبر مترجمين، ولم يكن هناك من يتحدث اليهم». واعتقل صلاح علي ومحمد باشميلة، اللذان كانا يعيشان في اندونيسيا في أغسطس (اب) واكتوبر (تشرين الاول) 2003 على التوالي، حيث اعتقل علي في جاكارتا وباشميلة في العاصمة الأردنية عمان. وأخذا الى سجن اردني وتعرضا الى التعذيب بالضرب الشديد وتقييدهم في أوضاع سيئة، من جانب السلطات الأردنية قبل نقلهم الى السجن الأميركي، وفقا لما أورده تقرير منظمة العفو الدولية. وقالت فيتزجيرالد، ان كلا الرجلين كانا قد سافرا الى افغانستان عام 2000 بغرض (تعلم أمور تخص الجهاد)، ولكن لم يخض أي منهما قتالا ضد الولاياتالمتحدة. وقال علي انه جرد من ملابسه وضرب بالعصي من جانب مجموعة من الجنود الذين كانوا يرتدون اقنعة. وابلغ علي منظمة العفو قائلا انهم «حاولوا ارغامي على المشي كالحيوان، ورفضت ذلك ولهذا مددوني على الأرض ومشوا على جسمي ووضعوا احذيتهم في فمي». ويروى علي وباشميلة قصصا متشابهة بعد نقلهم الى سجن أميركي في مكان تعتقد منظمة العفو الدولية انه يمكن أن يكون في أوروبا الشرقية. ووضعوا في مكان تحت الأرض بدون نوافذ وكان كل واحد معزولا في زنزانة صغيرة، وكان السجانون والمحققون يتحدثون الانجليزية بلكنة اميركية. وفي ابريل (نيسان) 2004، نقلوا الى سجن جديد «لا توجد فيه صور او زخارف على الجدران ولا يغطي أرضيته شيء ولا توجد نوافذ ولا ضوء طبيعي»، وفقا لما ذكره التقرير. وكان الحراس يرتدون الملابس السوداء. وقالت فيتزجيرالد، ان السجينين الاندونيسيين نادرا ما كان يجري استجوابهما بعد المرة التي كانت في الأسابيع القليلة الأولى، ربما كاعتراف بأنهما لم يكونا يعرفان الكثير. وقد أخرج الثلاثة وسلموا الى السلطات اليمنية في مايو الماضي. ويعتقل علي وباشميلة في السجن المركزي بعدن، فيما يعتقل أسد في سجن أمني بالغيدة. وقالت فيتزجيرالد ان عوائلهم تعرف الآن انهم احياء. ويقول التقرير ان «قضايا اليمنيين الثلاثة (المختفين) الموثقة في التقرير تشير الى أن شبكة مراكز التحقيق السرية ليست مخصصة فقط للسجناء ذوي القيمة والأهمية الكبيرة، وانما قد تكون أوسع وأشمل وأكثر تنظيما مما كان يظن سابقا». ومثل هذه السجون «الانفرادية» تتعارض مع المعايير الدولية، ولكنها تتطابق مع التقارير الأخيرة حول كيفية ادارة وكالة المخابرات المركزية شبكة سجونها. وقال مانفريد نواك، مقرر الأممالمتحدة لشؤون التعذيب، في مقابلة معه الأسبوع الماضي، ان السجون السرية قضية مهمة جدا، لأنه ليس هناك اشراف خارجي ولا توجد امكانية لمعرفة من هم السجناء المعتقلون وأين هو مكان سجنهم. وعبر عن ادانته لهذه الممارسة. وقال نواك ان «السجن الانفرادي بحد ذاته يدل على معاملة لاانسانية».