سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحامدي: وحشية في القتل.. وحشية في الحكم بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من تجميد جثة الحامدي داخل إحدى ثلاجات الموتى، وافق مشائخ سنحان على تسليم أحد المتهمين العشرين بارتكاب جريمة القتل الى الأجهزة الأمنية فيما ال91 الآخرون طلقاء
في وطن مسكون بالمآسي.. مطرز بالألم، محكوم بالظلم والجبروت والبطش، يكون من غير المنطقي الحديث عن دولة المؤسسات، والتبجح بمفردات النظام والقانون والأمن، إلا اذا كان من باب التضليل والدجل وتزييف قناعات الآخرين التي لم تعد تجدي معها نفعاً مثل هذه الأساليب، سواءً كانت موجهة للداخل أو الخارج. وفي وطن تسوده العنجهية والبلطجة المسنودة بنظام الحكم، وتغيب عنه قيم الإنسانية، فضلاً عن المواطنة، يكون إزهاق روح مواطن كالحامدي، وسفك دمه أمام مرأى ومسمع أطفاله، أمراً في غاية البساطة، خاصة عندما يكون القتلة من سنحان، وبأمان حاكمها المبجل. الأسهل من ذلك أن يكون الضحية من مواطني الدرجات الأدنى، فالأمر هنا لايتعدى في أكثر الأحوال سوءاً، إعدام ثور أو حتى خروف، وتسليم مسدس الميكروف الذي خرجت منه رصاصتا الموت، الى جانب أربعة أو خمسة مسدسات أو آليات الكلاشينكوف، كهجر لذوي القتيل، وهو ما عمد إليه حماة القتلة بعد وقوع الجريمة. محمد حمود الحامدي.. وحشية نظام ومأساة وطن. وهو أيضاً مسلسل درامي حزين للغاية، اختزل كل صور الظلم والجبروت التي تمارس منذ عقود عدة، مع سبق الإصرار والترصد، بحق الملايين من أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره، والتي صارت منهجاً للحكم، ودستوراً آخر للبلد. الحامدي عناوين عريضة تبوح بآلام الغلابى وآهات المقهورين، وتكشف إرهاب الدولة ووحشية شلة حاكمة، كما تفصح عن أنهار من الدماء، وجرائم قتل ارتكبت بدم بارد.والحامدي قبل ذلك، أب لسبعة أبناء، كان عائلهم الوحيد، ومصدر رزقهم ووالدتهم. ولأننا في وطن أتى مسؤولوه على كل ثرواته وخيراته، حتى صارت لقمة العيش حلماً صعب المنال لدى الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب، فقد كان لزاماً على الحامدي أن يعمل ليل نهار في محله الكائن بحراج 54 بالعاصمة صنعاء، لتوفير لقمة عيشه ومن يعول. الحامدي لم يكن يحلم بأكثر من ذلك، كما أنه لم يرتكب جرماً كي يقتل على يد عشرين وحشاً من أبناء سنحان. كل ذنب الرجل الضحية أنه باع قطعة غيار لمكنسة كهربائية لأحد أبناء سنحان، جاء ليعيدها إليه عقب يومين من شرائها، فعرض عليه الحامدي استبدالها بأخرى إن كانت غير صالحة، غير أن الآخر المسنود أبى إلا أن تعود إليه فلوسه كاملة وغير منقوصة، وهو ما لم يكن متوفراً في صندوق محل الحامدي المتواضع، والذي طلب من السنحاني أن يعود إليه بعد ساعتين حتى يجمع له كامل مبلغه. وقبل أن يتلفظ الأخير بمفردات بذيئة وغير لائقة على الحامدي، عاد إليه بعد ساعتين ليس لأخذ ماله كما وعده بذلك الحامدي، ولكنه عاد ليلقن »صاحب حبيش« وكل العاملين في ذلك السوق، أسس التعامل مع أبناء الطبقة الحاكمة ومقربيهم الذين لايقبلون الأخذ والرد معهم في أي موضوع. المتنفذ دخل الى السوق ومعه قرابة عشرين شخصاً، توجه سبعة منهم يتقدمهم المتنفذ إياه، نحو محل الحامدي، فيما البقية توزعوا في السوق، وحذروا من أي تدخل يمكن أن يبدر من أحد. وقبل أن يخاطبه أحدهم: »ما تشتي يا لغلغي« -حسب قول شاهد عيان- انهال الجميع عليه بالركل والضرب واللطم بصورة وحشية للغاية، كانت تختلط فيها صرخات طفلي الحامدي اللذين كانا حاضرين، بشتائم وعبارات القتلة البذيئة، التي كانوا ينعتون بها الرجل أثناء ضربه. مشهد إرهابي بشع استمر دقائق معدودة، قبل أن يقرر أحدهم وضع حد لحياة الرجل، برصاصتين فجر بهما رأسه. ولكم أن تنظروا الى الصور بتأمل لتدركوا بشاعة الموقف ووحشية الجريمة. القتلة استكثروا على الحامدي أن يموت قبل أن يشبعوا غليلهم منه، ويمارسوا هواياتهم في تحقير الآخر وإهانته. وبكل سهولة، عاد القتلة بعد أن أنهوا مهمتهم، الى »سنحان«، واحتموا بشيخها المقرب من رئيس الجمهورية؛ علي مقصع. وبعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع على تجميد جثة محمد حمود الحامدي داخل إحدى ثلاجات الموتى، وافق مقصع على تسليم أحد الجناة العشرين للجهات الأمنية، بعد أن فشلت تدخلات مشائخ »حبيش« وآخرين لإقناع مشائخ سنحان بتسليم الجناة جميعاً للعدالة، لتقول فيهم كلمتها. بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الأسى والحزن العميقين، اللذين غمرا أسرة الحامدي جراء فاجعتهم بعائلهم الوحيد، وجه مسؤولو ومشائخ جمهورية سنحان بتسليم أحد المطلوبين في حادثة قتل ارتكبت بدم بارد، في حق أحد مواطني »جمهورية اليمن الأسفل«. وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الهلع والفزع اللذين ينتابان كل ليلة طفلي الحامدي، منذ أن شاهدا والدهما ملطخاً بالدماء، ومن حوله عشرون وحشاً، تكرم شيخ سنحان بتسليم أحد القتلة العشرين، إن لم يكن شخصاً آخر استقدم ليكون فدية أخرى للقتلة، سيتم لاحقاً الإفراج عنه، في مشهد لانظن أنهما سينسيانه ما حييا. مصيبة أن تتوقف ثقافة عدد من المقربين من نظام الحكم وأتباعهم، عند القتل وسفك الدماء، حتى بعد أن امتلكوا مقاليد حكم البلد، وصاروا مسؤولين عن كل أبناءه.. أو هكذا ينبغي أن يكونوا. وكارثة أن تصير المواطنة درجات متفاوتة في بلد أكثر ما يهدد أمنه واستقراره الصراعات المناطقية والقبلية والمذهبية، وما على شاكلتها. والتاريخ يؤكد ذلك، ويجب أخذ العبرة منه. وهنا نتساءل: هل فكرت النيابة العامة أو حتى وزارة الداخلية، بما فيها الوزير نفسه، في عبور حدود »سنحان«، وإلقاء القبض على القتلة؟! الإجابة نقرؤها من الفترة الزمنية التي مرت على الجريمة دون أن يتعرض أحد الجناة لأذى، ولندرك أي اختلال يعيشه البلد. على رئيس الجمهورية الذي انتظرنا طويلاً أن يقول كلمته في القضية دون جدوى، أن يعلم أن اليمن لن تتحول الى صومال أخرى اذا تخلى على عرش الحكم، أو اذا امتلكت المعارضة قناة فضائية، كما ذكر في أحد خطاباته ذات يوم. لكن اليمن يمكنها أن تتحول الى صومال أخرى اذا لم يتم وضع حد لمثل هذه الممارسات الخطيرة التي تتهدد السلم الاجتماعي في البلد. هناك فرق شاسع بين حامي حمى البلاد، وبين حامي القتلة. أحداث صعدة لم تنتهِ بعد، ويجب أن تعمل الدولة على عدم تكرارها في محافظات أخرى، كون الخاسر الوحيد فيها هو اليمن. جثة الحامدي لاتزال قالب ثلج داخل ثلاجة للموتى، ويجب أن تظل كذلك حتى يتم تقديم المتهمين -كل المتهمين- الى العدالة، لينال كل منهم جزاءه العادل، سلباً كان أو إيجاباً. ذلك فقط، اذا أرادت السلطة أن تثبت عكس حقيقة أن المواطنة متفاوتة الدرجات.. وأشياء عدة أخرى. [email protected] الصورة عن الشورى نت