رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجموعة الازمات الدولية : اليمن تتجه نحو حرب طويلة الامد بالوكالة
نشر في الوحدوي يوم 07 - 04 - 2015

اكد التقرير الأخير ل"مجموعة الأزمات الدولية" توجه اليمن نحو حرب طويلة بالوكالة وعلى جبهات متعددة وتقسيم واسع النطاق ما لم يتم التوصّل إلى صيغة قابلة للحياة للخروج من هذا المأزق.
وقال التقرير ان تصاعد الخصومة بين إيران والسعودية جعل جميع الأطراف اليمنية تُحجِم عن تقديم التنازلات للتوصل إلى تسوية، والمزاج الإقليمي ينبغي أن يعطي هذه الأطراف حوافز لضبط النفس
واضاف: بتحريض من السعودية وإيران، قد لا يتمكن اليمنيون من تفادي حرب طويلة، ولتفادي ذلك يجب تراجع الخليج عن المسار العسكري
وقال التقرير لم تفرز الحروب الطائفية، المفروضة بالوكالة، الكثير من المنتصرين، ويُمكن للسعودية أن تُساعد على التسوية بتشجيع هادي على قبول قيادة جماعية لليمن.
وحذر التقرير من امكانية توسع شقة النزاع داخل المعسكر الواسع المعادي للحوثيين وأن يفاقم من الانقسامات، سواء بين الشمال والجنوب أو داخل الجنوب نفسه، مع تداعيات خطيرة على وحدة البلاد.
واوضح التقرير انه إذا تمكّنت الأطراف من تسوية قضية الرئاسة ووقف التصعيد، يمكن أن ينتقل اليمنيون عندها إلى التفاوض على العناصر المحورية في العملية الانتقالية والمتمثلة في المزيد من التفاصيل حول تقاسم السلطة في مرحلة ما قبل الانتخابات
واكد التقرير ان التقدّم الذي تم إحرازه في المفاوضات يشير إلى إمكانية وجود حلول سلمية معقولة، لكن حتى الآن يبدو أن اليمنيين وداعميهم يفضّلون الحرب.
وتطرق التقرير الى وجود توتّرات تهدّد بتقويض زواج المصلحة الذي عُقد مؤخراً بين الحوثيين والرئيس السابق صالح، الذي يحاول العودة إلى المسرح السياسي من خلال حزبه، وربما من خلال ابنه أحمد، موضحا ان صالح والحوثي خاضا 6 حروب ولا يثق أي منهما بالآخر، ويتنافسان على الهيمنة السياسية، خصوصاً في المرتفعات القبلية الشمالية وداخل الجيش
وحذر التقرير من سهولة وصول الأموال التي توزَّع على القبائل إلى المجموعات المتطرفة التي قد تستفيد من فرصة تجنيد المزيد من المقاتلين التي توفرها الحرب والفوضى
"الوحدوي نت " ينشرنص التقرير:
اليمن في حالة حرب
نظرة عامة:
اليمن منقسم الآن بين الحركة الحوثية، التي تسيطر على الشمال وتتقدم بسرعة نحو الجنوب، والتحالف المعادي للحوثيين والمدعوم من التحالف الذي يحشده الرئيس عبد ربه منصور هادي، والمدعوم من الغرب ومن مجلس التعاون الخليجي. في 25 آذار مارس، استولى الحوثيون على قاعدة عسكرية استراتيجية شمال مدينة عدن الساحلية، وأخذوا وزير الدفاع رهينة. في ذلك المساء، شنّت السعودية حملة عسكرية بالتنسيق مع تسعة بلدان معظمها عربية، لوقف التقدم الحوثي واستعادة حكومة هادي. هادي، من جهته، غادر إلى الرياض، وتوجه لحضور القمة العربية في 28 آذار مارس. لا يبدو أن هناك طرفاً رئيسياً يريد فعلاً أن يوقف ما يهدّد بأن يتحوّل إلى حرب إقليمية. إن الفرصة الضئيلة لإنقاذ العملية السياسية تتطلب أن يوقف اللاعبون الإقليميون فوراً العمل العسكري، وأن يساعدوا الأطراف المحليّة على التوصل إلى اتفاق على رئيس أو مجلس رئاسي مقبول. عندها فقط يمكن لليمنيين العودة إلى طاولة المفاوضات السياسية لمعالجة القضايا العالقة الأخرى.
عملية الانتقال السياسي، التي تعتريها المشاكل منذ بعض الوقت، بدأت بالتداعي في أيلول سبتمبر 2014، عندما استولى المقاتلون الحوثيون على صنعاء وأطاحوا بالحكومة الانتقالية التي لا تحظى بالشعبية. رغم أنه تم التوصل بسرعة إلى اتفاق سلام، فلا الرئيس هادي، ولا الحوثيون (وهم مجموعة ذات أغلبية شيعية/زيدية، تُعرَف أيضاً بأنصار الله)، التزما بالاتفاق. في كانون الثاني يناير، دفع الصراع حول مسودة الدستور الحوثيين إلى تعزيز سيطرتهم في العاصمة؛ ما سرّ ع في استقالة رئيس الوزراء والرئيس في 22 كانون الثاني يناير، ومن ثم هرب الرئيس إلى عدن.
إن الانقسام بين هادي والحوثيين هو الأكثر قابلية للانفجار؛ لكنه ليس الصراع الوحيد. ثمة توتّرات تهدّد أيضاً بتقويض زواج المصلحة الذي عُقد مؤخراً بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي استغل، بعد الإطاحة به في عام 2011، الاستياء الشعبي، وتحالف ضمناً مع الحوثيين ضد أعدائهما المشتركين لضمان عودته إلى المسرح السياسي من خلال حزبه، المؤتمر الشعبي العام، وربما من خلال ابنه، أحمد علي عبد الله صالح. وكذا الانقسامات في الجنوب، والذي كان دولة مستقلة قبل توحيده مع الشمال عام 1990، تتفشى فيه الصراعات ايضاً. فالانفصاليون الجنوبيون منقسمون داخلياً ويتشككون في هادي، وهو جنوبي يدعم استمرار الوحدة مع الشمال. ثم هناك تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية الناشئ، وكلاهما مصمّمان على محاربة الحوثيين واستغلال انهيار الدولة للاستيلاء على الأرض.
طغى هذا المزيج الانفجاري على المفاوضات الجارية في صنعاء بقيادة الأمم المتحدة؛ المفاوضات التي تُشكّل الإرث الذي تبقى من مبادرة مجلس التعاون الخليجي عام 2011 وآلياتها التنفيذية. في البداية، كانت العملية السياسية واعدة؛ فقد أزاحت صالح ويسّرت عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي دام عشرة أشهر، والذي توصّل إلى مخرجات بناءة حول المستقبل السياسي. لكن بعد ثلاث سنوات، لم يعد لدى الأطراف ثقة كبيرة بأن المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة ستتمكن بمفردها من تجاوز المأزق والتوصل إلى تسوية دائمة.
كما فقدت بلدان مجلس التعاون الخليجي ثقتها أيضا وباتت ملتزمة بشكل متزايد باسترجاع المكاسب التي حققها الحوثيون بأي ثمن. السعودية تعتبر الحوثيين وكلاء للإيرانيين؛ وهو موقف يدفع الحوثيين إلى التقارب أكثر مع إيران. رمى السعوديين بثقلهم خلف هادي فنقلوا سفارتهم إلى عدن، وبدؤوا يموّلون حشداً قبلياً معادياً للحوثيين في محافظة مأرب وسط البلاد، وفي الجنوب. وقادوا الجهود الرامية إلى عزل الحوثيين دبلوماسياً وخنقهم اقتصادياً، وفي النهاية إضعافهم عسكرياً. في المقابل، فإن الحوثيين ينددون بهادي على أنه غير شرعي وعرضوا 100,000 دولار مقابل اعتقاله. أجروا مناورات عسكرية على الحدود السعودية، ومن المرجح أن يتصلّبوا في مواقفهم رداً على التدخل العسكري السعودي. إنهم أقل اعتماداً على طهران من اعتماد هادي وحلفائه على الرياض؛ إلا أن المسار المستقبلي للأحداث، كما يبدو اليوم، يوضح أن اكتفاءهم الذاتي النسبي لن يستمر طويلاً. لقد بدؤوا فعلاً بتوسّل الدعم المالي والسياسي الإيراني.
يمتلك مجلس التعاون الخليجي، أكثر من الأطراف الأخرى، النفوذ المالي والعلاقات التاريخية مع الأطراف اليمنية التي تمكّنه من دفعها إلى تسوية؛ إلا أنه يصعّد من ضغوطه في الوقت الذي ينزع فيه صمام الأمان. في آذار مارس، عندما طلب هادي من الرياض استضافة المفاوضات التي يتوسط في عقدها مجلس التعاون الخليجي، قبلت ووضعت شروطاً مسبقة مستحيلة على الحوثيين: الاعتراف بهادي كرئيس، وأن يسحبوا جميع مقاتليهم من صنعاء. الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، والذي يحمّله السعوديون مسؤولية جزئية عن التقدّم الذي حققه الحوثيون، يرفضون نقل المفاوضات من صنعاء، ويصرّون على استمرار الأمم المتحدة بالتوسط فيها هناك.
بتحريض من القوتين الإقليميتين السعودية وإيران، قد لا يتمكن اليمنيون من تفادي حرب طويلة. الأمر الوحيد الذي يمكّنهم من تفاديها هو تراجع مجلس التعاون الخليجي عن المسار العسكري وتوحيد جهوده الدبلوماسية مع الأمم المتحدة، التي لا تزال تتمتع بدور حاسم في تيسير التوصل إلى تسوية. سيكون من المثالي أن يدين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التدخل العسكري الإقليمي في اليمن، وفي الحد الأدنى ينبغي أن يمتنع عن المصادقة عليه أو تشجيعه.
ينبغي أن تكون الأولوية القصوى والفورية التوصّل إلى وقف إطلاق نار يتوسط فيه ويراقبه مجلس الأمن، تتبعه مفاوضات تقودها الأمم المتحدة بدعم من مجلس التعاون الخليجي، دون شروط مسبقة، تركّز على الرئاسة وتؤجّل مواضيع تقاسم السلطة الأخرى حتى يتم التوصل إلى اتفاق أساسي على رئيس واحد له نائب أو عدة نواب، أو على مجلس رئاسي. إن الاتفاق على السلطة التنفيذية سيساعد في إجراء المزيد من المفاوضات حول النواحي الأخرى لتقاسم السلطة في الحكومة والجيش قبل الانتخابات، وعلى هيكلية الدولة، خصوصاً مستقبل الجنوب؛ حيث تتنامى العواطف الانفصالية. كلتا القضيتين شكّلتا أسباباً جوهرية للصراع منذ انتهى مؤتمر الحوار الوطني في كانون الثاني يناير 2014. دون الحد الأدنى من الإجماع داخل حدود اليمن وما وراءها، فإن البلاد في طريقها إلى عنف سيدوم لفترة طويلة وعلى جبهات متعددة. هذا المزيج من الحروب بالوكالة، العنف الطائفي وانهيار الدولة وحكم الميليشيات، أصبح للأسف أمرا مألوفا في المنطقة. من المرجح ألا ينتصر أحد في مثل هذه المعركة، التي ستعود بالفائدة فقط على أولئك الذين تزدهر أعمالهم في فوضى الحروب، مثل القاعدة وتنظيم الدولة. إلا أن من المؤكد أن ذلك سيتسبب بمعاناة إنسانية كبيرة. ثمة بديل لذلك، لكن فقط إذا اختار اليمنيون وجيرانهم تبنّيه.

المشهد السياسي الجديد

تَعِدُ التطورات الأخيرة بأن تحمل على الأقل نفس القدر من التحوّلات التي حملتها انتفاضة عام 2011. السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الانتقالية كانت موجّهة بخارطة سياسية تمت صياغتها من خلال مبادرة مجلس التعاون الخليجي (1). بالتفاوض على استقالة الرئيس علي عبد الله صالح، جنّبت المبادرة وقوع اليمن في حرب أهلية؛ إلا أن العوامل الكامنة التي أدت إلى اندلاع الاضطرابات الخصومة والتنافس داخل النخبة الحاكمة، والفساد والتردّي الاقتصادي، لم تتم معالجتها. بدلاً من ذلك، تصارع القادة الجدد على السيطرة السياسية والمغانم؛ بينما رأى اليمنيون العاديون ظروفهم الاقتصادية والأمنية تتدهور. أصبحت المرحلة الانتقالية مرحلة انتقالية بالاسم فقط؛ ما دفع الجميع تقريباً إلى الإحباط.
وفر مؤتمر الحوار الوطني بعض الأمل لبعض الوقت. نظراً إلى أنه جمع معاً أطرافاً من مشارب مختلفة، خرج بمبادئ لدستور جديد. رغم ذلك، فإن مخرجاته الغامضة في معظمها فشلت في التوصل إلى إجماع حول ترتيبات تقاسم السلطة قبل الانتخابات، أو على القضية الإشكالية المتمثلة في بنية الدولة، خصوصاً مستقبل الجنوب؛ حيث إن الرغبة بالاستقلال هي الشعور السائد والمتزايد (2).
مع تنامي الإحباط من العملية الانتقالية، استغل الحوثيون حالة الضعف في مركز الدولة (3). وسّعوا سيطرتهم على الأرض، قبل مؤتمر الحوار الوطني وبعده، وتحركوا جنوباً من معاقلهم في صعدة وشمال عمران نحو صنعاء. في أيلول سبتمبر 2014، استولى مقاتلوهم بسهولة على العاصمة، من خلال ركوبهم موجة الغضب على الحكومة وقرارها غير الشعبي قبل شهرين برفع الدعم عن أسعار الوقود. العامل الذي لا يقل أهمية في تقدّم الحوثيين كان الدعم الضمني الذي قدّمه حلفاء صالح السياسيون (4). عندما دخل الحوثيون صنعاء، وُفِّر الدعم لهم من قِبَل عدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي كان جزء منها غير متعاطف مع الرئيس السابق وجميعها محبطة من هادي والمرحلة الانتقالية، أو امتنعوا عن القتال. بالنظر إلى تلك المرحلة من منظور الحاضر، يمكن رؤية أن استيلاء الحركة على العاصمة، في أيلول سبتمبر، أحدث تغيّراً كبيراً في توازن القوى وشكّل بداية النهاية للمرحلة الانتقالية المضطربة. لم يكن ذلك واضحاً في البداية؛ حيث قدّم اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذي وُقع بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء بوقت قصير، فرصة لتوضيح وتحسين مخرجات مؤتمر الحوار الوطني (5). لكن هُدِرت تلك الفرصة؛ حيث أنه لا الحوثيون ولا هادي نفذوا الاتفاق بشكل كامل (6).
بحلول كانون الثاني يناير 2015، دفعت جولة جديدة من المواجهات حول مسودة الدستور الحوثيين إلى الإحاطة بالقصر الرئاسي، وتعزيز سيطرتهم على العاصمة ووضع هادي وحكومته تحت الإقامة الجبرية. وبدلاً من قبول إملاءات الحوثيين، استقال الرئيس ورئيس الوزراء في 22 كانون الثاني يناير. ترنّحت المفاوضات التي كانت تقودها الامم المتحدة لملء فراغ السلطة، وتحرّك الحوثيون بشكل أحادي في 6 شباط فبراير، وأصدروا "إعلاناً دستورياً" أسس "مجلساً ثورياً"، و"مجلساً أعلى للأمن" وهيئات أخرى مرتبطة بها؛ في انتهاك واضح للدستور (7).
أدّى هذا التوسّع إلى استقطاب المقاومة لنفوذ الحوثيين. بوجودهم في المعارضة، تمتع الحوثيون بدعم كبير من أجزاء واسعة من الطيف السياسي؛ بشكل أساسي لأنهم أبرزوا نواقص العملية الانتقالية بشكل صارخ. إلا أن الخطوات التي اتّخذوها في كانون الثاني يناير اعتُبرت على نطاق واسع، داخليا ودولياً، استيلاءً على السلطة.
جميع الأحزاب السياسية، بما فيها المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح، رفضت مباشرة "الإعلان الدستوري". ونظم خصوم الحوثيين مظاهرات في صنعاء وإب وتعز. وأعلنت عدة محافظات في جنوب ووسط اليمن، بما في ذلك عدن وتعز، بأنها لن تتلقى المزيد من الأوامر من صنعاء بعد سيطرة الحوثيين عليها. كما تفاعل الداعمون الدوليون للمرحلة الانتقالية بسرعة. نظراً لما وصفته بالمخاوف الأمنية، علّقت السفارة الأمريكية عملياتها وأخلت موظفيها، في 15 شباط فبراير. وتبعها في ذلك الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة.
في 21 شباط فبراير، تمكّن الرئيس هادي من كسر إقامته الجبرية وهرب إلى عدن؛ حيث أصدر بياناً يستعيد فيه سلطته كرئيس ويتّهم الحوثيين بالانقلاب. وبدأ بتشكيل تحالف معادٍ للحوثيين، يضم شرائح من الحراك الجنوبي الذي يطالب بدرجة أكبر من الحكم الذاتي للجنوب أو الاستقلال، واللجان الشعبية من محافظة أبين مسقط رأسه، أيضاً في الجنوب، ورجال القبائل وقادة سياسيين آخرين معظمهم من الجنوب والمناطق الشافعية/ السنية تاريخياً في شمال اليمن. وهكذا انقسم اليمن بين الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، وتحالف هادي المعادي للحوثيين في عدن. غير أن الانقسام بين الحوثيين وهادي ما هو إلا جزء من خارطة صراع معقدة. لقد تعاون الحوثيون مع المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح ضد هادي وخصوم آخرين. إلا أن ثمة تاريخاً من التوتر بين صالح والحوثيين؛ حيث تقاتلا في ست حروب (8). لا يثق أي منهما بالآخر؛ رغم تعاونهما في الفترة الأخيرة، فإنهما يتنافسان على الهيمنة السياسية، خصوصاً في المرتفعات القبلية الشمالية وداخل الجيش. كما أن الكتلة المعادية للحوثيين منقسمة داخلياً. إنها تضم دعاة متحمسين للوحدة، خصوصاً في الشمال، إضافة إلى الحراك، الملتزم في أغلبيته بانفصال الجنوب. الدعم الذي يحظى به هادي داخل هذه المجموعة ضعيف في أفضل الأحوال. الانفصاليون الجنوبيون يعارضون موقفه الداعم للوحدة؛ بينما بعض دعاة الوحدة يشكّون في أنه يحمل أجندة انفصالية خفية (9). في الجنوب، يتّهمه منتقدوه بالوقوف مع أبين ومحافظة شبوة المجاورة، ضد خصومهما التقليديين في لحج والضالع (10). بعد قضائه ثلاث سنوات غير ناجحة في منصبه، فإن معظم المجموعات تعتبره ضعيفاً وغير فعّال. إن دعمها له قائم على ما يعارضه وليس على ما يمثّله. إضافة إلى ذلك، هناك تنظيم القاعدة وربما تنظيم الدولة الناشئ، الذي أعلن عن وجوده في تشرين الثاني نوفمبر 2014، وأعلن مسؤوليته عن هجمات 20 آذار مارس التي أدت إلى مقتل أكثر من 140 مصليا في جوامع زيدية في صنعاء. كلتا المجموعتين الجهاديتين ملتزمتان ليس فقط بقتل الحوثيين، الذين تعتبرانهم كفاراً شيعة، بل أيضاً بمهاجمة الدولة والاستيلاء على الأرض. يُذكر أن "القاعدة" تتوسع خصوصاً في الجنوب، مستفيدة من انهيار الدولة والمشاعر المعادية للحوثيين.
هذا التقاطع بين الانقسامات الجغرافية والدينية، خصوصاً هيمنة الزيديين (الشيعة) في المرتفعات الشمالية والشافعيين (السنة)، في الأجزاء الجنوبية والوسطى من البلاد، يعقد ويفاقم من حدة الصراع. المقاومة ضد الحوثيين في أقوى حالاتها في المناطق الشافعية، بما في ذلك الأجزاء الجنوبية والوسطى من شمال اليمن، وفي اليمن الجنوبي السابق (11). يستحضر اليمنيون من المناطق الشافعية بشكل متكرر هذا الانقسام التاريخي، ويقولون إن هذه المناطق أقل قبولاً بالنفوذ الحوثي وستقاوم توسّعهم بشدة (12). علاوة على ذلك، فإن خطاباً سنياً شيعياً كان غائباً في الماضي بدأ بالتسلل إلى الطريقة التي يصف بها اليمنيون معركتهم. الاختلافات بين الزيديين والشافعيين أقل وضوحاً من تلك القائمة بين الشيعة والسنة في أجزاء أخرى من المنطقة؛ إلا أن التاريخ الطويل للتعايش بينهما بدأ بالتداعي. يصوِّر الحوثيون وخصومهم السياسيون، خصوصاً حزب الإصلاح الإسلامي السني، بعضهم بعضاً أحياناً بلغة طائفية قاسية. خصوم الحوثيين يشيرون إليهم، بشكل خاطئ، على أنهم اثناعشريون (الفرع الأكبر للشيعة، بما في ذلك شيعة إيران). ويشير الحوثيون، في كثير من الأحيان، إلى أعدائهم بشكل واسع على أنهم تكفيريون (المسلمون الذين يتّهمون مسلمين آخرين بالكفر)، ويضعون بذلك الإصلاح، الذي يضم الفرع اليمني للإخوان المسلمين، و"القاعدة"، وتنظيم الدولة، في سلة واحدة. بالنظر إلى وجود هذا الخطاب، من غير المفاجئ أن وسائل الإعلام اليمنية والإقليمية، وأيضاً الدولية، تختزل بشكل مضلل صراعاً معقداً إلى صراع بين مليشيا شيعية مدعومة من إيران (الحوثيين) وسنّة مدعومين من السعودية (الإصلاح والآخرين).
قد يكون وضع الصراع في إطار إقليمي هو أخطر التطورات التي حدثت خلال الأشهر الستة الماضية. لقد تلقى خصوم الحوثيين دعما ماليا سعودياً، ودعما دبلوماسياً. كما يُذكَر أنهم تلقوا مساعدة عسكرية (وقبل التدخل العسكري بكثير)؛ حيث يقال إن الرياض تموّل حشداً من القبائل في الشمال، خصوصاً في مأرب، وأيضاً في الجنوب، من خلال اللجان الشعبية. أوقف السعوديون التمويل المباشر للحكومة اليمنية بعد استيلاء الحوثيين في أيلول سبتمبر، وصعّدوا موقفهم الآن من خلال الضربات العسكرية (13). يمكن للأموال التي توزَّع على القبائل أن تجد طريقها بسهولة إلى المجموعات المتطرفة من خلال التحالفات التكتيكية. كما أن هذه المجموعات المتطرفة قد تستفيد من فرصة تجنيد المزيد من المقاتلين التي توفرها الحرب والفوضى. وهذا بدوره يمكن أن يوسّع شقة النزاع داخل المعسكر الواسع المعادي للحوثيين وأن يفاقم من الانقسامات، سواء بين الشمال والجنوب أو داخل الجنوب نفسه، مع تداعيات خطيرة على وحدة البلاد. لقد دخلت إيران صراحة هذا المعترك، وتعهدت بتقديم الدعم الاقتصادي للحوثيين في صنعاء وبدعم وحدة البلاد، التي يفسّرها خصومها بأنها تعني الهيمنة الحوثية (14).

عملية تفاوضية محاصَرة

يتجه اليمن نحو حرب طويلة وتقسيم واسع النطاق ما لم يتم التوصّل إلى صيغة قابلة للحياة للخروج من هذا المأزق. العملية السياسية، وبالطريقة التي تم تصوّرها، ورغم أنها أنتجت اتفاقا حول بعض القضايا الأساسية، فإنها أثبتت عدم قدرتها، على الأقل بمفردها، على وقف العنف. المفاوضات التي قادتها الأمم المتحدة كانت موضع نزاع سياسي، حالها كحال العملية الانتقالية التي صُمِّمت المفاوضات أصلاً لإدارتها. بعد ثلاث سنوات، يمكن لجميع الأطراف الإشارة إلى حالات تم فيها التلاعب بالعملية، وحالات كانت الاتفاقيات تُنفذ بشكل غير مُنصِف والالتزامات تنفذ بشكل غير كافٍ، ولهذه الإشارات ما يبررها. بمرور الوقت، تلاشت الثقة، حتى مع بقاء الأمم المتحدة الوسيط الأساسي في أي اتفاق تسوية نهائي يمكن التوصل إليه.
كانت الجولة الأخيرة التي عُقدت في صنعاء، والتي بدأت بعد استقالة الرئيس ورئيس الوزراء، في كانون الثاني يناير، مصمَّمة لملء الفراغ الذي تركه رحيلهما، من خلال ترتيب مقبول على نطاق واسع لتقاسم السلطة قبل الانتخابات بشكل يسمح بالعودة إلى خارطة طريق العملية الانتقالية التي تمخَّض عنها مؤتمر الحوار الوطني (15). حققت الجولة بعض التقدّم، بما في ذلك التوصل إلى اتفاق على تشكيل المجلس الوطني الذي يتكون من غرفتين: غرفة عليا تتكون من البرلمان الحالي، الذي يتمتع فيه حزب المؤتمر الشعبي العام بأغلبية، وغرفة دنيا تضمّ جميع مكوّنات مؤتمر الحوار الوطني، بما في ذلك الحوثيون، والحراك، والشباب، والمرأة، والمجموعات الأخرى. كما أن ثمة اتفاقا على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ جميع الأحزاب الرئيسية يشارك فيها الحوثيون، رغم عدم تسوية التفاصيل.
تشكّل الرئاسة التحدي الرئيسي. ثمة اتفاق واسع على هيئة جماعية، يتم تشكيلها إما بتعيين نواب لهادي أو باختيار مجلس رئاسي يمكن أن يكون أو لا يكون هادي عضواً فيه. بدت معظم الأطراف قريبة من الاتفاق على المجلس، رغم أن عدد الأعضاء وأسماءهم لم يتم الاتفاق عليه عندما هرب هادي إلى عدن وسحب استقالته. بعد ضمان دعم السعودية، رفض هادي التسوية.
في حين حقق المفاوضون بعض التقدّم، فإن كامل الطيف السياسي فقد فعلياً الثقة بقدرتهم على التوصل إلى اتفاق عادل ودائم. ومن أجل تجنّب الظهور بمظهر من أفسد الاتفاق، فإن الأحزاب الرئيسية انخرطت في العملية، لكنها ظلت تسعى في الوقت نفسه لتحقيق أهداف أخرى، بما في ذلك بالقوة. بالنسبة للبعض، فإن التشكّك بالعملية قديم. منذ بداية المرحلة الانتقالية، كان المؤتمر الشعبي العام بزعامة صالح يؤمن بأنه عومل بشكل غير منصف بسبب الوضع البارز الذي كان يتمتع به في النظام القديم (16). رُفضت العملية الانتقالية بشكل كامل من قبل شرائح واسعة من الحراك، الذي رفض إرسال ممثليه إلى مؤتمر الحوار الوطني.
اليوم، تَوسَّع نطاق المتشككين ليشمل تقريباً كل المجموعات السياسية: المؤتمر الشعبي العام، والإصلاح، والحوثيين، والحراك، وأنصار هادي، ونشطاء الشباب، وآخرين. يعتقد حزب الإصلاح بأن الحوثيين شاركوا معهم في المفاوضات التي قادتها الأمم المتحدة، فقط لكسب الوقت والسيطرة على صنعاء. هم وآخرون يعتبرون أن اتفاق السلم والشراكة الوطنية (21 أيلول سبتمبر 2014) لم يفعل الكثير سوى إسباغ الشرعية على استيلاء الحوثيين على العاصمة (17). ويزعم الحوثيون أن "الإعلان الدستوري"، الذي أصدروه في 6 شباط فبراير، كان في جزء منه رداً على العملية التفاوضية الزائفة التي صُمِّمت لتمديد الأزمة وليس لتسويتها، وضمان استمرار الشلل السياسي وما يرافقه من أزمات اقتصادية وأمنية كانوا هم، بوصفهم القوة الموجودة على الأرض بحكم الأمر الواقع، سيحمَّلون مسؤوليتها (18).
لقد أضعفت الأمم المتحدة موقفها؛ إذ لم يعد لديها، هذا إذا كان لديها أصلاً، نفوذ كافٍ لتشجيع أو إنفاذ الاتفاقيات. وقد كان قرار مجلس الأمن الذي اتُّخذ في توقيت سيء، في كانون الثاني يناير 2015، بفرض العقوبات على اثنين من القادة العسكريين للحوثيين وصالح، بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، مُكلفاً على نحو خاص. نظراً لأن العقوبات فرِضت بعد أن كان الدعم للعملية الانتقالية قد تلاشى أصلاً، فإنها تعرّضت للانتقادات المحلية، بين أسباب أخرى لتأخرها ولتركيزها بشكل ضيق على مجموعة واحدة من مفسدي الاتفاق. واعتبرها الحوثيون وسام شرف؛ حيث إنهم أصلاً لم يتأثروا لا بحظر السفر الذي فرضته الأمم المتحدة ولا بتجميد الأصول. ولم تُحدِث العقوبات أي أثر على شعبية صالح المحلية، التي تتنامى في بعض الدوائر، خصوصاً في أوساط المؤتمر الشعبي العام وأولئك الذين يريدون العودة إلى الأمن النسبي الذي كان متحققاً في ظل حكمه.
الولايات المتحدة ضَيَّق من رؤيتها تركيزها على أولويات مكافحة الإرهاب. نظراً لشعورها بالرضا عن تعاون هادي في هذا المجال، فإنها والحكومات الغربية الأخرى فشلت في الضغط عليه بشكل كافٍ للمضي قدماً في الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار الوطني. كان يمكن لإشراك مجموعات أخرى في الحكومة أو تنفيذ إجراءات مكافحة الفساد أن تقلّص جاذبية الحوثيين وتفرغ الكثير من شعاراتهم من محتواها وتعزّز العملية السياسية. العامل الأكثر تسببا بالضرر هو أن أولئك الذين يتمتعون بالنفوذ الأكبر، السعوديين والإيرانيين بشكل خاص، يتّخذون خطوات لتقويض المفاوضات. إن ما يبدو من دعمهما غير المشروط على التوالي لتحالفي هادي والحوثيين، إضافة إلى ما يبدو من معارضتهما لأية تسوية، يؤدي إلى تصلّب مواقف المعسكرين الرئيسيين.
مع توجّه هادي إلى القمة العربية، ووسط المناظرات القائمة بين المتحدثين باسم الحوثيين والمتحدثين باسم هادي حول المساحات التي سيطر عليها الحوثيون في عدن، فإن وضع المفاوضات يشوبه عدم الوضوح مثلما هي الوقائع على الأرض. ما إن تم الإعلان عن جولة جديدة من المفاوضات في الدوحة، حتى أعلن وزير خارجية هادي أنه لن يكون هناك المزيد من الحوار في ضوء اندفاعة الحوثيين نحو الجنوب، ودعا إلى تدخل عسكري من قبل مجلس التعاون الخليجي. الآن مع لجوء الرياض للقوة بالتنسيق مع مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن، والمغرب، فإن المساحة المتاحة للتفاوض ضيقة؛ ولكن ثمة حاجة ملحّة للاستفادة منها. قد تكون عُمان، البلد الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يؤيّد علناً العمل العسكري، قناة مفيدة يمكن أن تُستخدم لوقف التصعيد.

الخلاصة

لم ينزلق اليمن بعد إلى الطائفية والعنف الكاسح بين مكوناته الذي نشهده في سورية أو العراق. رغم تشكّك جميع الأطراف بالمفاوضات الجارية، إلا أن مشاركتها الطويلة فيها تدفع إلى الاعتقاد أن بوسعها العودة إلى الطاولة إذا تم العثور على الصيغة الصحيحة. إلا أن الأوضاع تزداد سوءاً وبسرعة؛ حيث انتشر القتال إلى المزيد من المناطق، ويفاقم التدخل الخارجي من احتمال استمرار العنف لفترة طويلة. ما لم يتم وقف هذا التدهور، من المرجح أن تكون النتيجة حربا شبيهة بتلك التي تمزّق بلداناً عربية أخرى.
لا يتدفق المد الإقليمي بالطبع في اتجاه يبعث على التفاؤل. لقد جعلت الاضطرابات التي سادت العالم العربي، في أعقاب الربيع العربي، وتصاعد الخصومة بين إيران والسعودية، جميع الأطراف تُحجِم عن تقديم التنازلات للتوصل إلى تسوية. إن التحدي الماثل أمام المفاوضين اليمنيين يتمثل في العثور على مسار لوقف التصعيد، رغم اندلاع القتال في أماكن أخرى. إلا أن المزاج الإقليمي ينبغي أن يعطي الأطراف، خصوصا الأطراف المحلية، التي ستكون الخاسر الأكبر، حوافز لضبط النفس. لم تفرز الحروب الطائفية المفروضة بالوكالة الكثير من المنتصرين. إن اتفاقاً للتسوية السياسية سيكون أقل كلفة في تحقيق أهداف معقولة.
مثالياً، يمكن لوقف التصعيد أن يحدث من خلال وقف إطلاق نار يتوسط فيه ويراقبه مجلس الأمن، ومن ثم تتم إعادة إحياء المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وبدعم من مجلس التعاون الخليجي، بهدف التوصل أولاً إلى تسوية القضية الأكثر محورية، والمتمثلة في السلطة التنفيذية. يمكن لمجلس التعاون الخليجي، وخصوصا السعودية، أن يساعد في تسوية هذه القضية بتشجيع هادي على قبول قيادة جماعية، بالحد الأدنى، أو الأفضل من ذلك أن يستقيل كجزء من اتفاق مقبول على نطاق واسع لإقامة سلطة تنفيذية؛ وذلك من أجل الانطلاق في بداية جديدة. يمكن لعُمان، التي لم تتخذ موقفا علنيا إلى جانب أي من الطرفين، أن تكون مكانا محتملاً لهذه المفاوضات أو أن تقوم بإدارتها بهدوء. إذا تمكّنت الأطراف من تسوية قضية الرئاسة ووقف التصعيد، يمكن أن ينتقل اليمنيون عندها إلى التفاوض على العناصر المحورية في العملية الانتقالية، والمتمثلة في المزيد من التفاصيل حول تقاسم السلطة في مرحلة ما قبل الانتخابات، ووضع إطار لمعالجة بنية الدولة. يشير التقدّم الذي تم إحرازه أصلاً في المفاوضات إلى إمكانية وجود حلول سلمية معقولة، لكن حتى الآن يبدو أن اليمنيين وداعميهم يفضّلون الحرب.

صنعاء - بروكسل، 27 آذار مارس 2015


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.