ما بين أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وحتى هذا التاريخ الذي يشهد على همجية العدو الصهيوني، وعلى التواطؤ الدولي والإقليمي بل والعربي. سيما الأنظمة التي رهنت شرفها، وكرامتها لإملاءات هذا العدو وارتهنت في قراراتها لسيدها المعتوه في البيت الأبيض. يعيش أكثر من ثلاثمائة وعشرون مليون عربي حقبة تاريخية هي الأكثر دموية ووحشية والأكثر تأمراً وخسة، وذل ومهانة . تعرت من خلالها الأمة للكون لدرجة تعذر فيها على ورقة التوت أن تستمر في ستر ما تبقى من عورتها سيما وهي تشاهد تباعاً سقوط الشرف العربي والكرامة العربية في أكثر من وحل، وأكثر من مستنقع. اليوم نجد ذاكرة التاريخ، وهي بصدد تدوين ما يجري في غزة من قتل وسحل وتنكيل ودمار وما يحاك ضد أهلها ومقاومتها من مؤامرات دولية وعربية تستهدف وجودهم. نجدها وكأنها مضطرة للعودة إلى ما هو أبعد بكثير من هذا التاريخ إلى الحقبة التي اسقط فيها هولاكو أكثر من أمارة اسلامية وهو في طريقه من وسط آسيا إلى بغداد . عودة الذاكرة إلى هذه المحطات. تسهل على المتتبع للأحداث في غزة أو لإحداث حرب تموز 2006م قراءة السيناريو الذي لا يختلف في تفاصيله عن تفاصيل تلك الغزوات من حيث الواقع الجغرافي وشخوص العملاء والمأجورين سواء في الداخل الفلسطينيواللبناني أم في الساحة الإقليمية المهيأة في أجزاء منها للعمالة والارتزاق أكثر من أي وقت آخر، فالمخطط المعد لتفتيت هذه الأمة من قبل المخابرات الأمريكية والصهيونية بغية الانقضاض عليها وعلى مقدراتها. ما هو إلا نسخة طبق الأصل من مخطط هولاكو الذي أعده ، ونفذه قبل سبعة قرون ونصف من هذا التاريخ ، والذي استفاد منه الاستعمار الحديث عند غزوه للعراق قبل خمسة أعوام . إذ يعتمد هذا المخطط على استخدام الممرات العربية وتجنيد العملاء أياًُ كانت مراكزهم السياسية أو الدينية على المستويين الإقليمي والمحلي. كأدوات رخيصة وجسور مؤقتة يتم من خلالها العبور إلى الأهداف المرسومة دون مواجهة حقيقية أو خسائر تذكر، لقد تمكن هولاكو عند ذاك التاريخ من سبر أغوار أمراء العرب والمسلمين المتحكمين بالطرق المؤدية إلى محطات غزواته . إذ وجدهم مهيئين للخيانة والانحطاط والتخلي عن القيم والمثل والأخلاقيات ، مقابل إبقائهم في حكم تلك الإمارات واستمرارهم في تركيع رعيتهم وسلب أرزاقهم .مشهد طالما تكرر في تاريخ هذه الأمة وفي سلوكيات بعض زعمائها. إذ لم يكن لهولاكو أو بوش أو أولمر أن يمرغ كل واحد منهم الكرامة العربية في الوحل لو لا خنوع واستسلام بعض أمراء ، وحكام العرب ، الذين يهللون ويباركون دوماً لتلك الجحافل زحفها رغم إدراكهم عند كل زحف أنه يستهدف في الأساس شرفهم وكرامتهم ، وأعراضهم ، وثرواتهم. إلا أنهم برغم ذلك يتلهفون لحدوثه كونهم أدمنوا الذل والهوان لدرجة بحثهم بين فترة وأخرى عمن يدوس فوق رقابهم حتى لو تطلب منهم ذلك تمويل هذا الإذلال اقتطاعا من أقوات شعوبهم . الأمر الذي لا يجد المرء عنده صعوبة وهو يقارن بين سلوك الحاكم العربي قبل قرون من الزمن وسلوك بعض أحفاده في هذا الزمن الرديء الذي نعيشه من أن كلاهما تستهويه المؤامرات ، والتجرد من الأخلاقيات. كونهما رضعا من ثدي واحد... من الثدي الذي رضع منه إبن العلقم الوزير الأول في بلاط الخليفة العباسي(المستعصم بالله) الذي تواطأ مع هولاكو ، ومهد له الطريق لدخول بغداد آنذاك. اليوم نجد هؤلاء الأحفاد مازالوا على غيهم سيما وأنهم يدفعون بالمخططات الأمريكية والصهيونية إلى التنفيذ من خلال دفعهم لغزة ومقاومتها إلى المجهول.بعد أن حاولوا عبثاً في حرب تموز 2006م الدفع بلبنان ومقاومتها إلى أكثر من مجهول. لا لشيء إلا لكونهم استمرؤ الذل والهوان وارتضوا لأنفسهم باستمرار تقمص هذا الدور الحقير .إذ نجدهم اليوم أكثر نشاطاُ ، وأكثر جرئه ، وأكثر وضوح خاصة وهم يتآمرون على هذا الشعب الجائع والمنهك، الذي أعيته جميع السبل فلجأ إلى حفر الأنفاق عله يجد من خلالها ما يمكنه من الصمود أمام عدو جائر يستمد بقاءه وجبروته من بقاء النظام العربي المهترأ والمتآمر، ومن شلالات دماء ضحاياه التي لم تتوقف منذ ستون عاماً. من الواضح أن بعض الأنظمة العربية التي ثبت تآمرها على كل ما هو مقاوم سواء في لبنان أو في فلسطين لم تتعلم من دروس التاريخ . ربما كونها لا تقرأ بإمعان. أو أنها لا تقرأ بالمطلق ، فمصير شاه إيران الحليف الأول للولايات المتحدةالأمريكية في حقبة السبعينيات من القرن العشرين. ربما لا أحد يجهله على الإطلاق بما في ذلك هذه الأنظمة المرتدة نحو الرجعية والاستعمار حين تخلت عنه أمريكا في اللحظة الذي كان فيها يصارع الموت نتيجة المرض العضال . إذ رفضت السماح لطائرته بالهبوط على أراضيها لتلقي العلاج بعد أن كانت تغدق على مطاراتها بالسجاد الأحمر ليدوس عليه هذا الشاه. وأفراد عائلته، وحاشيته، وكل من كان يدور في فلكه. لم يتعلموا هؤلاء الحكام درساً من الماضي البعيد للمصير الذي آل إليه إبن العلقم الذي مات على فراشه موتة البعير بعد سقوط بغداد بشهرين فقط نتيجة الألم الذي أحدثه به أحد جنود هولاكو عندما أسقطه من على بغلته في أحد شوارع بغداد ، وهو الموعود من هولاكو بحكم العراق مقابل خيانته للخليفة، ولشعبه وأمته. الآن حانت اللحظة التي يجب أن يتنبه لها بعض حكام العرب المتآمرين على أمتهم، والذين تنساق أقدامهم بإدراك منهم أو دون إدراك إلى مقصلة العدو الصهيوني. من أن التآمر على غزة في هذه اللحظة، وفي هذا الوضع الحرج، وهذه المرحلة الخطيرة بالذات هو تآمر على مصير الأمة. إذ ما يحاك من مؤامرات على المقاومة العربية حالياً سواء في لبنان أم في غزة ما هي إلا حلقة أخيرة من حلقات ذلك المخطط الاستعماري الصهيوني والذي لن يفرق في الأخير بين معتدل ومتطرف. إذ ما يهم العدو من أحداث هذا المسلسل الدامي الذي لم تتوقف حلقاته منذُ ستة عقود بداً بمجزرة دير ياسين مررواً بالمجازر التي قضي فيها عشرات الآلاف من أخواننا المصريين الأسرى عقب نكسة 1967م، ومجازر "قانا" الأولى والثانية في لبنان وقبلها "صبرا، وشاتيلا" وصولاً إلى مجازر اليوم التي تجري في غزة على مسمع، ومرى من العالم ومن حكام العرب. مايهم هذا العدو وما يسعى إليه في كل حروبه، ومشانقه ومسالخه ومقاصله هو خيرات هذه الأرض من مياه وطاقة وأسواق أكثر من اهتمامه بأصناف العملاء وألوانهم، وحتى الأعمال القذرة التي يقدمونها له بين الحين والأخر. قرار المشاركة في الحصار والتجويع والإبادة الجماعية الحالية التي تجري في قطاع عزة، وصمة عارفي جبين الشعوب والأنظمة بما في ذلك الأنظمة الغربية التي طالما تشدقت بالديمقراطية وتغنت بحقوق الإنسان. مشهد القتل والترويع لأطفالنا في غزة، يعكس في حقيقة الأمر الوجه القبيح لكل نظام عربي تآمر على هذا القطاع، ويعجل بشهادة الوفاة لكل من شارك في هذه الجرائم الشنعاء واللأخلاقية.لقد سقطت الأقنعة بسقوط الشيوخ والأطفال والنساء، سقطت الأقنعة في ساحة نزال لا تكافؤ فيه بين من يمتلك رابع ترسانة نووية في العالم، ومن لا يملك قوت يومه. بين عدو يمد بكل وسائل التدمير لمحيطه بما في ذلك البترول العربي والغاز العربي المجاني وبين شعب محاصر حتى من أشقائه، سقطت الأقنعة العربية التي أخفت ومنذُ أربعة عقود وجوه هي غاية في البشاعة والقبح كان مقدراُ لها أن تسقط في حرب تموز 2006م إلا أنها استمرت على اهترائها لتسقط أخيرا على مذبح غزة أمام هول وفظاعة الإجرام الذي تقوم به إسرائيل التي أثبتت في هذه المذبحة، وفي كل مذابحها التي ارتكبتها منذ ستون عاماً أن لا علاقة لها بالطائفية والمذهبية ، حين أقدمت على جرائمها تلك قدر علاقتها بمصالحها واستمرار وجودها. إذ ما يدفعها لاعتداءاتها غير تحقيق إستراتيجيتها القائمة على ابتلاع الأرض وطمس هوية ساكنيها، سقطت الأقنعة هذه المرة كون الاصطفاف السياسي والاستراتيجي بات واضحا بين قوى تدور في فلك الاستعمار الأمريكي وقوى الممانعة التي مازالت تتشبث بالأرض وبالهوية، سقطت الأقنعة التي حالت ولعقود بين الحكام، وقراءة التاريخ. فهل آن لهؤلاء المتامرون الغوص في أعماق الماضي ليتيقنوا بأنفسهم أن اخر فصول مؤامراتهم قد شارف على الانتهاء وان موعد رحليهم بات قاب قوسين او أدنى . [email protected]