كتب /المحرر السياسي كان أول ظهور علني لعلي سالم البيض -بعد سنوات من الغياب- عقب حرب 94م حين احتفل بزواج إحدى بناته ثم عاد إلى الغياب كرة أخرى قبل أن يعيد اتصاله بالشيخ طارق الفضلي اسمه إلى واجهة الإعلام. حتى هذه اللحظة ما زال البيض أشبه بالإمام الغائب الذي تنتظر عودته مخلصا والفارق الوحيد أن الأول حي يرزق يجوب الدول بينما الثاني ما زال مخفيا في سرداب، موعد خروجه رهن مشيئة الرب لا البشر. حتى الآن كل ما ينشر منسوباً لعلي سالم البيض والذي بعضه مع الوحدة وآخر ضدها بما فيه اقتراب إعلانه لموقف سيقلب الطاولة على الجميع يعزى إلى مصدر مقرب من أسرته أو من مكتبه إلا أنه وفي نهاية المطاف يتبخر كل شيء على نار الانتظار فيما البيض نفسه يبدو مستمتعا يراقب ردود الأفعال دون بذل عناء في الرد على أي من المواقف رغم تناقضها وهو مايجعله بعيدا عن الخسارة بسبب موقف لم يقل إنه يصدر عنه، لذا فإن حدثت معجزة الانفصال ركب موجتها باعتباره زعيما سابقا للجنوب وإن ظل الأمر على حاله فهو بعيد عن أي مساءلة عن إساءة لكرم الضيافة في دول تعلن مساندتها للوحدة وإن في العلن. البيض لو كان ما زال يحمل مشروعا سياسيا لم يكن ليجد حاملا له أكثر من الحزب الاشتراكي الذي تخلى عنه رغم حرص قيادة هذا الحزب على إبقائه حاضرا فيه من خلال إبقائه في عضوية اللجنة المركزية رغم تركه للحزب يترنح بسبب سوء أوضاعه الاقتصادية، رافضا مد يد العون له رغم قدرته المالية وكون هذا الحزب هو سبب ما هو عليه من ثراء. قادة محترمون نذروا شبابهم وصحتهم وضحوا باستقرارهم حين أدارت لهم الدنيا ظهر المجن في سبيل حزبهم ومع ذلك حين وقعوا صرعى المرض وبؤس الحاجة لم تمتد لهم يد البيض مساعدة وحانية. كان البيض حاضرا في الذاكرة الشعبية على امتداد الوطن كقائد نزيه يحمل مشروعا وطنيا ومدنيا حتى الفرح الباذخ الذي أحياه في زواج ابنته وهو ما دعا أحد أولاده لإصدار بيان نشرته حينها عدن برس تبرأ فيه من حفل كهذا فيما الناس يعانون لتصبح كل قوة البيض اليوم متمثلة في أنه كان صاحب التوقيع الثاني على اتفاقية الوحدة وهو ما يعطيه حق التحدث لدى المجتمع الدولي في حالة ما تم التوافق على إعادة حوار يرتكز على أسس ما قبل 90م. ولهذا السبب وحده ترصد الأعين متى ستهتز شفتا الرجل بحثا عن كلمة يمكن أن تخرج معلنة عن موقف يتم الاستفادة منه أو البناء عليه فيما يخص الدعوة إلى الانفصال وهو ما لم يحدث حتى الآن. علي سالم اليوم غيره بالأمس حيث أصبح يحمل ذهنية تاجر أكثر منه سياسي ومن صفة الأول عدم الدخول في مغامرة غير محسوبة ولذا فإننا لن نسمع موقفا عنه إلا متى ما أصبحت عودته إلى الحياة السياسية تمثل خيارا دوليا مفروضا وفي هذه الحالة فإن ما هو على الأرض سيكون من السوء بحيث تكون وحدة اليمن قد وصلت إلى حالة من الخطر الحقيقي الذي يتوجب معه تدخل دولي يمنع من الانهيار وينقذ من التشظي وهو ما يجعل الكرة في مرمى السلطة التي يتوجب عليها أن تكون الحاضرة بقيم العدل وقيم المواطنة المتساوية. ما يجب أن نعترف به هو أن الأوضاع الحالية وإن عبرت عن تهدئة فإنها ليست دلالة استقرار بقدر ما هي دلالة على التيه الذي يقود إلى الخراب إذا لم يعد الغافلون داخل الأطراف جميعها إلى جادة الرشد. المحاولات التي تريد إعادة علي سالم البيض كرمز لحراك الانفصال رغم عدم إبانته لأي استجابة يمكن أن تساند الداعين له إلا باتصال يتيم للفضلي هنأه على انضمامه للحراك بحسب الفضلي.. تلك المحاولات القصد منها الاستفادة من موقعه السابق كرئيس لدولة الجنوب وأيضا كونه يمتلك ثروة طائلة يراد الاستفادة منها في إدامة حيوية الحراك وإلا لكان من المنطقي أن يكون حيدر العطاس هو الخيار الأمثل كونه يجاهر بمساندة قضايا الجنوب على الأقل، خاصة بعد أن كان الظهور العلني الأخير للبيض يحمل دلالة اجتماعية أكثر منه سياسية حين قام بزيارة الصحفي أحمد بن فريد في سويسر. السلطة ومن خلال لجانها المتكررة التي ترسلها ما زالت تتعامل مع ما يحدث في الجنوب باعتباره مشكلة ناتجة عن احتياجات مطلبية تنموية في هذه المديرية أو تلك فقط وهو ما يمكن اعتباره خفة متناهية وتجزيئاً لمشكلة عامة خرجت من هذا الحيز إلى كونها أصبحت قضية وطنية يتوجب التعامل معها ككل لا يتجزأ وهو ما يقتضي محاسبة المخطئ ومعاقبته وإعادة الأمور إلى نصابها دون مكابرة. لأنه إذا ما استمر تعامل السلطة على هذا النحو مع القضايا في المحافظات الجنوبية فإن أي بديل لها مهما كانت نتائجه مدمرة ستكون مقبولة على الأقل من باب تغيير المجرب الذي يتم إعادة إنتاجه مع كل تفاقم للأزمة. على السلطة أن تعلم -ونعتقد أنها تعلم- أن ابتعاث النائب لحل مشكلات الجنوب لن يكتب له النجاح لأسباب عدة أهمها تحديدا سببان الأول أن النائب يمثل فصيلا كان طرفا في صراع تقادم زمنه نعم، إلا أنه لم يمت وما يلبث أن يبعث فتيا مع كل حادث ما تزال أطرافه تجتر خصوماتها بسبب ارتباط أزماتها بالحاضر. أما الثاني فلعلم القاصي والداني أن النائب وإن كان معززا بقائد الحرس الخاص للرئيس طارق محمد عبدالله صالح وهو من المساندين جديا لتطبيق سيادة القانون دون استثناء فإنه لن تكون له قدرة على فرض أي حل على الواقع لأن من لهم علاقة بنهب الأراضي ويعدون السبب الرئيس في الأزمة وإيصال الناس إلى مثل هذه الحالة من العداء للوحدة هم قادة محاور ونافذون كبار يتلقون أوامرهم من القائد الأعلى للقوات المسلحة وليس ممن هم دونه مهما بلغت مناصبهم حساسية أو حتى قرابة وقربا منه. وعلى ذلك كله واحتراما لعقول الناس يتوجب التعامل مع حقيقة المشكلة وليس أعراضها.