في ظل الأزمات الحادة التي تعيشها البلد من حرب في صعدة واضطرابات في الجنوب وانهيار في الاقتصاد وهي أزمات لم تعد تحتمل المناورات السياسية، تحاول السلطة والمعارضة، عبثا ممارسة ذلك. لجنة الحوار الوطني المنبثقة عن تشاور وطني دعا إليه تكتل اللقاء المشترك مضى فيه منذ أكثر من عام تعلن مطلع الأسبوع الجاري عن تشكيل خمس لجان للنزول الميداني إلى المناطق الملتهبة في صعدة والجنوب وبالمقابل تقر السلطة عبر مجلس الدفاع الوطني في اجتماع ترأسه رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح إجراء حوار وطني مع كافة الفعاليات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ابتداء من السادس والعشرين من شهر ديسمبر الجاري وعلى الجانب الآخر يعلن الشيخ طارق الفضلي الذي يقود عنفا مسلحا في الجنوب عن البدء في الإعداد لمؤتمر عام للحراك الجنوبي سيعقد في فبراير من العام 2010م. وبالنظر إلى مبررات إعلانات الأطراف السابقة فإنها تحمل نفس الأهداف "إخراج البلد من أتون الأزمات" باستثناء مؤتمر الفضلي الذي يحضر لانفصال الجنوب عن الشمال. وقالت وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" إن مجلس الدفاع الوطني أقر في الاجتماع الذي عقد الأحد الفائت التصورات الخاصة بالحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح في خطاب ألقاه في ال30 من نوفمبر الماضي. وذكر الخبر الرسمي أن الحوار سيناقش "كافة القضايا التي تهم الوطن تحت سقف الشرعية الدستورية والالتزام بالثوابت الوطنية وبما يحقق اصطفافا وطنيا واسعا إزاء مجمل القضايا المطروحة على الساحة الوطنية. ووجه رئيس الجمهورية رسالة إلى رئيس مجلس الشورى دعاه فيها إلى البدء بإجراء حوار وطني تحت قبة المجلس. وجاء في الرسالة "انطلاقا من دعوتنا السابقة والمتكررة حول أهمية معالجة كافة القضايا التي تهم الوطن عبر الحوار، واستشعارا بالمسئولية الوطنية واستجابة لكافة الدعوات المقدمة من القوى الخيرة في المجتمع ونظرا لما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا، فإننا ندعو إلى حوار وطني جاد ومسئول بين كافة الفعاليات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني يوم 26 ديسمبر 2006م حول كافة القضايا التي تهم الوطن تحت سقف الشرعية الدستورية والالتزام بالثوابت الوطنية وذلك بما يحقق اصطفافا وطنيا واسعا إزاء مجمل القضايا المطروحة على الساحة الوطنية". وحددت الرسالة المشاركين في الحوار بكل من أعضاء مجلس الشورى ورئيس كل حزب مسجل في لجنة شئون الأحزاب والشخص الثاني في الحزب واثنين وعشرين عالما يتم اختيارهم من جمعية علماء اليمن ومثلهم من المشائخ والشخصيات الاجتماعية والمسئول الأول من كل منظمة مدنية فاعلة إلى جانب رؤساء الكتل البرلمانية والمقررين وأمناء عموم المجالس المحلية في محافظات الجمهورية. أما لجنة الحوار الوطني التابعة للمشترك التي يسيطر عليها الشيخ حميد الأحمر فقد أعلنت تشكيل خمس لجان حوارية (لجنة قضية صعدة، لجنة القضية الجنوبية، اللجنة السياسية والدستورية، لجنة الحقوق والحريات، لجنة الاقتصاد والخدمات). وقالت لجنة الحوار الوطني في بيان إنه "من المقرر أن تباشر هذه اللجان أعمالها ابتداء من الأسبوع القادم ولا سيما المختصة بالأوضاع الملتهبة في صعدة والمحافظات الجنوبية، أما لجان الفئات المجتمعية التي كانت قد أنجزت جزءا من مهامها في مرحلة التشاور فستواصل مهام الحوار الوطني وفقا لرؤية الإنقاذ الوطني مع القيادات المجتمعية لكافة الفئات". وذكرت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني إنها تواصلت في الفترة الماضية مع كثير من الأطراف السياسية "الفاعلة في القضية الوطنية في الداخل والخارج، وخرجت بنتائج إيجابية تصب في صالح الحوار الوطني". وكانت لجنة الحوار حاولت عقد اجتماع حوار في بيروت مع قيادات معارضة الخارج، غير أنها فشلت في ذلك لأسباب عديدة منها: رفض بعض قيادات المعارضة في الخارج الاستجابة لدعوة اللجنة وعدم اقتناعها بالفكرة ومنفذيها. الصراع السياسي المحتدم بين السلطة وحزبها الحاكم من جهة وتكتل أحزاب اللقاء المشترك من جهة أخرى، زاد في التصاعد الانتخابات النيابية التكميلية التي أجريت أواخر الشهر الماضي وقاطعها الأخير فيما خاضها المؤتمر الشعبي العام مع أحزاب حليفة له وفاز بتسع دوائر من أصل إحدى عشرة دائرة واحتجاجا على ذلك تواصل الكتل البرلمانية لأحزاب المشترك مقاطعتها لجلسات البرلمان منذ السبت الماضي معبرة عن رفضها للانتخابات التكميلية وما نتج عنها. واتهمت الكتل البرلمانية في بيان لها السلطة وحزبها الحاكم بالإقدام على خرق اتفاق فبراير وإجراء انتخابات تكميلية تديرها لجنة انتخابية غير شرعية، مؤكدة أن "السلطة تسير بالبلد نحو وضع كارثي يهدد حاضره ومستقبله". واستغرب البيان مما وصفه بإقدام السلطة على خرق اتفاق فبراير 2009م في وقت كان الجميع ينتظر منها حلولا تخرج البلاد من الأزمات المعاشة وتداعياتها وتحفظ أمن الوطن واستقراره، مشيرا إلى أن الآمال كانت قد انعقدت على أن "اتفاق فبراير بين القوى السياسية الذي بموجبه تم التمديد لمجلس النواب لسنتين إضافيتين يتم فيها تهيئة الأجواء لحوار وطني شامل يتم من خلاله الاتفاق على تغيير بنية النظام السياسي وإصلاح المنظومة الانتخابية بما في ذلك تشكيل لجنة عليا للانتخابات بالتوافق بين القوى السياسية". وفيما دعت الكتل البرلمانية للمشترك السلطة وحزبها الحاكم إلى الالتزام باتفاق فبراير وعدم التملص من الاتفاقات الموقعة مع القوى السياسية، فقد أكدت على "أن لا شرعية لأي عمل انفرادي تقوم به السلطة وحزبها باعتبار أن شرعية مجلس النواب للسنتين الإضافيتين قائمة على التوافق السياسي". رد المؤتمر الشعبي العام على بيان كتل المشترك جاء سريعا، حيث عبر الأمين العام المساعد رئيس كتلة المؤتمر البرلمانية سلطان البركاني عن أسفه لما ورد في البيان، مذكرا بمحاولات حزبه المتكررة إقناع قيادات المشترك بتنفيذ اتفاق فبراير وقال "لكم كنا نتمنى على زملائنا في الكتل البرلمانية للمشترك أن يعلموا الحقائق ويحملوا قياداتهم المسئولية ويدعوهم إلى الالتزام باتفاق فبراير بدلا من التباكي عليه" مؤكدا أن المؤتمر عند التزامه بالاتفاق. وعن تأكيد بيان المشترك بعدم شرعية الانتخابات التكميلية قال البركاني "من المحزن أن قيادات كتل المشترك لم تكلف نفسها قراءة النصوص الدستورية التي أوجبت على مجلس النواب إعلان خلو أي دوائر انتخابية إذا كانت الفترة المتبقية من عمل المجلس أكثر من السنة". وأضاف "نقول لإخواننا في المشترك أي عمل انفرادي قامت به السلطة ما دام الأمر به إلزام دستوري وفي ظل مؤسسات قائمة وأحكام دستورية هما الأصل وليس التمنيات والأحلام". وفي ذات السياق أثار عدد من النواب المستقلين وأعضاء في الحزب الحاكم في جلسة مجلس النواب الأحد الفائت موضوع مقاطعة كتل أحزاب اللقاء المشترك الجلسات البرلمانية، حيث دعا رئيس مجلس النواب يحيى الراعي جميع الأطراف إلى الجلوس على طاولة الحوار مؤكدا على ضرورة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، بينما هاجم النائب المؤتمري عبدالعزيز جباري أحزاب المشترك ووصفها ب"المعارضة السلبية والمدجنة" وإذ نوه جباري إلى حق المعارضة في مقاطعة الجلسات والانسحاب لكنه قال: إن المفروض على المعارضة أن تناضل ولا تخشى من السجون بدلا من مسابقة قيادات الحزب الحاكم إلى دار الرئاسة". من جهته اعتبر النائب المستقل عبد ربه القاضي أن "انفراد الحاكم بالقرار سيجر البلاد إلى الهاوية وسيكون له عواقب وخيمة" وأضاف إن عملية تجاهل المعارضة "عمل غبي" داعيا المؤتمر الشعبي العام إلى فتح صدره والبدء في حوار مع جميع الأطراف السياسية في البلاد. وعلى ما يبدو فإن افتقار جميع الأطراف السياسية للرؤى الواضحة يجعل دعواتهم للحوار مشتتة وغير ذات جدوى. وكانت "الوسط" في العدد الماضي كشفت عن لقاء جمع رئيس الجمهورية مع رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح تم فيه مناقشة تصاعد الأزمة السياسية وما يجري في صعدة والجنوب وحمل اليدومي رسالة من الرئيس للمشترك يشترط عليهم فيها توجب الأخذ بنقطتين لأي حوار "الاصطفاف ضد العناصر الحوثية في صعدة والاصطفاف ضد الانفصاليين في الجنوب". مشيرا إلى أن أي نقاط أخرى يمكن مناقشتها وأنه ليس لدى السلطة مانع في أن تكون محل حوار محدد من تلك النقاط تشكيل حكومة ائتلافية أو إجراء تعديلات دستورية، غير أن المشترك اعتبر رسالة الرئيس لا تحمل جديدا ولا تختلف عما دعا إليه في كلمته بمناسبة الثلاثين من نوفمبر وفيما أبدى المشترك رفضه لأي حوار مشروط، أوضح أن شرط إقامة الحوار بالاصطفاف ضد أطراف سياسية يرى ضرورة الحوار معها قد أفقد الدعوة محتواها.