تعيش البلاد أزمة اقتصادية خانقة يزيدها تعقيدا حالة الفساد المتفاقمة وغياب الحكم الرشيد، غير أن هذا الوضع مغيب عن الاهتمام بفعل قضايا أخرى وفي مقدمتها حرب صعدة والحراك الجنوبي المغذى بعدائية وعنف مسلح والانفلات في بعض المحافظات وتنامي نشاط القاعدة واستمرار الخلافات بين السلطة والمعارضة. أواخر الأسبوع الفائت خرجت الحكومة خالية الوفاض من لقاء لندن باستثناء بعض التوصيات والمقترحات الواجب عليها القيام بها لكي تحصل على المساندة الدولية في مكافحة الإرهاب وهي التي كانت تأمل الحصول على دعم مادي، غير أن اللقاء الذي أثيرت حوله المخاوف من أن يكون هدفه استصدار قرار بتدخل دولي في ملاحقة القاعدة داخل اليمن، فقد خيب آمال المعارضة التي كانت مطمئنة إلى أنه سيضغط على السلطة في الجانب السياسي وهو ما يتضح من خلال بيان أحزاب المشترك حول نتائج اجتماع لندن، حيث اعتبرتها غامضة "لم تمس جوهر الأزمة اليمنية بمظاهرها المختلفة عدا الجانب الأمني". وقال المشترك إن نتائج هذا الاجتماع وضعت شراكة المجتمع الدولي من اليمن على المحك.. واتجهت نحو إنقاذ السلطة السياسية في اليمن بدلا من إنقاذ الدولة التي تتعرض لتدهور خطير بسبب سياسات هذه السلطة نفسها". وأضاف "إن هذا الغموض، رافقته محاولة رديئة من قبل السلطة اتجهت بعد اجتماع لندن نحو الاستقواء بالخارج في مواجهة الأوضاع الداخلية المتردية شديدة الخطورة والحياة الديمقراطية بشكل عام وهو ما يفتح الأبواب نحو استنفاد آخر ما تبقى لليمن واليمنيين من آمال في مساعدة جادة وحقيقية يقدمها المجتمع الدولي والإقليمي تعزز شراكة اليمن مع هذا المحيط". وقال البيان: إن ما فعلته السلطة وتعاملها اللامسئول مع اجتماع لندن سينتهي بالبلاد نحو وضعها تحت الوصاية، وهو ما حذر منه المشترك الذي يعد شراكة المجتمع الدولي الحقيقة مطلباً جوهرياً لها". متهما السلطة ب"السعي نحو تحويل هذه الشراكة إلى خدمة لها على حساب البلاد بأكملها". وانتقد المشترك ما اعتبره تغيرا في شراكة اليمن مع المجتمع الدولي "إن هذا التغير في مجرى علاقة اليمن الخارجية وشراكته مع المجتمع الدولي والإقليمي لن يكون لصالح اليمن وإخراجها من أزماتها وإنما لصالح تعزيز عدم الاستقرار والفساد الذي لا يعول عليها في إجراء أية إصلاحات" لافتا إلى أن "تضليل الرأي العام الذي لجأت إليه الوسائل الإعلامية يخفي حقيقة السير نحو وضع اليمن تحت الوصاية الدولية ما لم يتدارك اليمنيون الأمر ويقفون صفا واحدا ضد المسارات التدميرية للسلطة وسياستها اللامسئولة تجاه المصالح الوطنية العليا والمصالح الإقليمية والدولية المشروعة". بالمقابل هاجمت السلطة السياسيين المعارضين عبر افتتاحية صحفها الرسمية ووصفتهم ب"طراطير السياسة" الذين كانوا يراهنون على أن اجتماع لندن سيشكل ثغرة للنيل من سيادة اليمن وتدويل قضاياه والمساس بثوابته الوطنية. وفيما اعتبرت نتائج لقاء لندن نجاحاً بكل المقاييس قالت في افتتاحية صحيفة الثورة "كان من الطبيعي أن يتلقى أولئك الواهمون تلك الصفعة المؤلمة وأن يحيق بهم الخزي والعار.. وأوضحت أن المؤتمر خرج بعكس ما كان يتمناه "تجار السياسة وفاسدوها في الداخل والخارج". وقالت "إن هذه الدول التي تنادت من أجل دعم اليمن ومساندتها في مواجهة التحديات الاقتصادية والامنية تتعامل مع دولة ذات مؤسسات دستورية تستمد مشروعيتها من إرادة شعبها وليس من (طراطير) السياسة الذين يتاجرون بقضايا شعوبهم وأضافت الصحيفة "إن خيبة طراطير السياسة في الداخل والخارج كانت أكبر هذه المرة، إذ لم يكونوا يتوقعون أن تظهر اليمن بتلك المكانة الكبيرة والرفيعة والتي عبر عنها أشقاؤها وأصدقاؤها في اجتماع لندن والتي برهنت بالدليل القاطع على أن اليمن كبير بتاريخه الذي استطاع أن يؤسس شراكة حقيقية بين اليمن وأشقائه وأصدقائه في إطار من المصالح المتشابكة والمنافع المتبادلة بما يخدم توجهات التنمية وتطلعات الشعب". وبعيدا عن رؤية السلطة والمعارضة لنتائج لقاء لندن فإن مراقبين ذهبوا نحو القول بأن اجتماع لندن أعاد اليمن إلى الوصاية السعودية من خلال تولي الأخيرة الترتيب لعقد لقاء بشأن اليمن للدول المانحة في أواخر الشهر الجاري. البيان الختامي لاجتماع لندن الذي شاركت فيه 21 دولة ذكر أنه ناقش العديد من المشكلات الملحة التي يواجهها الشعب اليمني وأكد على وحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله والالتزام بعدم التدخل في شئونه الداخلية" مشيرا إلى أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي تمضي به الحكومة اليمنية يعتبر أساسا للاستقرار والرخاء على المدى الطويل، موضحا أنه تم الاتفاق على ضرورة اتباع نهج شامل وبدعم قوي من المجتمع الدولي. وأكد البيان أن التحديات التي يواجهها اليمن آخذة بالتنامي "إذا لم تتم معالجتها فإنها ستهدد استقرار البلاد والمنطقة ككل" موضحا أن الحكومة اليمنية حددت المجالات الأكثر إثارة للقلق على نحو ما يلي: - تنسيق ودعم دولي أفضل لليمن. - إيجاد تحليل مشترك للتحديات التي يواجهها اليمن بما في ذلك الظروف المؤدية للتطرف وعدم الاستقرار والاتفاق على ضرورة اتباع نهج شامل لمعالجتها. - زخم أكبر دعا لأجندة الإصلاح السياسي والاقتصادي. غير أن البيان قال إن مسئولية معالجة هذه التحديات تقع أولا وقبل كل شيء على عاتق الحكومة اليمنية وبالاستناد على دعم من المنطقة والمجتمع الدولي. ورحب لقاء لندن بما يلي: - الالتزام الصريح الذي أيدته الحكومة اليمنية بمواصلة أجندتها الإصلاحية والشروع في مناقشة برنامج صندوق النقد الدولي وهو ما يتيح دعما لها. - إعلان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بأنه سوف يستضيف لقاء حول اليمن لدول الخليج وغيرها من الجهات الدولية المانحة يعقد في الرياض يومي 27-28 فبراير الجاري (سوف يتبادل المشاركون فيه تحليل العوائق التي تحول دون تقديم دعم فعال لليمن ما يؤدي إلى حوار مشترك مع الحكومة اليمنية بما في ذلك عمليات الإصلاح ذات الأولوية. - التزام المجتمع الدولي بدعم الحكومة اليمنية في مكافحتها لتنظيم القاعدة إضافة إلى دعمها لأجل بناء قدراتها في مجال تنفيذ القانون وقدراتها التشريعية والقضائية والأمنية وتعزيز قدرات مقراتها في خفر السواحل. - إطلاق مجموعة "أصدقاء اليمن" التي ستتناول -وبشكل واسع- التحديات التي يواجهها اليمن وسبل تطبيق الخطة الإصلاحية الوطنية وسيعقد أول لقاء لها في أواخر شهر مارس القادم. وفي الوقت الذي جاء فيه البيان الختامي للقاء لندن مبددا للمخاوف من التدخل الأجنبي في شئون اليمن وتأكيده على الالتزام برفض ذلك، تحدثت الصحافة الأمريكية عن إرسال البنتاغون قوات تدريب قوات الأمن المحلية على مكافحة الإرهاب. وقال مسئولون عسكريون إن وزارة الدفاع الأمريكية تستعد لإرسال المزيد من القوات الخاصة إلى اليمن ستفوق العدد الحالي الموجود هنا والمقدر ب150 جنديا. وكانت الصحافة الأجنبية وخصوصا الأمريكية والبريطانية شنت حملة عن الفساد السياسي والمالي في اليمن قبيل لقاء لندن ووجهت نقدا قاسيا للرئيس علي عبدالله صالح بسبب تجاهله التحديات التي تواجه اليمن وهو ما تم من خلاله قراءة الكثير عن طبيعة التوجه الأجنبي إزاء ما يدور في اليمن، وبالرغم من ذلك فإن توقعات الحكومة ظلت تتمحور حول الدعم التنموي حتى عشية انعقاد الاجتماع، حيث قال المسئولون الحكوميون المشاركون في اللقاء إن اليمن بحاجة إلى 50 مليار دولار في السنوات العشر القادمة لدعم التنمية وبناء الاقتصاد اليمني. وطرحت الحكومة على المؤتمرين معلومات عن الوضع العام في اليمن تكشف عنها لاول مرة وذلك لأجل الحصول على الدعم ومنها تفاقم عجز الموازنة ووصوله إلى 9.1% من الناتج المحلي عام 2009م "إلى درجة أصبح معها تمويل العجز عن طريق أذون الخزانة غير ممكن بسبب انخفاض حجم السيولة في الاقتصاد، مشيرة إلى أن وضع الموازنة العامة غاية في التعقيد. وقالت الحكومة إنه في ظل هذا الوضع لا مناص من تسريع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والتي ستأتي ثمارها في المدى المتوسط والطويل، موضحة بانه على المدى المتوسط فلا بد من حشد الموارد الخارجية على شكل منح نظرا لضعف استدامة المديونية لافتة إلى أنه للسيطرة على عجز الموازنة في الحدود الآمنة يتطلب حصولها على دعم سنوي بمعدل 2.6 مليار دولار. وأقرت الحكومة بأن تحليل الوضع الراهن لمؤشرات الألفية تجعل من اليمن مصنفا خارج المسار للوصول إلى تحقيق أهداف الألفية بحلول 2015م، حيث أن إنفاقها الفعلي على مشاريع أهداف الألفية منذ العام 2006م لم يتجاوز 8% من إجمالي الاحتياجات المطلوبة. عقب لقاء لندن وقبل أن تبدأ الحكومة بتنفيذ الإصلاحات الهامة في جانب خلق الدولة المدنية الحديثة وتعزيز قيم القانون وتحقيق مبدأ العدالة والمساواة فضلا عن الجدية في مكافحة الفساد، اتجهت نحو ما يثقل كاهل المواطن البسيط برفع الدعم عن المشتقات النفطية جزئيا، حيث بدأت منذ الأحد الفائت بزيادة 5 ريالات في سعر لتر البنزين والديزل 4 ريالات والكيروسين 5 ريالات للتر الواحد" موضحة أن ذلك يأتي وفق آلية تستهدف دعم المشاريع الاستثمارية في إطار خطة إصلاحات للاقتصاد الوطني، غير أنه في الأصل يأتي تنفيذا لشروط سابقة من قبل المانحين والبنك الدولي بضرورة رفع الدعم عن المشتقات النفطية وساقت الحكومة المبررات لخطوتها المتخذة بزيادة أسعار المشتقات النفطية والتي قالت إنها ناجمة عن دراسات قامت بها وأكدت نتائجها على ضرورة الاستفادة القصوى منها في دعم اقتصاد البلد الذي واجه تحديات ومشاكل أبرزها ما يجري في صعدة وكذلك أعمال التخريب والتقطع ونهب الممتلكات العامة والخاصة من قبل عناصر الحراك. وأوضحت الحكومة إنها عند اتخاذ القرار وضعت في اعتبارها مصلحة جميع المواطنين -بما يضمن الحد من تهريب هذه المواد إلى الخارج- خدمة لمصالح تجار ومهربين لا يراعون الأضرار التي يتكبدها الوطن والمواطن جراء هذا التهريب.