تراجع الحزب الحاكم عن قرار مضيه في إقرار تعديلات قانون الانتخابات ، بعد لقاء جمع رئيس الجمهورية مع أمناء عموم أحزاب المشترك تم الاتفاق فيه على سحب مشروع التعديلات والاستمرار في عمل لجان التهيئة والإعداد للحوار الوطني. وأقر مجلس النواب منتصف الأسبوع الجاري سحب مشروع التعديلات من جدول أعماله للدورة الحالية استجابة لطلب الرئيس. وجاء في طلب الرئيس الذي قرأه النائب عن كتلة المؤتمر نبيل باشا بأن يسحب القانون في هذه الدورة على أن ينزل في دورة أخرى. وقد صوت مجلس النواب بالإجماع على قبول هذا الطلب. وبذلك تكون عاصفة الخلافات السياسية قد هدأت بعد عشرة أيام من السخونة. وكان الطرفان عادا لذات مربع انتاج الخلافات القديمة وتبادل الاتهامات بتفخيخ مسيرة الحوار الذي لم يكن قد بدأ أصلاً منذ اتفاق 17 يوليو الماضي وهو ما عد اشارة لمرحلة جديدة من التصعيد السياسي خاصة بعد أن اتجه المشترك نحو تفعيل نشاط اللجنة الوطنية للحوار الوطني الذي عقد معها اجتماعاً استثنائياً بحضور كتله النيابية ، ليقر تعليق المشاركة في اجتماعات لجنة الثلاثين وفريق التهيئة والتواصل مع المؤتمر الشعبي العام، وهو ما تداركه الرئيس في لقائه مع قيادات المشترك بالاتفاق على تأجيل مشروع تعديل قانون الانتخابات ، فضلاً عن الاتفاق على استمرار التهيئة للحوار بموازاة الاستمرار في التحضير للانتخابات النيابية. الخلافات الأخيرة بدأت إثر إدراج مجلس النواب تعديل قانون الانتخابات ضمن جدول أعماله لفترة انعقاده الحالية وهو ما أعتبره المشترك تفخيخاً للحوار وعلى اثره باشرت كتل المشترك مقاطعتها للجلسات ، غير أن مواضيع أخرى تضمنها جدول أعمال مجلس النواب دفع قيادة اللقاء المشترك لتوجيه كتله النيابية بالعودة إلى قاعة البرلمان ، فيما هو سيجد طريقاً أخرى للتصعيد عبر لجنة الحوار المنبثقة عنه والتي يقودها حميد الأحمر. بيان المشترك اشتمل على أسباب عديدة لتعليق مشاركته في لجان الحوار منها: البدء في إجراء التحضير للانتخابات من قبل اللجنة العليا للانتخابات وعدم استكمال الإفراج عن المعتقلين المشمولين في خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة الذكرى العشرين للوحدة واستمرار الأجهزة الإعلامية الرسمية الممولة بالمال العام من مخالفة الضوابط المتفق عليها "مما أدى ويؤدي إلى تعكير أجواء التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل" وقيام السلطة بتنفيذ إجراءات اقتصادية زادت من معانات المواطنين واستمرارها في انتهاك الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور وبالأخص حقوق وحريات الناشطين السياسيين والصحفيين مما انعكس بدوره سلباً على المناخات المطلوبة لإنجاح التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل، وأخيراً إصرار السلطة على الانتهاك الصارخ بإدراج مشروع تعديل قانون الانتخابات الذي لم يتفق عليه في 18/8/2008م في جدول أعمال مجلس النواب للفترة الحالية ومن جانب واحد والذي عده المشترك مخالفة صريحة لنصوص اتفاق فبراير 2009م والمحضر التنفيذي الموقع في 17/7/2010م , والتي تعبر عن عدم جدية السلطة في إنجاح مسيرة الحوار الوطني الشامل الذي يمثل المخرج الوحيد والأمن للبلاد مما تعانيه من أزمات على كافة المستويات" بحسب البيان. وعبر المشترك عن استنكاره ورفضه للممارسات غير المسئولة من قبل السلطة لما يترتب عليها من تداعيات وآثار لا تخدم المصلحة الوطنية وتعيق مسيرة التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل . ولم ينس المشترك أن يوجه رسالة للخارج يؤكد فيها إلتزامه بحوار جاد ، حيث جدد في بيانه الصحفي التأكيد على "التمسك بالحوار الوطني الشامل كخيار حضاري وحيد وآمن، وأن أي ممارسات تؤدي إلى إفشاله يترتب عليها جملة من التداعيات لا تحمد عواقبها، يتحمل مسئوليتها من يتبناها ويسعى جاهداً لتنفيذها". بالمقابل رمى الحزب الحاكم اصابع اتهاماته بتعطيل الحوار لأطراف في اللقاء المشترك، عبر اختلاق ذرائع وحجج واهية أو طرح شروط تعجيزية. وكشف الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام احمد عبيد بن دغر عن وجود أطراف في المشترك ترفض إجراء الانتخابات النيابية وتعمل على إفشال الحوار، سعياً للوصول إلى شكل من الشراكة في السلطة، ليس عبر صناديق الاقتراع، ولكن عبر التقاسم. وقال في حوار مع صحيفة حزبه: إن المؤتمر الشعبي العام ماضٍ في إجراء الانتخابات النيابية في 27 أبريل المقبل وهو التزام دستوري لا تراجع عنهاً" معتبراً إدراج مشروع قانون الانتخابات في جدول اعمال البرلمان ليس مبرراً لانسحاب كتلة المشترك من البرلمان أو تعليقهم للحوار، خصوصاً وأن هذا القانون يسمح بإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، كما تطالب بذلك تلك الأحزاب. وأكد بن دغر بأن موقف المؤتمر إزاء تعليق المشترك للحوار هو المضي باتجاهين ومسارين متوازيين، الأول مسار إجراء الانتخابات النيابية في موعدها والمسار الآخر التمسك بالحوار لحل المشكلات بين الأطراف المختلفة. وبيَّن بن دغر أن هذا التوجه قد باركه اجتماع مجموعة أصدقاء اليمن الذي عقد مؤخراً في نيويورك.. حيث أكد الأصدقاء على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها والمضي في ذات الوقت في عملية الحوار.. وهي رسالة واضحة وجهها المجتمع الدولي لأحزاب المشترك. لقد تعاملت السلطة مع الدعم السياسي الذي تلقته من مجموعة أصدقاء اليمن مؤخراً بطريقة الفهلوة واتجهت به للضغط على المشترك وادراج مشروع تعديل قانون الانتخابات ضمن جدول أعمال مجلس النواب للفترة الحالية ، في حين نظر المشترك لدعم الخارج بطريقة أخرى، حيث اعتبره لتجنب انهيار الدولة وأن نتائجه ستترجم للضغط على الحكومة في السير نحو حوار وطني يشمل كل الأطراف. وضمن هذا السياق استعاد البيان الختامي لاجتماع اللجنة التحضيرية وتصريحات قادة المشترك نبرة قوية في الحديث عن موقف السلطة وحزبها الحاكم من الحوار . وعلى مايبدو فإن اللجنة التحضيرية أستعادت جزءاً من عافيتها وأن عودة قيادة المشترك للتلويح بها يعني أنها تجاوزت اختبار ما بعد تشكيل اللجنة المشتركة حين بدا يومها أن مهمتها قد انتقلت إلى اللجان الجديدة.. وقد جاء البيان الختامي لاجتماع اللجنة ليؤكد شعورها بالوضع المتحسن الذي تعيشه. حيث ورد فيه أن الاجتماع عبّر عن "الاعتزاز البالغ بالمنجز السياسي والمعنوي الذي حققته اللجنة التحضيرية للحوار الوطني منذ قيامها قبل أكثر من عام والمتمثل بتحويل دعوة الحوار الوطني إلى قيمة سياسية وأخلاقية كبرى وإلى عنوان بارز تتداوله الأوساط والدوائر السياسية الإقليمية والدولية وترى فيه الوسيلة المثلى لمعالجة أزمات ومشاكل اليمن المختلفة". وافصح بيان اللجنة عن خطة بديلة في حال فشل حوار السلطة مع المعارضة بقوله "إذا أفشلت السلطة حوار المشترك معها فإن العملية الحوارية التي تلتزمها اللجنة التحضيرية في كل الأحوال مستمرة باتجاه أن يتحمل المجتمع مسؤوليته نحو قضاياه ومصيره ويتخذ قراراته الإنقاذية والتغييرية كي لا يقع البلد فريسة للعنف والفوضى. وأضاف: السلطة وإن كانت قد قبلت مؤخراً دعوة الحوار الوطني الشامل إلا أنه لم يظهر منها الجدية الكافية التي تشير إلى أن الحوار غدا خيارها في التعامل مع القوى الأخرى ومع المشكلات المختلفة في البلد. وتصرفاتها العملية تؤكد أنها لم تتخلَّ عن نهج القوة والقمع وعن الممارسة المفتعلة للعنف، وذلك من خلال اتخاذها لجملة من الإجراءات والمواقف المعيقة للتهيئة والحوار منذ تشكيل اللجنة المشتركة، وخلق أجواء وبيئة سياسية على الساحة الوطنية لا تساعد على إنجاح أعمال التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل". وحيال الانتخابات التي تمثل أبرز ما يهدد الحوار من خلال إعطاء السلطة الضوء الأخضر للجنة الانتخابات في أغسطس الماضي لتحضر لها، تمسكت اللجنة التحضيرية بموقفها منها قائلة إن "الانتخابات البرلمانية المقبلة تأتي بعد الانتهاء من تنفيذ اتفاق فبراير 2009 بالتراتبية الواردة في الاتفاق، وأن اتفاق فبراير كل لا يتجزأ". وفي محاولة لكسب الشارع الجنوبي أدان البيان "قمع" النشطاء السياسيين في الحراك الجنوبي والعمليات العسكرية في مناطق الجنوب. وطالبت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بتشكيل لجنة تحقيق في المصادمات الدامية بمدينتي لودر والحوطة حيث شن الجيش عمليتين عسكريتين ضد مسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة مما أدى إلى نزوح آلاف المدنيين وتضرر ممتلكاتهم.. وشددت لجنة الحوار على اشتراك الحراك الجنوبي وجماعة الحوثيين في الحوار الوطني بقولها "إن نجاح إقناع الحراك بالاشتراك في الحوار رهن بوفاء السلطة بالتزاماتها التي من شأنها تهيئة التواصل مع ممثلي الحراك، ومن بينها وضع حد نهائي لأعمال الاعتقالات والمطاردات والأعمال الاستفزازية ضد نشطاء الحراك السلمي، والتوقف عن إعادة اعتقال من أُفرج عنهم"، طبقاً لبيان اللجنة الذي أكد استحالة " أن تنجح عملية التواصل بدون انفراجات حقيقية يمكن الاطمئنان إليها، مع أهمية توفير الأجواء الآمنة لمشاركة كافة الأطراف في أعمال الحوار الوطني بما فيها ممثلو جماعة الحوثي ومعارضة الخارج". لقد بدا واضحا أن الحزب الحاكم يريد فقط تمرير الانتخابات النيابية بالطريقة التي تناسبه ولا يحفل بتنفيذ اتفاق فبراير في حين ترغب أحزاب اللقاء المشترك بتنفيذ الاتفاق وخاصة البند المتعلق بإقرار القائمة النسبية قبل موعد إجراء الانتخابات وهو مالا يمكن بدون تأجيل الانتخابات.