دفع الحزب الحالكم تكتل المعارضة إلى التمحور في مربع ضيق وبلا خيارات للمناورة سوى خيار الشارع الذي لم يبدأ بعد ، مقابل عزمه على إجراء الانتخابات النيابية في ابريل القادم ولو منفرداً. وفيما بقي الحديث عن مرحلة جديدة من الحوار غير وارد على الأقل خلال الأيام القليلة القادمة من قبل المؤتمر الشعبي العام أو حتى استيعاب مطالب المعارضة ، فإن رئيس الجمهورية بإصداره القرار الجمهوري بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وقبله المصادقة على قانون الانتخابات قد أسقط كل توقعات التراجع عن المضي قدماً نحو إجراء الانتخابات حتى في ظل لجوء المعارضة إلى المقاطعة. أما المشترك الذي هدد باللجوء إلى الشارع فقد تضاءل خياره هذا إلى اقتصار احتجاجه على كتله البرلمانية التي واصلت اعتصامها داخل المجلس والتلويح بالإضراب عن الطعام بعد أن انتهت دعوته لهبة غضب شعبية إلى هبة في وجه أمين عام التنظيم الناصري عضو المجلس الأعلى للمشترك سلطان العتواني بتعرضه لاعتداء أواخر الأسبوع الماضي من قبل مسلحين في قلب العاصمة. افتتاحيات صحيفة الثورة الرسمية منذ أكثر من أسبوع لا تزال مخصصة لمهاجمة المشترك موزعة عليهم ألقاباً وأوصافاً مقذعة . وقد لمحت إحدى هذه الافتتاحيات إلى حل أحزاب المشترك كونها لم تحرص على ضبط إيقاع عملها وتوجهاتها وفقاً لمحددات وثيقة الدستور التي وفرت لها الضمانات لممارسة العمل السياسي والحزبي وأن خروجها عن هذا الأمر يعد انتفاء لمشروعيتها التي تسقط عنها كنتيجة طبيعية لأية تجاوزات أو خروقات تحدث منها" وأضافت "لعل مثل هذا الأمر هو ما أغفلته قيادات أحزاب "اللقاء المشترك" أو بعضها، والتي صارت تتعامل مع مجريات العمل السياسي بمزاجية منفلتة وشطحات غير مسئولة وشطط لا ضابط له ولا معيار، فهي ترفض الانتخابات لمجرد خوفها من انتكاسة جديدة تُمنى بها في صناديق الاقتراع بعد أن فشلت في الدورات الانتخابية السابقة في كسب ثقة الشعب وإقناعه بتوجهاتها والسياسات التي تتبناها." ولتأكيد اتهاماتها للمشترك بالخروج عن الدستور أوردت أربعة نماذج تتمثل في معارضتها الاستحقاق الانتخابي واستخدام كل الوسائل غير القانونية بهدف تعطيله وتحالفها مع عناصر التخريب والتمرد في صعدة وطرحها وثيقة الإنقاذ المؤيدة للفيدرالية التي تعد مدخلاً للانفصال ،فضلاً عن تأكيد أحزاب المشترك أن هدفها في هذه المرحلة هو إسقاط النظام السياسي المنتخب من الشعب. وأكدت السلطة عبر هذه الافتتاحية أن أحزاب المشترك بهذه التجاوزات قد فقدت مشروعيتها "وإذا كان هناك مسوغ لبقائها فليس سوى مسوغ التسامح والعقلانية والحكمة والحلم من جانب القيادة السياسية التي ما زالت تأمل في أن الديمقراطية كفيلة بإعادة هذه الأحزاب إلى الصواب والرشد". وكانت أحزاب المشترك اعتبرت أن كل ما أقدم عليه الحزب الحاكم انقلاباً على سلسلة الاتفاقات المبرمة بين الطرفين بما فيها اتفاق فبراير واتفاق يوليو اللذان ينصان على حزمة إجراءات يتم التوافق عليها بين المشترك والمؤتمر تمهيداً للوصول إلى انتخابات ابريل 2011م وقالت إن التصويت على تعديلات قانون الانتخابات تمت بطريقة مخالفة للوائح مجلس النواب. واكتفى المشترك بالرد على الخطوات المؤتمرية بإعلان حقه في اللجوء إلى الشارع لتحقيق التغيير السلمي بالوسائل الشعبية . وفي البيان الصادر عن المشترك ورد أن خيار العودة إلى الشعب سيتمثل في خطوات عملية أبرزها العودة إلى فعاليات الحوار الوطني وعقد مؤتمر للحوار في الثلث الأول من العام القادم وبتمثيل شعبي واسع يمنحه شرعية شعبية تمكنه من تحديد آليات التغيير وتنفيذها ، إضافة إلى الخطوة الأخرى وهي استمرار كتلة المشترك البرلمانية في اعتصامها في البرلمان إلى نهاية هذا الشهر. عدد من أعضاء البرلمان المعارضين والمستقلين شنوا هجوما حادا على هيئة الرئاسة في طريقة إدارتها للجلسات منذ مطلع الأسبوع الجاري و أتهم النائب صخر الوجيه هيئة الرئاسة بممارسة المغالطات في حق الأعضاء، موضحا بأن اغلب الأعضاء ممن سجل حضورهم في محضر جلسة إقرار الأعضاء للجنة الانتخابات من القضاة، كانوا غائبين. وأشار الوجيه إلى أن المحضر أورد أسماء 305 أعضاء في حين عدد المقاعد لا تتجاوز 301، مطالبا رئيس المجلس بتفسير لبقية المقاعد. رئيس كتلة المستقلين علي عبدربه القاضي عبر عن أسفه للطريقة التي تدار بها جلسات الدورة الحالية ،مشيرا إلى أن المجلس تحول من مجلس الشعب إلى مهرجان انتخابي يحاول كل شخص أن يتغلب على الآخر، منتقدا في الوقت ذاته أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم . أما منصور الزنداني فقد قال إن المجلس انتخب هيئه الرئاسية ليس للتعليق والتهجم على كل عضو بقدر ما انتخبها لتحسن إدارة الجلسات، محملا رئيس المجلس مسئولية ما تضمنه المحضر، مطالبا إياه بعرض المادة القانونية التي تتيح له حق عرض قائمة بأسماء قضاة في اللجنة العليا للانتخابات. ومن جهته النائب عيدروس النقيب قال إن تصويت المجلس على قائمة أسماء من القضاة في لجنة الانتخابات انقلاب على الاتفاقيات واللائحة الداخلية للمجلس، مشيرا إلى انه سبق للمجلس في أغسطس من 2008 أن اقر ما يقره اليوم لكنه في الأخير وجد الجميع مخرجاً من الأزمة التي اتهم المؤتمر بافتعالها. وخاطب النقيب زملاءه في كتلة المؤتمر بأنهم تعرضوا لخديعة في التصويت على اعتبار أن اللائحة الداخلية تتطلب أكثر من ثلثي الأعضاء، معرضا أسماء عدد من أعضاء المجلس مسجلين حضوراً في حين ليس لهم تواجد في المجلس منذ فترة. واكتفى رئيس مجلس النواب(الراعي) بتذكير أعضاء المجلس بانتخاب البرلمان المصري لرئيسه للمرة ال(29) رغم مواصلة المعارضة تشكيكها ورفضها للانتخابات. وبالرغم من دعوة المشترك لهبة شعبية فإنه حتى الآن لم يتبلور شيء منها على الواقع ويبدو انه قد تراجع عنها بعد أن هدد المؤتمر بالرد على خطوتهم هذه بخطوة مماثلة. لكن المشترك اتجه نحو اغاضة السلطة عبر فتح قنوات التواصل مع خصومها ومن ذلك أن أعلنت لجنة الحوار الوطني المنبثقة عن المشترك وجماعة الحوثي عن تشكيل لجنة تنسيق مشتركة بشأن مختلف القضايا على الساحة الوطنية. وقد عقدت لقاءات ضمت ممثلين عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وجماعة الحوثي هذا الأسبوع في محافظة صعدة وأكدا الطرفان في ختامها على تنفيذ بنود الإتفاق الموقع بينهما في شهر إبريل 2010م وعلى المزيد من فتح آفاق التعاون والتنسيق بما يخدم المصلحة الوطنية للبلاد. وأكد بيان مشترك صادر عن لقاءات الجانبين على أن حل مشكلات الوطن بمختلف جوانبها لن يتحقق إلا في إطار وطني عام ومن خلال مؤتمر وطني شامل لا يستثني طرفا ولا قضية بما في ذلك قضيتا صعدة والقضية الجنوبية، وقضية بناء الدولة وتحقيق المواطنة المتساوية، والشراكة في السلطة والثروة وحفظ وصون اليمن كيانا وهوية من كل عبث أو استهداف. وأكد البيان المشترك على اعتبار قضية صعدة قضية وطنية كبرى ، وجددا في هذا الصدد الدعوة إلى حلها -بكافة جوانبها في الإطار الوطني العام، ومن خلال مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده - حلاً شاملاً وعادلا لا يستثني جانبا من جوانبها بما يضمن طي ملف هذه الحرب وإزالة كافة مظاهرها وآثارها وفي المقدمة من ذلك إطلاق كافة المعتقلين والكشف عن المفقودين، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب وتعويض المتضررين تعويضاَ عادلا ، وتنفيذ كافة الاتفاقات الموقعة بما في ذلك اتفاقية الدوحة. وجدد البيان التأكيد على أن حل القضية الجنوبية بأبعادها السياسية والحقوقية هو المدخل لحل المشكلة الوطنية والأزمة القائمة ، مطالبين بوقف الإجراءات القمعية والملاحقات وعسكرة المدن واستهداف الناشطين والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين وإلغاء المحاكم الاستثنائية وحالة الطوارئ غير المعلنة. وبحسب البيان المشترك لممثلي الحوثي والمعارضة فإن اللقاءات تطرقت إلى مختلف القضايا الوطنية ومنها "قضية الأزمة السياسية المستفحلة جراء ممارسات السلطة وسياساتها الهوجاء، والتي حالت دون السير في طريق الحوار أو الانفراج في أي من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها اليمن". وإزاء الموقف المحتدم بين الحزب الحاكم والمعارضة ،أكد رئيس منتدى التنمية السياسية علي سيف حسن أن ما يعتمل على ساحة المشهد السياسي وموقف الأطرف السياسية من الانتخابات البرلمانية المقبلة بأنه مجرد " مناورات أكثر من كونها خيارات جادة. وتوقع أن يتراجع الطرفين عن مواقفهما بشأن الانتخابات والدخول في توافق سياسي يقضي بتأجيل الانتخابات بضعة أشهر، مبنيا توقعاته على تجارب ماضية وصلت فيها الأطراف إلى حافة الهاوية ثم يبدآن بالتراجع، مؤكدا إمكانية تراجع طرفي الصراع السياسي في أي لحظة عن خياراتهما التفرد والشارع. وقال رئيس منتدى التنمية السياسية في تصريح لموقع نيوزيمن إن الأمور الآن على حافة خطين متناقضين إما تنافس تعددي طبيعي وكل يذهب في طريقه ويلتقوا أمام الديمقراطية وإما انهيار المركز في صنعاء بكل مكوناته السلطة والمعارضة. محذرا من انهيار المركز وضعفه وانكماشه في حاله بمقابل قوة الأطراف وخروجها عن الخط العام إذا لم تعمل الأطراف السياسية إلى تقوية كليهما أو أي منهما لرفع حاملة التطور السياسي. وعن صوابية خيار الحاكم والمشترك، رجح (حسن) لجوءهم إلى الدخول في توافق سياسي حول قضايا برامجية لا يتعارض مع متطلبات الديمقراطية وليس تقاسما كما كان ينوي أن يتم ، لكنه اعتبر خيارات الطرفين وضعا طبيعيا، حيث يلوح المؤتمر بالذهاب وإلى الانتخابات للضغط على المشترك وتلويح المشترك بالذهاب إلى الشارع للضغط على الحاكم. من جانبه اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أبدى أسفه الشديد لغياب الثقة والتفاهم بين أطراف العملية السياسية في اليمن بشأن أزمة تعديلات قانون الانتخابات والاستفتاءات العامة.. ونبه الاتحاد إلى أن ما يحدث يساهم في مفاقمة الأزمات والمشاكل ويعيق برامج التنمية ويزعزع ثقة المواطن اليمني في النخب السياسية والحزبية. وحذر من جر البلاد إلى مسلسل آخر من التأزمات، داعيا كافة الأطياف السياسية إلى تغليب المصلحة الوطنية ووضع اليمن فوق كل اعتبار.. كما ناشد المعنيين عدم الانصياع للنزوات والمصالح الآنية الضيقة.. ورأى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أن الحوار الجاد والمسئول بين كافة الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي اليمني هو السبيل الأمثل لإيجاد الحلول على قاعدة المشترك العام بين جميع أبناء الوطن... حيث توضع مصلحة اليمن ووحدته وأمنه واستقراره وخدمة المواطنين وتنمية المجتمع فوق كل شيء.