تستمر الأزمة السياسية بين السلطة وأحزاب اللقاء المشترك في التصاعد إثر مضي الأولى في التحضير المنفرد للانتخابات النيابية القادمة وإعلان أغلبية الحزب الحاكم في مجلس النواب الموافقة من حيث المبدأ على التعديلات الدستورية التي من بينها إلغاء تحديد عدد الولايات الرئاسية وهو ما ينذر بدوامة حادة من الصراع السياسي . وفي الغضون تحدثت معلومات عن أن هناك خطوات مؤتمرية لحلحلة الأزمة ، حيث وجهت أمانته العامة رسالة إلى أمناء عموم أحزاب المشترك الممثلة في مجلس النواب تضمنت طلب الالتقاء بهم للتفاوض حول مقترحات لحل نقاط الخلاف بينهما. وعرض الحزب الحاكم في الرسالة على المشترك المشاركة في حكومة وحدة وطنية يكون مهمتها الإشراف على سير العملية الانتخابية ، وتقاسم لجان الانتخابات المختلفة والمشاركة بمناقشة التعديلات الدستورية . لكن المعارضة اشترطت إلغاء ما وصفتها ب"الإجراءات الانفرادية" التي أقرها مؤخراً حزب المؤتمر الشعبي العام والبدء في حوار وطني شامل. وكان البرلمان وافق أواخر الأسبوع المنصرم على عدد من التعديلات الدستورية تتضمن إلغاء المادة 112 المتضمنة تحديد فترة الرئاسة وإبقائها مدى الحياة، كما تضمنت تعديلات من شأنها أن تقلل من صلاحيات مجلس النواب وتعطي صلاحيات أكثر لمجلس الشورى وهي ما كانت مثار شد وجذب بين المعارضة التي كانت تشترط تنازلات تطال نظام الحكم وتقليص صلاحيات الرئيس. وبحسب التعديلات المقدمة من الحزب الحاكم فإن عدد الدوائر ستصبح 345 دائرة انتخابية 301 منها يتم فيها الانتخاب الحر والمباشر وتخصيص 44 مقعداً للنساء بالتعيين. وقد وافقت الأغلبية المؤتمرية على إحالة التعديلات الدستورية إلى لجنة خاصة برئاسة حمير الأحمر نائب رئيس مجلس النواب وضم إلى عضويتها اللجنتين الدستورية ولجنة تقنين أحكام الشريعة. هذه الخطوة أثارت ردود أفعال محلية وخارجية ، حيث قررت أحزاب اللقاء المشترك الشروع الفوري في تنفيذ الفعاليات الاحتجاجية بدءاً من شهر يناير الحالي، كما أعلن الاجتماع الاستثنائي لهيئات المشترك العليا وقيادات فروع المشترك بالمحافظات العام 2011 عاماً للنضال السلمي المتواصل حتى الانتصار لما أسموه بالحقوق المغتصبة، وحماية الإنجازات الوطنية المكتسبة. وعبر بيان صادر عن الاجتماع رفضه المعلن لكل "الإجراءات الانفرادية اللامشروعة المقوضة لمشروعية التوافق الوطني التي أسست لها اتفاقية فبراير 2009م ". وحذر البيان بشدة من "حماقة الإقدام على أية خطوات انفرادية تطال الدستور بالتغيير أو التعديل ، بما في ذلك التمديد أو التأبيد أو التوريث" وحمل السلطة وحزبها كافة النتائج والتداعيات المترتبة على مثل هذه المغامرة الانقلابية على الدستور ، باعتباره عقداً اجتماعياً عاماً يعني جميع أطراف الحياة السياسية في البلاد ، وليس لائحة داخلية للحزب الحاكم. وأكد البيان استمرار تواصله مع ممثلي الحراك السلمي في الجنوب ، و معارضة الخارج "بما في ذلك تفعيل اتفاقية القاهرة على طريق انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي لا يستثنى أحداً في موعده المحدد في الثلث الأول من العام 2011م ، باعتباره الطريق الآمن الوحيد للوصول إلى معالجات سياسية شاملة لأزمات اليمن المتفاقمة ، وبؤرها الملتهبة ، بما في ذلك المشكلات السياسية والانتخابية". وعرج البيان للحديث عن عسكرة الحياة المدنية في الجنوب محذراً بشدة من أية مغامرة عسكرية لتفجير الأوضاع هناك . وفي لهجة تهديدية لاستغلال مخالفات النظام الدستورية وإثارة الرأي العام في موضوع السيادة الوطنية تطرق البيان لما تضمنته الوثائق المنشورة في ويكيليكس قائلاً " لقد أثارت ولا تزال الوثائق السرية المسربة عن اليمن عبر موقع ويكيليكس ، الكثير من الوقائع الفضائحية التي تضع المتورطين فيها تحت طائلة المساءلة الدستورية والقانونية ، وعلى وجه الخصوص تلك الجرائم التي لها علاقة بشخصيات متنفذة في السلطة ، كجرائم القتل الجماعي والحروب الأهلية ، والتدليس على الشعب والبرلمان ، وممارسة التضليل والخداع ، ذات الصلة بشخص رئيس الدولة وكبار معاونية ، الذين وردت أسماؤهم في التقارير المنشورة حتى الآن". واستهجن البيان" الحملة التحريضية التدليسية البائسة عبر مختلف وسائل الإعلام الرسمية المرئية منها والمسموعة ، الممولة بالمال العام ، ضد أحزاب اللقاء المشترك وقيادتها السياسية ، والتي يتصدر لها الرئيس شخصياً ونائبه" بالمقابل دافع رئيس كتلة المؤتمر البرلمانية سلطان البركاني عن قرارات حزبه ، متهماً المشترك بالسعي لإسقاط النظام والانقضاض عليه. وقال البركاني إن الحزب الحاكم قدم للمعارضة كثيراً من التنازلات لكنها ضيعتها وتريد سقوط النظام والانقضاض عليه، منوها إلى أن المعارضة تقوم بالتحاور مع المتمردين والمخربين، وعدم احترام الدستور والقانون ". وأكد البركاني أن باب الحوار لا يزال مفتوحا أمام المعارضة، داعيا أحزاب المعارضة والمنظمات المدنية والمهتمين إلى الإدلاء بآرائهم حول التعديلات أثناء نقاشها في اللجنة الخاصة. أما الكتل البرلمانية لأحزاب اللقاء المشترك والمستقلين بمجلس النواب فقد أعلنت رفضها التعديلات الدستورية التي تقدم بها الحزب الحاكم إلى مجلس النواب واعتبرتها انقلاباً على النظام الجمهوري. وأكدت أن تلك التعديلات الدستورية ستكرس الاستبداد وتؤسس لنظام شمولي يرتكز على سلطة الفرد ويعيد اليمن إلى عهد ما قبل الثورة. وحملت كتل المشترك النظام السياسي وحزبه الحاكم المسئولية الكاملة "لارتداده عن الديمقراطية والنظام الجمهوري ومبادئ الثورة ومضامين وحدة 22 مايو المجيدة. وأكدت أن هذه التعديلات من شأنها أن تكرس سلطة الفرد وأن تقضي على ما تبقى من مبادئ الثورة والجمهورية، كما أنها تمثل قتلاً لمضامين وحدة 22 مايو في نفوس اليمنيين جميعا وخصوصا أبناء المحافظات الجنوبية الذين سيفقدون أي أمل في أي شراكة سياسية حقيقية. وتابعت "إن التعديلات الأخيرة ستؤدي إلى الاستحواذ الكامل على ثروات وخيرات الوطن والاستئثار بها لصالح فئة قليلة ولا تزال تعمل على إطالة عمر الظلم والاستبداد. وتعليقا على التعديلات المؤتمرية على الدستور دعا نواب المعارضة الشعب اليمني إلى استخدام كل الوسائل المشروعة لرفض تقويض الثورة اليمنية والانقلاب على النظام الجمهوري. وقال سلطان العتواني رئيس الكتلة البرلمانية للتنظيم الوحدوي الناصري إن الإجراءات التي يسير فيها الحزب الحاكم والمتمثلة في إلغاء نظام الفترتين الرئاسيتين وتأبيد المنصب لرئيس الجمهورية أمر ليس مستغرباً على الحزب الحاكم الذي استمرأ عملية ذبح الدستور. واستطرد: "في عام 95 تم تعديل الدستور بنظام الدورتين، وفي 2001 تم التعديل بنظام الدورتين 7 سنوات واليوم يريد إلغاء الفترتين والعودة إلى ما قبل 26 سبتمبر و14 اكتوبر وتأبيد الحكم لأسرة واحدة لكن هذا ما يرفضه شعبنا". من جهته قال علي عشال "كنا نظن أن التعديلات الدستورية الجديدة ستستوعب المشكلات الموجودة في البلاد وأبرزها الاحتقان الموجود في الجنوب. وأضاف: "الرسالة التي حملتها هذه التعديلات مفادها لأبناء الجنوب أنكم دخلتم في دولة الوحدة كحفنة من البشر تم ضمهم كما يضم المتاع، فبعد الانقلاب على دستور الوحدة الذي كان القرار الرئاسي فيه قرارا جماعيا فإنهم اليوم يكرسون سلطة الفرد ..فماذا بعد نزع العداد إلا تأبيد الحكم وتوريثه.. فهل المطلوب من أبناء المحافظات الجنوبية الذين سدت الطريق أمامهم أن يناضلوا مئات السنين كسود أمريكا حتى يأتي أوباما الجنوبي إلى الحكم". وتأكيداً على مضي الحاكم نحو إجراء الانتخابات بدون المعارضة أعلنت وزارة الداخلية عن خطة أمنية مبكرة لتأمين الانتخابات النيابية,وقالت الداخلية إن إدارات الأمن بالمحافظات وأمانة العاصمة بدأت بإعداد الخطط الأمنية الخاصة بتأمين وحماية الانتخابات النيابية القادمة التي ستجري في أبريل القادم. وتصر السلطة على المضي في الانتخابات النيابية رغم مقاطعة أحزاب المشترك وتهديد الحراك الجنوبي بإفشال الانتخابات. وذكر مركز الإعلام الأمني أن إدارات الأمن في المحافظات بدأت بإعداد الترتيبات لإنجاح الاستحقاق الديمقراطي القادم من خلال إعداد الخطط الأمنية الهادفة إلى إيجاد مناخات آمنة مرافقة للعملية الانتخابية ولمواجهة أي إخلالات أمنية محتملة. وقال إن الخطط الخاصة بالانتخابات ستعكس الخصوصية الأمنية لكل محافظة, بالإضافة إلى الإجراءات المساعدة لحماية المقرات واللجان الانتخابية, وكذا حماية الناخبين وسلامتهم إلى جانب الحفاظ على السلم الأهلي والسكينة الاجتماعية خلال العملية الانتخابية في مختلف محافظات الجمهورية وبما يضمن تطور الممارسة الديمقراطية في المجتمع. ووقع المؤتمر في مواجهة ضغط خارجي بضرورة التوافق السياسي مع المعارضة لكنه رفض الانصياع لبعضها ومن ذلك أن أعلن رفضه طلب الولاياتالمتحدة تأجيل الإجراءات الخاصة بتعديل الدستور، معتبرا طلبها تدخلا في الشؤون الداخلية. وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية دعت إلى تأجيل جلسة البرلمان السبت الفائت والتي حددت للتصويت على تعديلات دستورية بصورة انفرادية ووسط مقاطعة المعارضة لجلسات البرلمان، مرحبة في الوقت نفسه - بما قالت انها - جهود للحكومة لإعادة التفاوض مع المعارضة. وقال بيان صادر باسم الولاياتالمتحدةالأمريكية الجمعة الماضية "إن الولاياتالمتحدة تابعت التقارير المتعلقة بالقرار الواضح لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن بالتصويت على حزمة من الإصلاحات الدستورية خلال جلسة برلمانية". وأضاف البيان "لقد قمنا باستمرار في السابق بالترحيب ودعم التزامات كل من الحكومة والمعارضة لمعالجة القضايا المتعلقة بالإصلاحات الدستورية وإصلاحات انتخابية أخرى عبر الحوار الوطني ". وتابع البيان الذي عمم على جميع دوائر القرار الأمريكية "لا نزال نعتقد انه سيتم خدمة مصالح الشعب اليمني بأفضل صورة عبر عملية المفاوضات ونرحب في هذا السياق بالتقارير التي تشير إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح قرر تعيين فريق جديد من الحزب الحاكم لاعادة الانخراط مع المعارضة في جهد جديد للتوصل إلى نتيجة مقبولة من الجانبين". وشدد البيان على انه "لهذا السبب فاننا ندعو بصورة عاجلة كافة الأطراف إلى إرجاء التحرك البرلماني والعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يرحب به كل من الشعب اليمني وأصدقاء اليمن". لكن المؤتمر الشعبي العام وعبر مصدر قيادي في كتلته البرلمانية عبر عن أسفه الشديد لموقف الخارجية الأمريكية من التعديلات الدستورية. وقال:" الجميع يعلم ومنهم الأصدقاء الأمريكيون أن البرلمان اليمني يعمل وفق نصوص دستورية وقانونية ملزمة له ولكافة إجراءاته". مؤكدا أن ما يتخذه مجلس النواب من إجراءات دستورية وقانونية ينطلق من إرادة الشعب ومصلحته العليا وليس وفق رغبات أو أهواء خارجية باعتبار المجلس يمثل الشعب اليمني بأكمله. واعتبر المصدر المؤتمري مضمون طلب الخارجية الأمريكية تأجيل التصويت على التعديلات الدستورية تدخلاً في الشؤون الداخلية للشعوب ومساساً بالسيادة الوطنية باعتبار البرلمان في أي بلد يمثل إرادة الشعب وخياراته. لافتا إلى أن هذا الطلب يفتقد الحصافة ولا يرقى إلى مستوى المسؤولية والتعامل الدبلوماسي. وجدد المصدر ترحيبه باستمرار الحوار السياسي الوطني بين مختلف القوى السياسية لما فيه مصلحة الوطن العليا ومستقبل أجياله.