تتجه الاوضاع في البلاد نحو مزيد من التردي وذلك على عكس ماكان متوقعا ان يؤدي التوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل اللجنة العسكرية وحكومة الوفاق الوطني إلى التهدئة على الارض، وهو مالم يتم بل إن حدة التصعيد عادت إلى الواجهة مع تجدد المواجهات في حي صوفان وانتقال التظاهرات إلى المؤسسات المدنية والعسكرية. ها نحن للتو ولجنا العام الميلادي الجديد 2012م ولا زلنا نحمل تركة ثقيلة لأحداث العام المنصرم، فالثورة الشبابية الشعبية أنتهت إلى تسوية سياسية قد تمثل طريقا رابعا لثورات الربيع العربي إن نجحت في نقل السلطة بشكل سلمي ولم يعترض طريقها أي اعتوار، خاصة بعد أن عمقت الأزمة الانقسام السياسي والعسكري والمذهبي وفاقمت حجم الدمار والفقر والبطالة. لا تزال تحديات تطبيق مبادرة الخليج وآليتها التنفيذية التي وقعت في23 اكتوبر تفرض نفسها بقوة على الواقع ويمتزج المشهد السياسي بخليط من الأمل والتشاؤم في آن واحد, ما قد يفرض الغموض علي الشهرين القادمين اللذين يسبقان إجراء انتخابات رئاسية تبدو صورية لأنها توافقت علي تسليم السلطة من الرئيس علي عبد الله صالح إلي نائبه عبد ربه منصور هادي. المتفائلون يستندون على ما تحقق حتى الان ..فحكومة الوفاق الوطني شكلت مناصفة وقدمت برنامجها إلي البرلمان الذي عادت إليه الروح مرة أخري بعودة نواب المعارضة إليه، وشكلت اللجنة العسكرية العليا لإعادة الأمن والإستقرار وإزالة المظاهر المسلحة، وهي تطورات تبعث جميعها علي التفاؤل الحذر لكن المتشائمين يرون ان هناك المزيد من التطورات السلبية الحاصلة في الشارع تهدد بإعادة إنتاج التوتر والمواجهات من جديد أقلها صعوبة إخلاء الأحياء السكنية من المسلحين ومنها الحصبة فضلا عن استمرار المظاهرات المطالبة بمحاكمة الرئيس والأخرى في المؤسسات المطالبة بإقالة قياداتها واستمرار التصعيد في الخطاب الإعلامي للمعارضة والمؤتمر. وزير الخارجية أبو بكر القربي يقف على رأس المتفائلين بالقادم، وقال الاثنين الماضي إن العد العكسي لانتهاء الأزمة السياسية قد بدأ عبر تنفيذ آلية المبادرة الخليجية الذي يتم بشكل ممتاز. وتحدث القربي في تصريح صحفي عن الإعداد حاليا للانتخابات الرئاسية يوم 21 فبراير المقبل، منتقدا المطالبين بمحاكمة الرئيس علي عبد الله صالح. وأكد القربي أن المظاهرات المطالبة بمحاكمة صالح لن تصل إلى شيء، وطالب المشاركين فيها بالعودة إلى أعمالهم والمشاركة في تنمية وبناء اليمن بعيدا عن الفوضى، حسب قوله. وتدور اتهامات متبادلة بين حزب المؤتمر الشعبي, واحزاب اللقاء المشترك حول خروقات في جدار المبادرة الخليجية أججها بشكل قوي موجة مظاهرات فئوية داخل المؤسسات الحكومية وبعض القطاعات العسكرية والأمنية للمطالبة بإقالة رؤسائها المحسوبين على حزب المؤتمر نظرا لفسادهم. ومثلت البداية الأشد لتبادل الاتهامات إثر خروج مسيرة الحياة الراجلة من تعز التي انتهت لدى وصولها إلي صنعاء بمواجهات مأساوية سقط فيها العشرات من الشباب بين قتيل وجريح وقال المؤتمر إن المشترك هو من سيرها رغم نفي الأخير. وهدد حزب المؤتمر الشعبي العام، بعدم دخول الانتخابات الرئاسية المبكرة التي دعت إليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية مشترطا تنفيذ كامل بنود المبادرة " بحذافيرها " .وقال الامين العام المساعد للمؤتمر سلطان البركاني إن المضي للانتخابات الرئاسية مرتبط بتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها بحذافيرهما، مؤكداً بأنه لا يمكن إجراء انتخابات في ظل استفزازات وخروقات. ويتهم المؤتمر احزاب اللقاء المشترك وأنصارها بما يصفه "بالاعتداءات المتعاقبة علي مؤسسات الدولة والممارسات الاستفزازية بهدف خلق الفوضي الهمجية وتعطيل الأعمال والإضرار بالمصلحة العامة ومصالح المواطنين في عملية مكشوفة وبخطة فوضوية تستهدف في جوهرها ضرب الأركان الأساسية التي تقوم عليها مرحلة الوفاق الوطني وعرقلة الخطوات المطلوبة عاجلا لمواصلة السير قدما في تنفيذ مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وإفشال أعمال وخطة اللجنة العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار والوصول بها إلي طريق مسدود من خلال عدم الالتزام بإزالة المتارس والنقاط وإخلاء العاصمة من القوة العسكرية والعناصر المسلحة فضلا عن الاعتداءات علي مقرات المؤتمر الشعبي العام كما حدث في بعض دوائر محافظة تعز والدائرة12 في أمانة العاصمة من قبل عناصر عدوانية تابعة للفرقة الأولي مدرع". وبحسب المعلومات فقد زاد إسقاط مسئولي المؤتمر والمحسوبين على الرئيس في عشرات المؤسسات من حدة الخلاف بين النائب والرئيس والذي اتهمه في اجتماع للجنة العامة منتصف الأسبوع الفائت بأنه موافق على مثل هذه الإجراءات. وفي لقاءات عدة لقادة المؤتمر طرح البعض مقترحات بمواجهة ما يحدث بطريقة قمعية يتم فيها حشد المناصرين للوقوف في وجه المنتفضين ضد رؤساء المؤسسات الحكومية. وشدد الرئيس في لقاء بقيادات حزبه وحضور عبدربه منصور هادي مطلع الأسبوع الجاري على أنه لايمكن بأي حال من الأحوال السماح بانهيار المؤسسات ومرافق الدولة التي بُنيت منذ أكثر من 49سنة ، وطالب بوضع "حد للفوضى السائدة التي تنمو وتتطور يوماً بعد يوم في بعض الوزارات والمؤسسات حتى وصلت الى بعض الدوائر في القوات المسلحة والوحدات وايضاً الاجهزة الأمنية". وهدد في حال عدم توقف ما اسماه بالفوضى بالبحث عن طرق أخرى. وخاطب صالح المشترك قائلا: قد كنت في المعارضة استمر في المعارضة اما تأتي للسلطة تعمل شلل في المؤسسات والوزارات التي فيها المؤتمر وحلفاؤه ووزاراتهم ما أحد يقر بها.. اذا استمريت في التمادي سيقع كلام ثاني في كل الوزارات والمؤسسات " مؤكدا أنه ليس مع هذاالاجراء. ووجه صالح نقدا وتوبيخا للمسؤولين في السلطة المحلية واعضاء البرلمان من حزبه لعدم تحملهم المسؤولية في مواجهة ما يجري وخاطبهم: "انا ماناش شرطي معك او موظف مع المحافظ وإلا مع عضو مجلس النواب أنا مش بوليس.. يا إما وأنت تنتمي الى هذا التنظيم بقناعة وشجاعة وتتحمل مسئوليتك مع كل الكوادر وتواجه التحدي بالتحدي .. ايش دورك؟ تدخل في الفائدة وتخرج من الخسارة، اصدرت بك قراراً جمهورياً كمحافظ وإلا وزير وإلا رئيس مصلحة وإلا رئيس مؤسسة وانت مش قادر.. ياتنظيم ونشتغل.. يا يجتثوكم كما اجتثوا حزب البعث في العراق مع سلامة الله.. سيروا سيروا واحد ينتمي للناصري وواحد لحركة الاخوان المسلمين". وكان المؤتمر الشعبي ذكر أن الرئيس صالح تراجع عن خططه لمغادرة البلاد إلى الولاياتالمتحدة، وقال خلال اجتماعه بمسؤولين في الحكومة ومجلسي النواب والشورى إنه قرر البقاء بالبلاد. وتتوسع كل يوم دائرة الانتفاضات داخل المؤسسات المدنية والعسكرية المطالبة بإقالة الفاسدين ومحاسبتهم على تعسفهم بحق الموظفين وسوء استغلال الوظيفة. فقد انتقلت الثورة من حالتها المظهرية العامة إلى دورتها التنفيذية في شكل انتفاضات فئوية مصغرة داخل مؤسسات حكومية، تغطي عواصم محافظات البلاد منذ أسبوعين، وبدا أنها تنتشر بسرعة مذهلة. لنسرد بعضاً من تلك الانتفاضات التي يقودها الموظفون في مؤسساتهم حيث يتعسف الرؤساء ويعبثون كما يحلو لهم: كلية الطيران والدفاع الجوي، طيران اليمنية، دائرة التوجيه المعنوي للجيش والأمن، مؤسسة الثورة للصحافة ،المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، جهاز الرقابة والمحاسبة، إذاعة صنعاء، المباحث الجنائية، الكلية البحرية،النجدة، جامعة صنعاء، هيئة النفط والمعادن، مكتب التربية ومؤسسة المياه، إدارة شؤون الأفراد بوزارة الدفاع، ميناء المخاء، ميناء الحديدة، مؤسسة الكهرباء بالحديدة. وفيما يعد هذا الاسبوع الثاني لثورة المؤسسات فقد افتتح بموجة جديدة من الاحتجاجات الثورية التي تجتاح فساد المؤسسات الحكومية ،حيث تنوعت مطالب المحتجين بين مطالب بإقالة ومحاكمة رؤساء مؤسساتهم وبين مطالب بإصلاحات إدارية ومالية. ففي صنعاء انطلقت اعتصامات لموظفي الزراعة والهيئة العامة للبريد ومجمع الإصدار الآلي بالجوازات وكهرباء القاع للمطالبة بتغييرات إدارية، ويواصل عمال وموظفو مطابع الكتاب المدرسي اعتصامهم مطالبين بإقالة المدير التنفيذي "أبو حورية"، وكان قد تم إحراق بعض خيامهم مساء أمس الأول من قبل بلاطجة تابعون ل"أبو حورية" ومجموعة من أفراد شرطة النجدة استقدمهم ضابط أمن المؤسسة ويعتصم ضباط وأفراد إدارة أمن محافظة صنعاء بنادي ضباط الشرطة مطالبين وزير الداخلية بإقالة مدير الأمن محمد طريق ومحاسبته. ويشهد الأمن المركزي الذي يقوده يحيى محمد صالح احتجاجات واسعة تطالب بمستحقات مالية. لقد استطاعت هذه الانتفاضات المطلبية حتى الآن توقيف عدد من رؤساء تلك المؤسسات من بينهم على سبيل المثال رئيس مجلس إدارة «اليمنية» عبدالخالق القاضي ورئيس دائرة التوجيه المعنوي علي حسن الشاطر.. الأول تربطه علاقة مصاهرة بالرئيس علي عبدالله صالح والثاني أحد أكثر من عملوا في خدمة نظام صالح بإخلاص فريد. والاثنان يرمزان بعناية فائقة إلى التسلط الإداري المطلق وتعسف حقوق الموظفين وإذلالهم. وعلى الرغم من ذلك إلا أنه أمكن تجريدهما من سلطاتهما التي تصرفا بموجبهما كأسوأ ما يمكن التصرف. وفي حال تأطرت هذه الانتفاضات الفئوية في عملية تصحيح مستقيمة بعيدة عن الغوغائية فستشكل أفضل ثمار الانتفاضة الشعبية على المدى القريب دون الحاجة إلى مقايضة كما في الحالات المحكومة بالسياسة. ما يزيد من غضب وجنون المؤتمر أن خطابات الرئيس علي عبدالله صالح الناقدة للمعارضة وحشود انصاره لم تعد تجد طريقها إلى الناس عبر الإعلام الرسمي الذي تخفف من تمجيده أو الترويج لتوجهات المؤتمر الشعبي العام. الخميس الماضي صدرت صحيفة الوحدة الصادرة عن صحيفة مؤسسة الثورة الرسمية ويرأسها حسن عبد الوارث الذي قدم استقالته نتيجة للأحداث، وتم تكليف يحيى العابد الموالي لصالح وحاول العابد لأكثر من مرة إيقافها بالقوة باستخدام مسلحين إلا أنها صدرت منحازة للشعب بخطاب ثوري لا يسب أحدا ولا يمدح أحدا بل هي المهنية. واصبح الخطاب في القنوات الرسمية يتناسب مع مرحلة "التوافق" حيث لم تبث القنوات الرسمية جمعة المؤتمر الشعبي العام في السبعين التي أطلق عليها "وإن عدتم عدنا". وعلى صعيد آخر الأننشطة للعام المنصرم 2011 فقد أسدل اليمنيون الستار على هذا العام الذي شهد انتفاضة ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، باحتشادهم الجمعة في ميادين وساحات الحرية والتغيير بمختلف محافظات الجمهورية. واختتم شباب الثورة عام 2011م، بإحياء جمعة «معاً لتحقيق أهداف الثورة»، للتأكيد على سيرهم في«التصعيد الثوري»، لإسقاط كامل نظام صالح ومحاكمته وأفراد عائلته وبناء يمن جديد ينشدونه. واحتشد بشارع الستين بصنعاء مئات الآلاف من شباب الثورة، دعوا خلالها إلى مواصلة السير لتحقيق أهداف الثورة، ومحاكمة رموز النظام، ورفضهم منح صالح النظام. وركز خطيب الجمعة النائب مفضل الأبارة على الاختلافات الأخيرة التي شهدتها ساحات التغيير، قائلاً «إن نظام صالح فشل وسيفشل في شق صف الثائرين، والثوار منتصرون بنبل الأعمال والأهداف والغايات، ونقول لهم ما عجزتم عن أخذه يوم قوتكم لن تأخذوه يوم ضعفكم، ولو استطاع صالح أن يتحالف مع الجن والإنس فانه مهزوم و منكسر، وأنتم منتصرون بنبل ثورتكم وسمو أعمالكم وأهدافكم وغاياتكم». وطالب في خطبته عبده ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق «بسرعة القبض على من قتلة شباب مسيرة الحياة»، مضيفا «نقول لهم ...الشعب اليمني أقسم ... لن يتنازل عن قطرة دم». وفي العاصمة صنعاء أيضاً، احتشد أنصار حزب المؤتمر بجامع الصالح فيما أطلقوا عليها اسم «جمعة وإن عدتم عدنا»، والتي شهدت ولأول مرة توقف القنوات الرسمية عن بثها. وقال الشيخ سلطان البركاني الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام إن أحزاب اللقاء المشترك لم تلتزم بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهو ما دفع المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني إلى العودة إلى الشارع. وكان حزب المؤتمر قد أعلن عودة أنصاره للاحتشاد بعدما كان قد أوقف تلك الاحتجاجات بداية الشهر الماضي «لتهيئة العمل لحكومة الوفاق الوطني». بحسب بيان سابق للحزب، لكنه سرعان ما عاد الخميس الفائت لدعوة أنصاره للاحتشاد مجدداً. كما شهدت محافظات يمنية عدة إحياء مئات الآلاف من شباب الثورة لجمعة «معاً لتحقيق أهداف الثورة». يأتي ذلك في وقت عادت المواجهات بشكل متقطع إلى حي الحصبة ومنطقة صوفان بالعاصمة صنعاء بين القوات الحكومية وانصار الشيخ الأحمر، في حين اتهم القائد العسكري المنشق علي محسن الأحمر الرئيس علي عبد الله صالح بالسعي إلى الانقلاب على اتفاق المبادرة الخليجية لانتقال السلطة. وتحدث بيان صادر عن قيادة أنصار الثورة وعلى رأسها علي محسن الأحمر عن تعزيزات عسكرية متواصلة لقوات صالح وتجنيد غير قانوني للآلاف في الحرس الجمهوري والأمن المركزي واغتيالات لمنتسبي الأمن السياسي قال البيان إن الأمن القومي يقوم بها. كما أشار البيان إلى ما أسماها محاولات النظام فرز أبناء القوات المسلحة بطريقة "مناطقية فجة ومستهجنة"، مضيفا أن صالح أصدر تعليمات بتوزيع كميات كبيرة من الأسلحة على "البلاطجة". من جانبه دان المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية استهداف منزل الشيخ حمير بن عبد الله الأحمر، نائب رئيس مجلس النواب، وكذلك استمرار قصف أرحب وسقوط ضحايا جراء تلك الاعتداءات التي وصفها ب"العدوانية". وأكد مجلس قوى الثورة أن مثل تلك الاستفزازات المتواصلة الهدف منها تعطيل مسيرة الوفاق الوطني، مؤكدا في السياق ذاته حرصه على عدم الانجرار إلى مربع العنف "الذي ما فافتئت بعض الأطراف تهيئ له في محاولات بائسة للهروب من استحقاقات تنفيذ الآلية التنفيذية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وقرار مجلس الأمن الدولي".