كتب/يحيى عسكران يبدو أن العمليات العسكرية التي نفذتها الطائرات الحربية الأسابيع الماضية ضد عناصر تنظيم القاعدة بمحافظتي ابين وشبوة واستهدفت قتل عشرات الإرهابيين حسب مصدر اللجنة الأمنية العليا، أبرزهم زعيم التنظيم ناصر الوحيشي ونائبه السعودي سعيد الشهري، حركت المياه الراكدة لتلك العناصر لاستعادة قواها وظهورها بشكل غير مسبوق في بلد يفتقر للكثير من الإمكانيات لمواجهة التحديات والأزمات التي تعصف به من مختلف الجوانب. ولعل الظهور المفاجئ لتنظيم القاعدة في بعض المحافظات اليمنية بالتزامن مع حراك الجنوب يفتح جبهة أخرى كانت اليمن في غنى عنها نظرا لانشغال القيادة السياسية والحكومة بالحرب الدائرة في صعدة وحرف سفيان مع عناصر التمرد الحوثية والتي اندلعت في أغسطس آب الماضي، ما يكشف خطورة الوضع القائم والقادم على الساحة الوطنية في ظل غياب دور الأحزاب والتنظيمات السياسية والمجتمع المدني لاحتواء الصراع والفتن وإيجاد مخرج حقيقي يُعيد للبيت اليمني تاريخه ونضاله ضد الغزاه والعتاولة المتآمرين . وبالنظر الى تجربة اليمن خلال السنين القليلة الماضية تجاه الحرب على الارهاب فإنها استطاعت وبشهادة الجميع أن تنجح في إعادة بعض المتشددين دينيا والمتطرفين عقائديا الى رشدهم عبر اتباع أسلوب الحوار الفكري الذي حقق تقدما ملموسا في إيقاف بعض العمليات الإرهابية للمصالح والمنشآت الوطنية والأجنبية بما لا يدع مجالا للشك على حرص الحكومة على حقن الدماء والأرواح واستتباب الأمن والاستقرار وايجاد تنمية شاملة. غير أن سياسة الحوار التي سلكتها الحكومة لفترة لم تعد مجدية لإقناع المتطرفين بالتخلي عن أفكارهم الغوغائية، فلجأت الحكومة الى استخدام أسلوب جديد يتناسب مخططات القاعدة بالضرب بيد من حديد على أولئك المرتزقة الذين جندوا أنفسهم للشيطان وخانوا دينهم وعقيدتهم ووطنهم لمصالح قوى خارجية تريد النيل من وحدة الوطن وأمنه . وهذا اللجوء الإضطراري في رأي الكثيرين يكشف مدى قدرة السلطة على مواجهة ثالوث الشر بثقة تامة حتى وإن خاضت حربا طويلة معهم لاستئصال شأفة المتآمرين والمتمردين واجتثاثهم وتطهير أوكارهم وأماكن تحصيناتهم. وما بين التمرد الحوثي في صعدة وحرف سفيان وامتداده إلى مناطق بالجوف، إلى الحراك الانفصالي في جنوب الوطن وتنظيم القاعدة، يظل أبناء اليمن يدفعون فاتورة الحساب على ذمة صراع إقليمي خارجي وبسط نفوذ اجنبي واستعراض عضلات الدول النووية للسيطرة على المنطقة وإدخالها في دوامة عنف مع جماعات إرهابية أيا ً كانت مسمياتها لإثارة الفتن وإقلاق سكينة المجتمع وزعزعة امن الشعوب والسعي لتحويل ساحاتها الى أفغنة وصوملة دولة بعد أخرى. لذا فإن المماحكات القائمة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية لأكثر من سنتين ساهمت في زيادة الطين بلة وتفجًر الأوضاع من كل الزوايا، ما يضع الجميع امام مسؤوليات جمًة تجاه الوطن الذي صار ضحية خلافات حزبية لا مقام لها في القاموس المحيط "إن جاز القول " ولا حتى في شريعة محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام . وما ظهور تنظيم القاعدة مؤخرا بشكل علنًي إلا مؤشر خطير لتقسيم اليمن وتمزيق وحدته وضرب مشاريع التنمية التي تعم فائدتها الجميع،من خلال اشعال فتيل أزمة في الشمال " شيعية حوثية " وفي الجنوب " سلفية قاعدية حراكية جهادية " خاصة وأن دعوة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح لكافة التنظيمات والاحزاب الى طاولة الحوار تحت قبة مجلس الشورى جاءت في وقت متأخر .. ما اعتبره البعض تهربا واضحا من قبل السلطة لتحمل مسؤوليتها إزاء ما يجري والبحث عن حلول ناجعة لقضايا الوطن الجوهرية. وما يؤخذ على الحكومة ووزارة الداخلية تحديدا تساهلهما مع الإرهابيين الذين فرًوا من السجون الأمنية في الأعوام الماضية، رغم تلقي بعضهم جرعات توعوية في وسطية واعتدال الدين ومخاطر الغلو والتطرف،بيد أن هذه المسألة تثير الحيرة والشك لدى كثيرين لمعرفة هل فرًوا فعلا أم فرًروهم مقابل تعاهدات أو ضمانات . وعلى هذا كان لزاما على القيادة السياسية والحكومة بعد فرار بعض عناصر تنظيم القاعدة تفعيل دور الأجهزة الأمنية بما فيها الأمن القومي والسياسي وتوفير الدعم الكافي لمنتسبيها لرصد تحركات القاعدة ومتابعة انشطة الخلايا النائمة من العناصر الحوثية والمتآمرين من هنا وهناك وكشف نواياهم الخبيثة تجاه الوطن . كما يجب عليها المسارعة لاجراء تغييرات جذرية تساعد في الحد من الفساد القائم في مؤسسات الدولة واجهزتها الحكومية، وإعادة الأراضي التي نهبت الى اصحابها والشروع في بناء مشاريع استراتيجية وحيوية تعم أرجاء الوطن دون استثناء وكذا استيعاب الشباب عبر برامج وخطط تنموية تسهم في استيعاب البطالة وإشراك كل فرقاء العملية السياسية في الحوار المنتظر لعودة المياه الى مجاريها .. وكيفما كنتم يولى عليكم.