كتب/ عبدالعزيز البغدادي إلى روح الشهيد محمد أحمد نعمان .. إلى أرواح كل شهدائنا في شمال اليمنوجنوبها وكل ضحايا الحروب في اليمن دعوة مخلصة صادقة لإحلال السلام في ربوعنا وإيقاف الحروب العنصرية التي أشعلت نيرانها منذ ألف عام في بلادنا دعوة للأخوة والمساواة فلا زيدية ولا شافعية ولا هاشمية ولا قحطانية ولا شمال ولا جنوب بل يمن واحد وشعب واحد" - محمد نعمان إن البغضاء تلوث، كل نسمة من نسمات الهواء الذي ينفذ إلى صدورنا وذاكرتنا مشدودة متوترة كزناد بندقية ضغطته اصبع يحكمها الحقد - كاسي - الشاعر الكاميروني المعاصر هذه الكلمات من مقدمة كتاب محمد أحمد نعمان (أسرار الانقلابات اليمنية التاريخ الآثم الذي صدر عام 1961م هي دعوة تمتلك عنصر الخلود وأرى أنها ليست بحاجة لتحديد بداية الحرب العنصرية وإن كان للكاتب المناضل محمد نعمان أسباب الموضوعية لتحديد هذه البداية بألف عام فعند تاريخ كتابة الكتاب وهذه الأسباب، الموضوعية كانت وجيهة ومبررة حينها. ولهذا فإن قراءتنا لهذه النظرة أو الفكرة تكون إلى حد كبير بالعنصر التاريخي فالتاريخ الذي تحركه العنصرية هو لب المسألة هنا. لكن القضية -أي قضية الحرب العنصرية- ما تزال حية موضوعيا وإن اختلف الظرف التاريخي؛ أي بعد أكثر من ألف عام أو ألف وأربعمائة عام. الموضوع إذا أو لب المأساة هو أساس الحرب او سببها أو دافعها، فإن بنيت على العنصرية فإنها حرب ملوثة وأحسب أنه لا توجد حرب نقية، كل الحروب ملوثة إلا حروب مقاومة الاحتلال أو الظلم التي تفرض نفسهاعلى من يدافع عن نفسه ووطنه وأهله. ومن المؤكد أن كل حرب في ظاهرها لا تشن إلا تحت غطاء من هذه الأغطية. لا يوجد في تاريخ الحروب حرب شنت إلا تحت شعار مشروع ونبيل مهما كانت الحقيقة خلاف ذلك. وفي تشخيصه لأحداث اليمن يرى محمد أحمد نعمان أن الظاهرة البارزة فيها "لجوء الأطراف المتنازعة لحكم الموت ينفذه كل طرف في الطرف الآخر فور التمكن منه. ولما كان التفاوت ثابتا بين الغالب والمغلوب في القدرة على إيضاح الحقيقة أو طمسها، وكانت السلطة في اليمن أقوى مراسا من الشعب في هذه المعارك فقد استطاعت -وهي المتغلبة في الأحداث التي تمت حتى الآن- أن تثير شيئا من الاستنكار للمحاولات الدموية التي تكررت منذ عام 1948م من قبل الشعب دون أن يلتفت الآخرون لأساليب السلطة ودورها في استخدام حكم الموت من جانبها ضد الشعب. ويؤكد محمد نعمان أن الاتجاه لحكم الموت كأساس للتفكير في التقدم ليس هو الأسلوب السوي الذي تستهدفه طلائع الشعب اليمني بحال من الأحوال بل إن الحركة الشعبية في اليمن لم تقم في أساسها إلا لتحقن الدماء التي بدأت تراق على يد الإمام يحيى الذي اغتال شيخ الإسلام محمد جغمان ورفيقه الشدقي ومصلح مطهر ثم آل أبي دنيا وأشاع الخراب والدمار باستخدام النسف والاغتيال المختلف الأشكال والقضاء على ذوي الآراء الحرة وطلائع الشعب التقدمية التي أرادت أن تضع سدا عاليا في وجه الدماء اليمنية البريئة التي فاضت بها الحروب الأهلية الطائفية منذ اثني عشر قرنا. ويخلص نعمان إلى أن الحرب أو العنف المشروع إنما يكون نتيجة منطقية للظلم والاستبداد، أي محصلة له وبذلك فإن المقتول من الحكام الظالمين المستبدين هم أنفسهم القتلة. هذا الاستنتاج البديهي يساوي ما أطلقته بعض المقولات مثل (من زرع حصد) (لكل فعل رد فعل) (بقدر المقدمات تكون النتائج) (الجزاء من جنس العمل) (البادئ أظلم). مثل هذه المقولات القواعد تصب في مصب واحد هو ضرورة ربط السبب بالمسبب، طبعا بفعله الدنيوي وليس بالمفهوم الوجودي الأعمق الذي يتناول الوجود والموجد. الثورات المسلحة سببها الاستبداد وعدم إمكانية إصلاح الأوضاع عن طريق الدعوة الإصلاحية والتنوير وسد الأفق أمام الآراء الحرة الداعية إلى التغيير أو عدم الاكتراث بما تدعو إليه من إصلاح للأوضاع بالطرق السلمية الداعية والصادقة. ما يتناوله محمد أحمد نعمان في كتابه القيم الذي أشرنا إليه إن كان قد جدد عمر الحروب العنصرية بألف عام أو ألف ومائتي عام أو يزيد أو ينقص فإن هذا التحديد الزمني يرجع إلى نموذج عنصري محدد في نظره ونظر الأحرار حينها هو نموذج الإمامة المستبدة في اليمن وهو تحديد واقعي انطلاقا مما استند عليه من وقائع ومعطيات حينها فهل انتهت الحروب العنصرية أو انقطعت أسبابها؟! لو كانت الإجابة عن السؤال بنعم فهذا معناه أن الحياة قد وصلت إلى منتهاها وأغلقت أبوابها ولكن واقع الحال أن الحياة مستمرة وباستمرارها نرى الخير والشر يسيران في خط متواز يتسابقان بفعل الخيرين والأشرار الذي يصنعون التاريخ بكل تفاصيله وتاريخ كل إنسان أو جماعة يعكس مسلكه في الحياة ومن يصنع التاريخ حقيقة ليس من يكتبه. صناع التاريخ العظيم هم ذوو المنجزات التاريخية العظيمة والممارسات الإنسانية التي تترك أثرها على أرض الواقع وفي النفوس. إذا فالحرب العنصرية لا تزال مستمرة والحروب القذرة لا تزال كذلك معاشة بكل أنواعها الحامية والباردة، حرب الصواريخ والطائرات والباروت أو حرب لقمة العيش والظلم والاضطهاد والفساد.. والحكمة اليمانية المحكية عن علي بن زايد تقول: يقول علي ولد زايد: الحرب حامي وبارد في بارده ضرب بالسيف والحار حرب الموائد). والحرب العنصرية شكل من أشكال الحروب القذرة ربما تكون بدأت كمال قال الأستاذ الشهيد محمد أحمد نعمان قبل ألف عام وربما قبل ألف وأربعمائة عام أو يزيد وهي مستمرة وإن اتخذت أشكالا جديدة. واليمنيون لا يزالون على موعد معها بل ويعيشها الجميع لان زمام أمرها كما يبدو قيد التخلف ولا يزال قابلاً للارتهان لعناصر الاستبداد في الداخل المرتهنة لعناصر الاستبداد في الخارج. لا بد من وقفة وطنية جادة تنهي عوامل الارتهان وتجعل الشعب فعلا سيد نفسه وغير قابل لأن يجر إلى دورات العنف والأزمات والحروب.