كتب/أ.د. محمد عبد الكريم المنصوب ما أعنيه هنا هو عالم الفناء المحتوم والذي لابد منه وعالم فناء مأثوم يمكن تجنبه وبين هذا وذاك يدور حديثي هنا. أما عالم الفناء المحتوم فيأتي من خلال ما أعيشه شخصياً في الآونة الأخيرة من تجربة إنسانية هي من واقع الحياة وإحدى مراحلها الحتمية ممثلة بتجربة شيخوخة والديٌ وما يرافقها من أمراض وعلل وآلام وامتحان للصبر وانتظار لتلك اللحظة التي يختارها الله سبحانه. وعندما أنظر إليهم وقد صيرتهم الأيام إلى ماهم عليه من الضعف والوهن وما من سبيل إلى تجنبها تعود بي الذكريات إلى تلك الأيام الخوالي التي كانا فيها ملء السمع والبصر وأردد في أعماقي أين ذهب العنفوان وذاك الأمر والنهي أين ذهب كل ذلك؟ أمور أكثر من أن تقال أو تدون فهي أكثر من ذلك بكثير. ولعل من تصاريف القدر أن ما يرافق هذا العالم هو قلة الحيلة في إمكانية تغيير شيء من تلك الصيرورة، فلا توجد وسيلة لدفع المكروه ولا يتبقى غير الدعاء بحسن الختام ولا حول ولا قوة إلا با لله. والحقيقة أن ذاك العالم والتفكر فيه قد قادني إلى التفكر في عالم فناءٍ من نوع آخر أحببت تسميته بعالم الفناء المأثوم لأنه فناء يمكن تجنبه وجعلني أقلب صفحات الدنيا بعمق أكبر وصفحات الوطن الحبيب بألم أكبر، متسائلاً: أليس الوطن أكبر من أهلنا وأكبر من أولادنا وأكبر منا!!؟. ألم يعطنا هذا الوطن مثل عطاء آباءنا وأهلنا وأكثر؟. هل تفكرنا كم هو أليم وحزين أن نفقد عزيزاً ونتمنى لو استطعنا أن نفدي فناءه بأرواحنا وكل غال وثمين ولا يحزننا أن نفقد وطناً وتنهار أمة. أتطيب لنا حياة وقد أصاب الوطن مكروه؟ ألا ننظر إلى ما يحدث في بلدان كثيرة حولنا. ألا يكفي لنا نذيراً ما يحدث في العراق عندما تركه أبناؤه نهباً للشياطين. ألا تهتز مشاعرنا ونصحو من غفلتنا ونحن نرى ما يحدث في فلسطين والصومال وأفغانستان وباكستان من كوارث ومحن وماذا يعني أن يكون الإنسان بلا أرض ولا بيت ولا ...وطن. إلى متى ستقود أنانية بعضنا بمتطلباته الدنيوية الشخصية الرخيصة لتطغى على متطلبات أمة وأجيال. إلى متى سيطغى ناموس الجهل بحقائق الدنيا الجميلة التي يمتعنا الله برؤيتها في كل حين ولحظة لنقتل ذلك الجمال والحياة بإرهاب أسود أو تطرف أعمى أو مذهبية أو حزبية جامدة عفنة. إلى متى سيظل بعدنا عن الله وحقائق جماله يأخذنا إلى اللاعقلانية والتفكير غير الناضج بحقائق الحياة وضرورات العيش الهادئ المنتج والبناء. لماذا لانستقرئ من الشعوب الناجحة تجاربها ومن العلوم أنفعها ومن الفضائل أجملها. هل كتب على هذا الوطن أن يشقى بأبنائه فنرى قصر نظر أناس فاسدين وكيف رأوا الدنيا بذلك المنظور الضيق ولهثوا وراءها وافتعلوا ما افتعلوا بغية أن يكون لهم مال وأملاك ونسوا أن فسادهم وأمثالهم سيقود البلد والآخرين إلى الضياع والمجهول. وكيف يذهب البعض إلى افتراض أن الوطن لن يتأذى بفسادهم فيعيثوا في الأرض متوهمين بهناء عيش كاذب، إذ كيف يمكن أن يحدث ذلك في وسط يعيش اللاسعادة واللاهناء. أترون ما أقسى فقدان عزيز يرحل وهو ذاهب إلى الرحمن ولا نأسى على وطن وهو يذهب إلى الشيطان. ما أحوجنا جميعاً أن نقف وقفة صادقة وبريئة أمام الله لنحاسب فيها ضمائرنا ولندرك الحد الفاصل بين الحياة التي أن نحياها إن كانت بعيدة عن صفاء النفس وسموها وكيف يمكن أن تكون ذا نفع وفائدة على الأرض والمجتمع وبين إفناء مقومات حياتنا وما يتبعها من فناء أبدي نحاسب عليه عن ما قصرنا وعن ما اجترحته أيدينا. غفر الله لوالديٌ وتقبلهماً بقبول حسن وأعان الله اليمن ياسامع الدعاء ويا قابل الأعذار وكل عام وأنتم والوطن بألف خير. - جامعة صنعاء[email protected]