كتب/د.محمد ناجي الدعيس إن الواقع العربي عموماً واليمني على وجه الخصوص يخبرنا بأن الأمية لم تعد محصورة في القراءة والكتابة فقط، بل قد يتوافر لبعض الأميين أو من نالهم حظٌ قليل من التعليم أو المعرفة المكتسبة المفيدة، أولئك قد تتوافر لديهم نسبة عالية من تقوى وإيمان فطري بقيمة الأوطان ما لا قد يتوافر لسواهم ممن تلقوا تعليماً نظامياً في المدارس والجامعات وقد يكون بعضهم من حصلوا على ألقاب علمية، مع الأسف منهم من يُصنَّف ضمن النّخب المثقفة والكُتّاب أحياناً، بينما هم في واقع الأمر ليسوا أكثر من دجالين ومنافقين يؤثرون ذواتهم وفئويتهم على وطن، واعتقد أنهم يندرجون تحت المثل القرآني " كمثل الحمار يحمل أسفارا " بسبب أنهم لم يوظفوا ما حملوه من علم ومعرفة سوى في خلق فرقة مجتمعاتهم وتدمير أوطانهم.. وظفوا الكلمة العلمية بأسلوب هندسي ظاهره برّاق وداخله أجوف في وشايات هي محض افتراء مقابل حفنة قذرة من النقود.. تلك الأفعال لا تحمل أي منطق عقلي ولا تنتج إلا ملة الكفر بوطن ومكوناته وعقوق الخالق.. إن المواطن والمسؤول الذي لا يراعي الله اليوم فيما تفاقم من ظلم وفساد وسُفك من دماء أبناء وطنه اليمني ولا يعطي بصدق الأمانة التي أوكلت إليه حقها.. الخ، كل أولئك وغيرهم من المتعلمين جداً والمثقفين قد يعدون من أكثر الناس جهلاً وأميّة دنيا ودينا.. فالأمية لا تعني عدم القراءة والكتابة للفرد فحسب، وإنما يمكن اعتبار المعرفة الأبجدية كمهارات آلية، يحتاج إليها الشخص كأدوات تنمي العالم الداخلي له وتشكل "الخيوط" التي تحيك الشبكة الاجتماعية والثقافية ما بين أفراد المجتمع على نحوٍ خاص، والمجتمع والمجتمعات الأخرى على نحوٍ عام. وبدلاُ من النظر إلى القراءة والكتابة كأدوات تربط ما بين العقل والمنطق، يمكن النظر إليها كوسائل تربط ما بين العقل والحياة . "قراءة الحياة". بمعنى آخر إن الفكرة هي أن يتبنى قادة المجتمع توجه يركز على "التعلم" و"المُجتمع" إذْ يشكلا هذين المفهومين العمود الفقري لأي مبادرة حل ناجحة يمكنها أن تستعيد الثقة والمسؤولية والفهم لدى كل فرد من أفراد المجتمع اليمني بقدراتهم على القيام بتلبية مطلبهم بأنفسهم.. إن الأمية الحقيقية بأبعادها المختلفة لا تُعد عائقاً من معيقات القبول بالمبادرات الكُثر المقدمة لأبدال حلول يمنية ممكنة فحسب، بل الأمية هي أحد المعيقات الرئيسة بالقبول لأي تغيير بناء، وهو الأمر الذي نراه جاثماً على أرض الواقع اليمني، فجعلت من هجرة أبدال الحلول الممكنة للواقع المزري أساساً.. ألستم معي في أن ما يحدث من ظلم للنفس وللمجتمع اليمني هو جهل مركب ومقصود أو كما أريد له ذلك ؟؟ وهل ما يٌمارس الآن من سلوكيات قتل وتفريق تطال فئات المجتمع الواحد أو نفث النّخب لكلمات متطرفة ومسمومة مسموعة ومقروءة ومرئية عبر وسائل الإعلام المختلفة يحق لهم النفاخر بها فعلاُ كمؤشر للقضاء على الأمية المجتمعية في بلدنا ؟؟ وقبل الإجابة لا بد من التجرد من المصلحة الذاتية– كأفراد ومثقفين ومنضمات..الخ– والتمعن في الآية الكريمة " وقال الذين أُتو العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يُلقّاها إلا الصابرون" فهل الفساد والقتل من الأعمال الصالحة؟.. وكذا التمعُّن في الحديث القدسي حينما قال الله تعالى " يا عبادي إني حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضرّوني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنّكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفّيكم إياها ، فمن وجد خيراًً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " .. وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع حينما قال : " إن دماءُكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ". وقال تعالى نافياً أصغر الظلم عن ذاته :" إن الله لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ " أيَ لا يَظْلِمُهُم مِثْقالَ ذَرَّةٍ التي تُعد أصغر وحدة لبناء الكائنات وهو ما أثبته العلم الحديث، وقوله عز وجل: " فَظَلَمُوا بها " أي بالآيات التي جاءَتهم، وعدّاه بالباء لأنه في معنى كَفَرُوا بها.. وأعظم ظلمٍ وأكبره يقترفه الإنسان في حق نفسه هو الشرك لوضع المخلوق موضع الخالق، قالَ تعالى " إن الشِّرْك لَظُلْمٌ عَظِيم ".. والظُّلْمُ: هو وَضْع الشيء في غير موضِعه والمَيلُ عن القصد. ومن أمثال العرب في الشَّبه: مَنْ أَشْبَهَ أَباه فما ظَلَم؛ وأصل الظُّلم الجَوْرُ ومُجاوَزَة الحدِّ، وتَظَلَّم الرجلُ: أحالَ الظُّلْمَ على نَفْسِه؛ وتتدرج مراحل اقتراف الظلم من صغائر المعاملات بين الناس إلى كبائرها كاالقتل، والظالمون : المانِعونَ أهْلَ الحُقوقِ حُقُوقَهم؛ وتَظالَمَ القومُ: أي ظلَمَ بعضُهم بعضاً. لقوله عز وجل:" وما ظَلَمُونا ولكن كانوا أَنْفُسَهم يَظْلِمُون ".. ومن أنواع الظلم : هو ظلم الإنسان لغيره بأخذ حقه أو الاعتداء عليه في بدنه أو ماله أو عرضه والتسويف في حل قضايا الناس وغمط حقوقهم أو نحو ذلك ، وقد وردت النصوص كثيرة غير التي ذكرناها تحذر من الوقوع في هذه الأنواع من الظلم والفساد.. إذاً فحقيقة الظلم هي حدوث اختلال في ميزان المعادلتين الإلهية والمجتمعية نظراً لوضع الشيء في غير موضعه الصحيح، والحديث القدسي آنف الذكر موجه للعباد كافة، دونما استثناء لأي فئة معينة من عباد الله ونحن كمسلمين أحق بتطبيق أمر الله في سلوكنا قبل أقوالنا، وهذا الواقع المؤلم في الساحة شاهد إما علينا أو لنا فيما اقتُرِف من ظلمٍ أو درئه.. فهل ما يمارس في الساحة هو امتثال لأمره سبحانه وتعالى؟! .. ومِن أطرفِ ما سمعت أن أحد الفنادق في ألمانيا كُتِب على أسِرّته : " إذا لم تَنَمْ هذه الليلة فالعِلّة ليست في فراشنا لأنها وثيرة، ولكنها في ذنوبك ، إنها كثيرة ".. فهل ينام قرير العين من اقترف الظلم والقتل؟.. إن الله قد أراد التغيير وإن جهل الظالمون فالله بالغ أمره، وجعل الشباب وسيلة التغيير فجهل عقيم من ظنّ أن مناورة أو قوة هي قادرة على وقف إرادة الله .. وما القتل أو أزمة البنزين أو الغاز أو الديزل..الخ، إلا أدلة عجز السلطة عن درء الظلم عن الناس..وكل ذلك لا يزيدنا إلا إصراراً للاحتفاء بمولودنا القادم.. فأي بصمة وضعتها النُّّخب اليمنية الخاصة قبل العامة في وطنهم للتفاخر بها أمام أجيالهم والعالم.