كتب/عبدالعالم عبدالجليل أصبحت ظاهرة "العنف الاقتصادي" حقيقة من حقائق الحياة اليومية في اليمن التي احتكرت فيه السلطة والثروة من قبل فئة محددة بينما بقي الشعب يكتوي بنيران سياساتها الفاشلة والكارثية والتي تتمثل بالأزمات والحروب والفساد والفقر والجوع. قد نستطيع لبعض الوقت أن نتحدث عن متوسط دخل الفرد، ولكن ذلك لا يكفي لنقل الصورة الحقيقية للفقر والمعاناة التي يعيش معظم المواطنون تحت وطأتها. وإذا كان لنا أن نتجنب وقوع الكارثة فإن على القائمين على هذا البلد أن يفعلوا شيئا ما لتحويل عائدات ثروات الوطن إلى الغالبية الفقراء.. وهذه ليست منة بل مصلحة للجميع. إن العنف الاقتصادي هو الشكل "القاتل الصامت" للعنف الذي يهدد الشعب اليمني اليوم.. إنه يترك أثره على الحياة المجتمعية، وسواء اتخذ ذلك شكل الحيلولة دون وصول فقراء المجمع إلى السلع الأساسية الضرورية لبقائهم، أو شكل الحيلولة دون تنمية إمكاناتهم عبر العمل الجاد، فإن الملايين من أبناء الشعب وبالذات الشباب يعيشون المعاناة اليوم. إن العنف السياسي الذي يتخذ شكل الإنفاق غير المعقول على الحروب التي تخوضها السلطة لا يمكن فصله عن العنف الاقتصادي. إن خوض الحروب الداخلية ابتداء من حرب صيف 1994 وحتى حرب صعدة السادسة قد كلف اليمن خسائر فادحة وأضر باقتصادها. وبموجب ذلك أهدرت السلطة المليارات من أموال وثروات الشعب في سبيل خوضها لمثل هذه الحروب. إن اعتماد السلطة على مثل هكذا سياسات لإدارة البلد بالأزمات والحروب وإنفاق الأموال الطائلة من أجل شراء الأسلحة قد امتص كثيرا من رأس المال اللازم للاستثمار، وأدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، ونتيجة لهذا الوضع الاقتصادي المتردي والإدارة الفاشلة والعاجزة وغياب الحكم الرشيد والعدالة واستشراء الفساد والعبث بالمال العام. أدى ذلك إلى ظهور ما يسمى "بالحراك الاجتماعي" المتصاعد وظهور الحركات الاحتجاجية في الوطن وقد استخدمت هذه الحركات أساليب أقرب للعصيان المدني والاحتجاج السياسي، تعبيرا عن تقييمها السلبي لأداء السلطة، وعلى الخصوص في مجال توزيع الثروة.. وتشغيل الشباب، حيث مست البطالة فئات حصلت على شهادات عليا رغم الحاجة المستمرة في البلاد للأطر العلمية من مختلف التخصصات، ووجود مجالات عديدة لتوظيفهم، وهو ما يطرح سوء تدبير الموارد البشرية.. ويؤدي كل ذلك إلى انفجارات اجتماعية، خصوصا بين الفئات الشبابية التي تعجز المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن استيعابها. إذا في ظل هذه الازمات الخانقة التي نمر بها، يلجأ بعض الشباب إلى الهروب من واقعهم، ويضعف انتماؤهم وولاؤهم أو يتحول إلى نوع من أنواع الانتماء المرضي يؤدي إلى العنف والإرهاب وبروز الكثير من الظواهر الاجتماعية المرضية. ولو نظرنا إلى ما يجري اليوم في الوطن من عنف وأحداث -سواء في الشمال أو الجنوب- لوجدنا أن من أسبابها هو يأس وقنوط الكثير من الشباب في ظل استشراء ظواهر البطالة والفقر والفساد وهنا يصدق قول أرسطو في هذا الشأن "الفقر مولد الثورات والجريمة".