لا يعني أن انتقال السلطة من أيدي جماعة إلى جماعة أخرى، هو جوهر عملية التحول إلى الديمقراطية كما لا يعني تحول المعارضة إلى السلطة بديلا لفئة النظام السابق أو الانتقال إلى المشاركة السياسية بين الطرفين، كما هو الحال في اليمن، تحت دعوى بأن لا يصبح هناك احتكار للسلطة من قبل طرف واحد ولكن المضمون الرئيسي والمدخل إلى الديمقراطية في بناء الدولة الجديدة، هو الانتقال من النظام القديم بمجمله أي من الدولة إلى المجتمع بحيث يصبح المجتمع هو المصدر الوحيد للشرعية، يعني انتقال السلطة إلى الشعب، بحيث يكون قادرا على محاسبة أهل السلطة، كما يستطيع أن ينتزع عنهم الشرعية في أية لحظة. هذا الانتقال في ظل أي تغيير جديد أو عن طريق ما يسمى بالثورة لا نستطيع الحكم عليه بأنه تحول سليم باتجاه الديمقراطية (إذا طبقنا ذلك على الواقع والظرف اليمني) ما لم نميز فيه خلال المرحلة الانتقالية الأسس والشروط الممهدة لعملية التحول الجديد من أجل بناء يمن يرسي نهجاً ديمقراطياً يلبي طموح الجماهير العريضة التي قامت مع الثورة، وتهدف إلى تغيير واقعها اعتمادا على الأسس الرئيسية لأهداف الثورة اليمنية وتعتمد عليها كمقدمات لبداية العملية السياسية في مرحلة بناء الديمقراطية التي تفترض تلبيتها على أرض الواقع، نذكر أهمها: أولا: إذا انطلقنا من أهداف الثورة فلا بد من إزاحة مراكز القوى القديمة بمختلف الحيل والأساليب، بتفعيل الاتجاه الثوري الحقيقي وتبنيه من قبل الرئيس المنتخب ولو ضمن مراحل. أما إذا تعذر الأمر ويجري التغيير عبر الإصلاحات، وهذا الأمر أعقد وأصعب من سابقه، ففي كلا الحالتين لا بد من إعادة توزيع وانتشار القوة بين عدد من الفاعلين السياسيين الذين سيحلوا تدريجيا محل النظام السابق بشرط ألا تكون هناك عناصر أو قوى سياسية فاعلة في النظام السياسي الجديد اشتركت في النظام القديم، خاصة التي لعبت دورا مهما في تعزيز ومساندة ذلك النظام من قبل تحت أي مبرر، ولا يحق بقاؤهم في النظام الجديد بحجة الاشتراك أو المساندة أو المناصرة أو حماية الثورة، لأن ذلك يندرج تحت حجة إزالة الخصم لاحتواء العملية السياسية الجديدة، كون هؤلاء لديهم جذور وصلات بالنظام السابق وأدواته وأساليبه، ويستطيعون أن يعيدوا النظام القديم بشكل جديد يبقي على سيطرتهم السياسية في المرحلة الانتقالية القادمة. بحكم تمرسهم بأساليب النظام القديم، هذا الشرط ينطلق من المعنى الكلي للبعد النفسي والنوازع البشرية عند الإنسان وهي حب الاستئثار في التسلط، لذلك تتولد عنهم أساليب المقاومة والممانعة ضد التغيير الحقيقي فيلجأون إلى الاعتماد على تأثيرهم السابق ونفوذهم في المجتمع، إذ يعتبر التخلص من النظام القديم وامتداده أحد أهم الشروط الأساسية في بناء التحول الديمقراطي. ثانيا: إعادة بناء المؤسسات المختلفة فلا بد من تجديد لكل المؤسسات والتقاسم هو تكريس للفساد وإخلال للبناء (وهي عملية تجذير وإعادة البناء بعد الهدم للبنى القديمة) ولكن المهم هنا هو إعادة بناء المؤسسات السياسية، وهي العملية الجوهرية في التغيير، وبطريقة تسمح بإعادة توزيع القوة على أسس متوازنة بالابتعاد عن الطغيان والسيطرة من قبل طرف أو عدة أطراف أو حتى تحالفات تخل بعملية المشاركة المتكاملة لكل القوى والأطراف السياسية والاجتماعية الجديدة في البناء التأسيسي الجديد وأهمها المؤسسة الدستورية، التي يلزم معها وضع دستور جديد يلبي شروط العملية الديمقراطية في الدولة والمجتمع. وتعتبر كتابة الدستور في الوضع اليمني في المرحلة الانتقالية ضرورة لازمة ترافق التغيير ولا معنى لتغيير بدون دستور جديد أو تعديلات جدية في الدستور ولكن بوضع الدستور في ظل أطراف الحكم المهيمنة الحالية، فيمكن تصور أنه لا معنى لدولة مدنية ولا لعملية ديمقراطية بحكم حساسية ودقة مواد وبنود الدستور على مستقبل الدولة الجديدة التي تفرضها القوى السياسية الفاعلة بواسطة أشخاص او لجنة إعادة الدستور والتي يمكن أن تعيد بها (القوى المهيمنة) ترتيب وترسيخ أوضاعها ومصالحها، ولا نستطيع في هذه الحالة أن نضمن أهمية ضبط إعادة هيكلة وبناء العلاقة بين المؤسسات والسلطات الثلاث، وضمان فصلها واستقلالها عمليا بغض النظر عن تكاملها وظيفيا، يعني استغلال خلط المهام الدستورية لمصالح القوى الفاعلة سياسيا، باعتبار الدستور الجديد أو التعديلات المهمة في الدستور السابق ستعيد رسم شكل العلاقة بين السلطات ومؤسسات الدولة ويحدد ملامح النظام السياسي الجديد وطبيعة الدولة القادمة، والخطر الأكبر هو وضع مداخل او مواطئ قدم لهذه القوى التي تتفاوض وتتصارع حاليا وتتقاسم، ولابد أن تتفق على مخرجات دستورية تستفيد منها على حساب العملية الديمقراطية لأنه لا منازع ولا مشارع لحكومة الوفاق، ولا توجد هناك معارضة تتصدى للانحرافات والإخلالات ضد النظام المنقسم الذي يزايد كل طرف فيه ضد الآخر ويتمثل أو يتقمص أحيانا كل منهما دور المعارضة، وبالتأكيد لا بد أن يتم الاتفاق الداخلي بينهما على تمييع مواد الدستور أو وضع فجوات في التشريع الدستوري كي يحقق بالتالي تقاسم المصالح لأن الطرفين يستظلان تحت اسم حكومة التوافق او الوفاق المرغمة على الاتفاق كما نصت عليه المبادرة الخليجية والخارج الضاغط عليها فمن الطبيعي أن يكون القاسم المشترك بينهما هو الاتفاق طالما الفريقان مسيّران لا مخيّران في إنجاز العملية السياسية القسرية بصورتها الحالية. ثالثا: تحسين معيشة الشعب وإعادة توزيع الموارد والثروات والدخول ومحاربة الفساد، وهذه عملية مهمة لكل تغيير حقيقي إلى الأفضل وبذلك ينعكس هذا التغيير بالإيجاب على المواطن وتحسين معيشته، ولا يمكن للناس أن تؤمن بالتغيير وتتفاعل معه وتتجاوب مع الإجراءات والتعديلات المختلفة وتنصاع للأنظمة والقوانين والتشريعات من أجل خلق استقرار اجتماعي إلا بمقدرات ذلك التحسن، والجماهير تفاعلت مع الثورة لاحتوائها على كثير من الشعارات والوعود بشأن تحقيق العدالة الاجتماعية وإصلاح الأوضاع الاقتصادية ومحاربة الفساد. فمن الضروري أن تلمس الجماهير مؤشرات هذاالتحسن من خلال إعادة توزيع الدخل بين الأغنياء والفقراء والأهم أسعار المواد الغذائية الرئيسية ومن خلال تحسن الاقتصاد وتراجع نسبة التضخم، ولن يتم ذلك إلا بإعادة توزيع الثروة الوطنية، لأن النخب القديمة تحاول الحفاظ على مكاسبها التي حققتها في ظل النظام السابق، فلا بد من سياسة حكيمة تقصي هؤلاء الفاسدين ونفوذهم الاقتصادي وتمنع التصادم بينهم وبين القوى الجديدة التي تسعى للحصول على نصيبها من الثورة، ولن يتحقق هذا الأمر إلا باقتلاع الفساد وتفكيك شبكاته والمرتبط بمراكز القوى القديمة من جهة، ونتيجة لمدى تأثيرها على الوضع الاقتصادي للدولة من جهة أخرى، والصعوبة الحالية تكمن في الفساد الناتج عن السياسات الاقتصادية التي اتبعها النظام السابق فأوجد عتاولة جذور الفساد في خلق رجال أعمال فاسدين مفسدين والذين ربطوا الاقتصاد المحلي بنظيره الخارجي، وتحولوا إلى قوى طفيلية تنهش قوت الشعب وما زالت تنهب موارده وثروات الوطن، وهي التي تحولت إلى مراكز قوى سياسية واقتصادية وقبلية، وهي التي احتوت الثورة وتجر البسطاء تحت ردائها لتدوسه بأقدامها كي تغذيه من فتاتها، لذا فإن عملية الانتقال إلى الديمقراطية في ظل هذا الفساد سيظل حلما بعيد المنال ما لم تتحقق مقومات وأسس تعطي لكل ذي حق حقه وتمنح الإنسان المساواة والعدالة والكرامة كتأسيس للديمقراطية الحقة. رابعا: الحوار والمصالحة الوطنية وفرض الاستقرار: الحوار بلجنته الفنية صيغة مطروحة في بنود المبادرة الخليجية، ولكن ما هي المهام الأساسية للجنة الحوار؟ فالحوار هنا يعتبر عملية شكلية أكثر منها استراتيجية خلال المرحلة الانتقالية. لأن الحوار بشكل عام هو المخرج السليم لكل المشكلات المختلفة. والسؤال المطروح هل لجنة الحوار تعمل كسلطة مخولة لحل كل المشكلات بدون الرجوع إلى القيادة السياسية أو الحكومة، أم أن لديها خطة مرسومة للأولويات في الحوار حول أهم المشكلات؟ فإذا كانت تعمل بانتقائيتها الجزافية فقد انشغلت بموضوع زواج الصغيرات ضمن أولويات الحوار وهي تواجه واقعاً شديد التعقيد في جوفه عشرات القضايا والمشكلات المهمة ذات الأولوية والتي لا تستطيع إنجازها خلال المرحلة الانتقالية، ومن الصعب عليها تنفيذ أي حوار بدون إرشاد ودعم سياسي ولوجستي من السلطة السياسية العليا وبمساعدة خبرات أجنبية لكيفية تنفيذ الحوار، والاختيار المناسب لعدد المتحاورين، ونسب التمثيل لكل ألوان الطيف السياسي والمجتمعي، وشروط وأسس الحوار، والمدة الزمنية أولويات القضايا التي لا تقبل التأخير، والأهم من ذلك هو الرسو على أسس الحوار والانطلاق منها والتمهيد لحوار وطني شامل وهذا يتعلق بمسألتين تمثلان شرطين لتأسيس حوار جاد وهما: 1- أن تتساوى كل الاطراف الوطنية في الحوار في الندية والمشاركة المتبادلة في النقاش، وعدم فرض الآراء أو التأثير والهيمنة من قبل طرف ضد الأطراف الأخرى، وهذا لا يتم في ظل وجود أطراف تمثل مراكز قوى بيدها من القوة العسكرية والهيمنة السلطوية أو القبلية ما يمكنها من فرض شروطها في الحوار. 2- إقامة مصالحة وطنية شاملة كأرضية للقبول بالحوار وقبول الآخر، وهذا لا يتم إلا بتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية كما هو مطروح وعند الانتهاء من تنفيذ هذين الشرطين وتطبيقهما على أرض الواقع يتم حل أهم القضايا وهي القضية الجنوبية، وهنا لا بد من إقناع الحراك في الدخول بالحوار، لكن لمصلحة الشمال والجنوب أن يعقد مؤتمر جنوبي يخرج بتمثيل موحد يمثل فيه الجنوب كطرف شريك في الوحدة والعودة إلى نقطة الشراكة التي ألغتها الحرب، لأن الواقع الذي فُرض والتمادي في هذه القضية قد تحول إلى قضية جماهيرية شعبية هي التي تحرك قيادتها السياسية الممثلة بقيادات الحراك وليس العكس، وأصدقكم القول إنها لن تعود إلى أقل من هذا المستوى لأن الجماهير قد خرجت بهذه الوجهة، واللجنة الفنية للحوار لا يوجد فيها تمثيل حقيقي للحراك الجنوبي ومن تم اختيارهم مثل الناخبي يعتبر تمادياً وإساءة جديدة للجنوب وتكراراً لمسلسل الإرغام والتحدي، وهذا مسلسل الإسلاميين وأذنابهم في شعارهم (الوحدة فريضة من الله)، مستغلين هراوة الخارج، ونصيحتي لا تركنوا إلى الخارج، اللهم الاستفادة منهم في الدعم وفي آليات الحلول لبعض المسائل العامة أو الاستفادة من تجارب عملية الانتقال إلى الديمقراطية وتقنينها، لأن الخارج لا يعلم بالقضايا والمشاكل الداخلية فهو مثلا لا يعلم أن الشيخ يطأ على رأس الفرد في القبيلة، ويرغم الفرد على الطاعة العمياء وأن يأتي ولو حبوا خلف الشيخ في مجتمع القبيلة ولو انتهكت كرامته وسلب حقه. الخارج لا يعلم أن هناك شمالاً وجنوباً كانا دولتين ودخلتا في شراكة تحولت ضماً وإلحاقاً بقوة القبيلة، والخارج لا يعلم أن الفرد في الجنوب لا يخرجه الداعي القبلي ولكن يحركه حرقة وألم انتهاك الكرامة وفرض القوة واعتبار الحرب فريضة وواجباً لإقامة الوحدة التي انتهكها ودمرها من يدعون فرضها باسم الإله ولو على دماء وأجساد وأشلاء أبناء الجنوب، كما فرضت الكنيسة محاكم التفتيش على المسلمين في القرون الوسطى الأوروبية. والله ولي التوفيق صالح محمد مسعد (أبو أمجد)