اجتمع الرئيس هادي ببعض وليس كل أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام في 20 سبتمبر بصفته رئيس الجمهورية وليس كنائب لسلفه "الزعيم" الرئيس السابق صالح أو كأمين عام للمؤتمر . كان استبعاد العلاقة التنظيمية في اللقاء واضحا من الخبر الذي نشرته وكالة سبأ للأنباء ونقلته عنها وسائل الإعلام التي لم يشذ عنها سوى موقع "المؤتمر نت" الذي قال إن هادي رأس اجتماعا للجنة العامة وهو مايدخل في باب التزوير. ولو كان هذا صحيحا فهو قبول أعلى هيئة تنظيمية في المؤتمر بزعامة هادي وبداية انقلاب هادئ ضد صالح أوتخل تجريبي وتدريجي عنه. بعض الحضور فضل أن يظهر وكأنه تواجد مكرها كطالب في حصة مملة لأستاذ غير مرغوب فيه أو غير مصدق أنه في حضرة شخص آخر غير صالح ولذلك بدا غير متفاعل البتة مع المناسبة وكان في خمول واضح ولامبالاة بما يسمع من الرئيس وقد نقلت الكاميرا لغة الجسد مباشرة . نفس الضنك على بعض الوجوه حدث عند اجتماع الرئيس هادي بأعضاء مجلس الشورى حيث لوحظ تبرم ووجوم على بعض الوجوه وإشاحة عن الكاميرا وكأن البعض لايزال ينكر بأن الحال تبدل وأن صالح قد ولى وأن هادي حل محله وأصبح رئيس البلاد. (بعض الوزراء في الحكومات السابقة كان يدفع مبالغ شهرية منتظمة لمصوري التلفزيون الحكومي لكي يظهر مدة أطول وفي أحسن حال). أجزم بأن البعض حتى الآن لم يهضم حقيقة أن يكون على رأس السلطة جنوبيا وهذا ماكان صالح المناطقي والطائفي يحذر منه في مسعاه المستميت لإفشال الثورة والقضاء عليها قبل مجزرة جمعة الكرامة في أوساط بعض القبائل الشمالية سواء تلك التي زارها أو التي استدعيت إلى صنعاء بأجر معلوم. هنا تكمن عظمة الثورة التي نقلتنا إلى الوضع الطبيعي وتصحيح الاعوجاج في النظام السياسي الذي استمر بعد ثورة سبتمبر عام 1962 برغم فقر إنجازاتها حتى الآن. ولو كان ذلك الاجتماع حزبيا لحضر "الزعيم" وتنازل عن رئاسته للاجتماع لرئيس الجمهورية احتراما لمقامه كرئيس له ولكل المواطنين أو لحضر ولو لبعض الوقت ليقدم الحضور للرئيس كبادرة صلح بين الرجلين ثم يستأذن الرئيس في الانصراف لتدبير بعض مكايده ضده وضد المرحلة الانتقالية. ولو حدث ذلك لصدقنا من توسوس له ظنونه أن الناس يصدّقون ما يقال بأن علاقات الرجلين لا تشوبها شائبة وأنهما في مودة أبدية برغم كيد العذال إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. إن نفي النفي إثبات. ومن جهة ثانية قد يوحي اللقاء بأن قادة في المؤتمر بدأوا يتقبلون قيادة برأسين أو أنهم يدركون أن صالح لا مستقبل له.. في اجتماع اللجنة العامة كان لافتاً تغيرا لم يعهده الحاضرون في عهد صالح من حيث جلوس الأمين العام المساعد الدكتورعبد الكريم الإرياني ويحيى الراعي -رئيس مجلس النواب- على يمين ويسار الرئيس هادي بدون حواجز، وهو مالم يكن يحدث في عهد صالح الذي كان يضع طاولتين تفصلانه عمن يجلس على يمينه ويساره، وتلك المسافة كانت توحي بالاستعلاء والتميز. يشعر البعض أن أولويات هادي الوطنية تثنيه عن فتح جبهة مع صالح حول من يقود المؤتمر، ويرى أنه من الأفضل لهادي أن يترك المؤتمر وأن يتخذ قرارا تاريخيا يفصل بين موقعه كرئيس للجمهورية ووضعه فيه ولا يجمع بين الاثنين ووقتها سيجد من يسعى إليه للتراجع عن قراره لأن المؤتمر لايستطيع إلا العيش في كنف الحاكم . مبدءا الولاء الوطني والحزبي ركنان أساسيان في العمل الحزبي، والولاء للحزب مقدم على الولاء للفرد، وهذا مايجب أن يدركه من يعول عليهم إحداث نقلة نوعية في المؤتمر تصحيحا لمسيرة شابها الفساد والخنوع طيلة 30 عاما لن تحدث طالما استمر اختطاف صالح للمؤتمر ورضوخ البعض لهذا الوضع الشاذ.بعد توقيع صالح في 23 نوفمبر2011 على المبادرة الخليجية كان يتوقع منه كما يفعل كل قائد سياسي محترم وشجاع يؤثر وطنه وحزبه على نفسه وعلى صغائره التي لاتزال هي الأحب إلى نفسه أن يترك المؤتمر وشأنه ليلملم جراحه. وللتذكير فقط ففي 22 يونيو2006 عندما عدل صالح عن مسرحية عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية "نزولا عند إرادة الشعب" قال للملأ وعلناً بأنه "ليس تاكسي يستأجره المؤتمر لكي يصل إلى الفندق" وأنه ليس مظلة لفساد حزب سياسي (ويقصد به المؤتمر وليس غيره). الآن على المؤتمريين أن يقولوا له لسنا تاكسي أجرة تستأجرنا لأغراضك الضيقة ودعنا وشأننا لنكون ضمن الاصطفاف الوطني لبناء اليمن الجديد يمن المواطنة الديمقراطية المتساوية والدولة المدنية ذات المشروع الاجتماعي التحديثي. وفوق ذلك كان يتوقع من صالح وقد قتل من قتل خارج الشريعة والقانون والقيم الوطنية ونهب مانهب من المال العام أن يقول عقب تنحيه: أطلب من الشعب ومن شباب الثورة السماح والعفو لما ارتكبته من جرائم كان آخرها ما حدث إبان الثورة ضد حكمي عام 2011، والآن وقد وصلت إلى محطتي الأخيرة فمن لديه قضية ضدي خاصة أو عامة فإما أن يكون عفّوا ويسامحني أو يلجأ للقضاء لأني أريد أن ألقى الله وقد شارفت على السبعين من عمري وقد أنصفت كل مظلوم ومكلوم أما المال العام فسأرده إلى الخزينة العامة براءة لذمتي لأنه لم يعد في العمر الكثير الذي يجعلني أتمسك بكل المليارات التي سول لي الشيطان اختلاسها لأني سأتحمل عذاب الآخرة وحدي وسأحاسب وحدي ولن يشاركني العذاب والحساب لا أحمد ولا يحيى ولا طارق ولا عمّار ولا بلقيس ولا خالد.. الخ. ويضيف صالح، إن ماقلته في 22 /6/ 2006عن أني "لم أحبس ولم أقتل وأني لا أؤمن بالعنف والاغتيالات والسجن" لم أكن صادقا فيه. بعد ذلك يعلن ترك العمل السياسي وينتظر حسم القضاء لملفاته أو العفو عنه والعفو أو المحاكمة أهم وأجدى له من الحصانة لأن الحصانة لا تلغي العقوبات الإلهية. هذا إذا كان مؤمنا حقا بالله وبالإسلام وكان صادقا وبارا في قسمه الدستوري على مدى 33 عاما. ومباشرة يتسلم الرئيس هادي قيادة المؤتمر الشعبي مؤقتا لحين اختيار رئيس جديد له بطريقة ديمقراطية وشفافة خالية من مناورات صالح وألاعيبه وتأثيره.. إن إحدى أمراض صالح أنه يتعامل مع قضايا وطن بأكمله بعقلية صغيرة جدا ترفض قبول الأمر الواقع، عقلية تربت على الأحقاد وتصفية الحسابات. وليس إصرار صالح على اغتصاب قيادة المؤتمر إلا رغبة شيطانية في إبقاء باب الصراع مع خصومه مشرعا مستخدما المؤتمر في شأن لا يعنيه وبما لا ينتج عنه سوى شل قدرات المؤتمر على التفكير بترتيب شئونه بعد زلزال الثورة الشبابية في وطن متغير ديمغرافيا وسياسيا ومن يعلم قد يتغير جغرافيا. صالح يعلم أن خصمه المحوري هو غالبية الشعب التي انتفضت ضده وواجهها بالسلاح والعنف الدموي واتهمها بتلقي تعليمات من غرفة في إسرائيل تدار من البيت الأبيض في خطاب له في مارس 2011 وليس المشترك أو عائلة الأحمر أو اللواء علي محسن. لقد اجتمع الرئيس عبدربه منصور هادي ببعض اللجنة العامة للمؤتمر لأول مرة منذ أن تولى رئاسة الجمهورية في 27 فبراير ويلاحظ من استبعاد حلفاء المؤتمر أن الاجتماع كان شديد الخصوصية وأنه لم يكن قاصرا على تنبيه الرئيس للتجاوزات الإعلامية الذي أراد إيصال رسالة خاصة ومهمة لصالح وللمؤتمر أهمها الكف عن اللعب فيما لانفع للوطن فيه خلال المرحلة الانتقالية، وأن يفكرالمؤتمر بالمستقبل وبدوره كشريك وليس كمعيق للتحول الذي يقوده هادي، وقال عنه أنه لارجعة عنه وأن عجلة التارخ لن تعود إلى الوراء، وبضمن ذلك إعادة هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية وإصدار قانون العدالة الانتقالية واسترداد الأموال المهربة وحل المشكلة الجنوبية ومشكلة صعدة وغيرهما. ورسالته هنا واضحة جدا وهي أن من يعيق التحول والمبادرة الخليجية يريد إفشاله هو شخصيا وأنه لن يسمح بحدوث ذلك لأن ذلك يعني القبول بالإضرار بالمصالح الوطنية وأهمها الوحدة اليمنية التي لا يعبأ بها صالح الذي يريد أن يحكم حتى مديرية. لقد تم اللقاء قبل احتفالات الشعب بثورة 26 سبتمبر وقبل زيارة هادي للولايات المتحدة وبعض العواصم الأوروبية وهي دول مانحة ولا تريد أن تحرث في البحر وأن يخرب صالح ماتريد إعماره ولها فوق ذلك مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية هائلة في المنطقة وتحرص على الاستقرار فيها ولاتسمح بالإضرار بها، واحداها وهي الولاياتالمتحدة معنية بإعادة هيكلة القوات المسلحة وتتعامل مع هذه القضية المحورية طبقا لمصدر غربي بجدية كاملة. وخلال هذه الزيارات سيوضح هادي أنه قد أرسل الرسالة التي لامراء فيها لصالح من خلال اللجنة العامة بما يسمح له بالحديث بشفافية عن صعوبات عبور المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر والعراقيل وعن مصدرها وأهدافها وصاحب المصلحة فيها وسيقول حقائق معروفة لمضيفيه ولكنهم يريدون سماعها منه لاختبار جديته في إنهائها وقدرته على مواجهة مصادر تهديد المرحلة الانتقالية والوحدة الوطنية كراع وحام للعملية السياسية حتى فبراير 2014، ولتطمئن هذه الدول على مصالحها في اليمن وعلى ما ستقدمه من عون له. والكرة الآن في ملعب المؤتمر، والوقت كالسيف ومن ذهب. 20 سبتمبر