يقترب الجميع من الحوار، وتتسع معه دائرة الخلاف، تجتمع الأطراف للحوار بعد حرب للصلح، بينما مؤشرات المتحاورين في اليمن آخذ لفوهة بركان، فليس ابتداء من عند الرئيس هادي يوم افتتاح الحوار بإصدار أمر لا يوجد الا في قاموس البيئة العسكري بالترك "من لم يرد الحوار فليخرج منه"، فلقد سبق وأن فجرت أحزاب اللقاء المشترك الثلاثة (الاصلاح - الناصري - الاشتراكي) مفاجأة حين أعلنت تحفظها على الأسماء المعلنة في قوائم رئيس الجمهورية والشباب والمرأة المعلن عن مشاركتها في (مؤتمر الحوار الوطني الشامل)، مبدية مفاجأتها لدى الإعلان عن أسماء المشاركين في المؤتمر بقائمة رئيس الجمهورية وقوائم الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني التي رفعت إليه لمراجعتها، وكان يفترض أن تُكرس لاختيار عناصر مستقلة. واعتبارا من المشترك أن الأسماء جميعها مخالفة للأسس والمعايير التي تم الاتفاق عليها، ومخيبة للآمال حسب وصفها، فإنها -حسب المشترك- أخلّت بالمعادلة السياسية والوطنية لصالح طرف بعينه الأمر الذي يضع مسار الحوار الوطني على المحك، فيما أضعفت مكانة ووزن الشباب والمستقلين في المؤتمر، واعتبر أن حضور (مؤتمر الحوار الوطني الشامل) من قبلهم هو "تدليل على إيماننا المطلق بمبدأ الحوار، وحرصنا على نجاحه". وفي البيان الذي أصدره المشترك دعا الرئيس عبدربه منصور هادي لتصحيح ما حدث من أخطاء تستدعي منه تداركها في أسرع وقت ممكن تحقيقا للتوازن, دون أن يشير البيان إلى ما يمكن أن يقرره المشترك في حالة ما لم يتم تصحيح الأسماء. لم يقتصر الخلاف على قرار هادي للنظام الداخلي مع المشترك فحسب بل طال الأمر إلى الشيخ حميد الأحمر، فحين عرف أنه علق مشاركته في الحوار الوطني احتجاجا لعدم تمثيل الطرف الآخر من قضية صعدة وهم المواطنون المتضررون من الحركة الحوثية، كما قال في أكثر من تصريح، فقد قال -في تصريح لقناة "العربية" يوم الاثنين الماضي: إن تعليق مشاركته في مؤتمر الحوار جاء إثر صدور النظام الداخلي للمؤتمر وللمخالفات التي رافقت إجراءات الترتيب لانعقاده بما يتعارض والاتفاقات الموقعة مع الطرف الآخر، مشددا على أهمية تصحيح مسيرة الحوار الوطني بشكل يتوافق مع المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية، إلا أنه ترك الأمر مفتوحا في مسألة عودته حتى يتم إعادة ترتيب الحوار بحسب الاتفاقات الموقعة كي يتسنى للجميع المشاركة في الحوار الشامل، لافتاً إلى أنه لم يطالب بشيء جديد، بل يطالب بضرورة الالتزام بما تم الاتفاق عليه مسبقا. من جانب حزب المؤتمر لم يكن في منأى عن نقده لتحضيرية الحوار، ذلك أن الرئيس هادي أسقط من كان حزب المؤتمر قد رشحهم للحوار، ووصف الرئيس السابق علي عبدالله صالح هذا التصرف ب"غير اللائق"، وطغت فيه النوازع الشخصية، وتجاوزت القرار المؤسسي للجنة العامة كأعلى قيادة جماعية للمؤتمر الشعبي العام"، وفيه أشارة إلى عبدالكريم الإرياني، ولذلك جاء الطلب من حزب المؤتمر توضيحات من النائب الثاني لرئيس المؤتمر عبدالكريم الارياني حول ما حدث، إلا أن هناك من انتقد تصرف حزب المؤتمر، حينما أرسل عن طريق سلطان البركاني ومخالفته في تقديم المشاركين للجنة الفنية، وتجاوزت الأمين العام للحوار الوطني عبد الكريم الإرياني أو الرجوع إلى الرئيس هادي، إضافة إلى أن تلك الشخصيات التي لم تكن تمتلك أي مؤهلات تؤهلها للمشاركة في الحوار الوطني سواء الولاء المطلق للرئيس السابق. الحلقة تنفض وفي افتتاح مؤتمر الحوار -يوم الاثنين الماضي- أبدى جمال بن عمر -مبعوث الأممالمتحدة لليمن- إعجابه من توصّل أعضاء اللجنة الفينة بمختلف اتجاهاتها الى التوافق على كيفية تنظيم المؤتمر، وإعدادهم لخطة تعد "من أفضل ما خبرناه" حسب ما قاله، وأن تغييراً حقيقياً في المجتمع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توافق واسع وعملية شفافة وشاملة. هذا التوافق الواسع والشفاف الذي يتكئ ويؤمل عليه بن عمر في نجاح الحوار يرد عليه مظاهرات عشرات الآلاف في مدينة عدن في يوم (القرار قرارنا)، فهذا الطيف الواسع من الحشود لا يمكن أن يغفل عنه بن عمر، وهو يعرف مدى ثقل الطرف الداعي للانفصال، يرأسه علي سالم البيض، وفي ذات اللحظة التي يتفاءل الجميع بالحوار بطريقة غير مدروسة وكذلك الرأي العام في المناطق الجنوبية، فإن كان الرئيس هادي نفسه استطاع أن يحتوي طرفاً من الحراك الجنوبي ممثلاً بكيان "الشعب الجنوبي" يرأسه الصريمة لإشراكهم في الحوار، إلا أنه لا تزال استقالات في بادئ الحوار تتوالى عن مشاركتها في الحوار. فقد أوضح سعيد عبدالله يافعي أن إدراج اسمه من بين المشاركين وعددهم 565 كان مفاجئاَ نظرا لعدم معرفته المسبقة أو التشاور معه بهذا الخصوص. وجا في البيان الذي أصدره اليافعي: "لقد استلمت بعض الاتصالات فيها بعض العتب والاستغراب من مشاركتي في مؤتمر الحوار الوطني على خلفية مواقفي السابقة المعلنة والمنشورة في الصحافة وعبر المواقع الالكترونية بأنني أؤمن بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره بحرية ودون وصاية من قبل أي طرف كان، وبين موقفه في المؤتمر الذي أدرجه الرئيس بصفته الشخصية وليس كممثل للحراك الجنوبي ولا الملتقى التشاوري لأبناء الجنوب في صنعاء، وأن موقفه وقناعاته من القضية الجنوبية المشار إليها لم تتغير، وأضاف: أنه سيطرحها بقوة في كل مشاركاته في مؤتمر الحوار الوطني. وقد أعلن رئيس المجلس الوطني لشعب الجنوب انسحابه من مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء، وذلك قبل ساعات فقط من انعقاد المؤتمر في العاصمة صنعاء، حيث قال القيادي الجنوبي البارز "خالد ابوبكر علي باراس"، الذي يشغل منصب رئيس المجلس الوطني لشعب الجنوب: إنه أبلغ القائمين على المؤتمر أنه لن يشارك في أعمال المؤتمر، وأنه يجب سحب اسمه من قائمة المشاركين. وأكد "باراس": أن عدم مشاركته في المؤتمر هو عدم التزام قيادات المؤتمر الوطني لشعب الجنوب بمخرجات ما نتج عن المؤتمر الوطني من قرارات سياسية ومواقف تجاه قضية المشاركة في حوار صنعاء. وتعتقد أكثر الفصائل الحراكية أن الحوار الوطني لم يقدم أية ضمانات بخصوص القضية الجنوبية، بل إن الحوار الوطني يكتنفه الغموض والضبابية، وهو ما أشار إليه "باراس" بقوله: لقد توصلت إلى قناعة أنه لا جدوى من المشاركة في مؤتمر سياسي، فيما غالبية شعب الجنوب ترفضه وتعارض المشاركة فيه". لكنه يستدرك بقوله: "لكن طالما اسمي قد نزل ضمن الأسماء المشاركة فإنني أعلن رسميا عدم مشاركتي في هذا الحوار". ليس فقط خالد باراس من المناطق الجنوبية من يتنكر لصيغة الحوار فحسب، بل أطراف من المناطق الشمالية أيضاَ، فقد اعترض حسين الأحمر نفسه على اللائحة الداخلية للحوار الوطني، والاستماتة في الإقصاء الواضحة دون إشراك من كانوا فاعلين في التوصل للمبادرة الخليجية، وقال الأحمر -في بيان عن مجلس التضامن- إن قرار (11) لعام 2013م جاء مخالفاَ لما نصت عليه المبادرة الخليجية، في تمثيل كافة الأحزاب والقوى السياسية والمرأة ومنظمات المجتمع المدني والشباب المستقل والأكاديميين والعلماء والشخصيات الاجتماعية المستقلة وتحالف أبناء صعدة والحراك التهامي والشريحة الأكبر من ممثلي الحراك الجنوبي. ويبدو أن الانسحابات المعلنة السباقة وما تلاها من الأطراف في الحوار الوطني وتعليق بعض القوى مشاركتهم؛ لتؤكد أن الحلقة تنفض عن حجمها الطبيعي، وأن ثمة اختلالاً في الخطة وإرباكاً في التنظيم والرؤية التي خطها المؤتمر بدءاً من قائمة هادي، التي كان يعتقد المشترك وحزب الاصلاح بالذات على أن يكون هناك تعويض عما نقص من قائمة مشاركتهم في الحوار، الا أن هادي كان اختياره مغايراً لكل توقعاتهم، وهو ما أبداه الجميع من استياء واعتراض لتمثيل المستقلين والمرأة والمجتمع المدني، ويظهر أن المستفيد الأكبر من اللائحة الداخلية هم الحوثيون الذين أُعطي لهم مقاعد بما لا يوازي حجمهم فعلياَ، وعزز من ذلك عدم تضخم حجم خصومهم من حزب الإصلاح في قائمة الرئيس هادي واختيار اشخاص بعيدين عن ولائهم للإصلاح، وهو ما جعل الجميع يُعبِّر عنه بصيغة الإقصاء للآخرين، كما جاء في بيان مجلس التضامن بأن قوام المؤتمر الوطني بالشكل الوارد في القرار الجمهوري، وفي ظل إقصاء بقية الشركاء الحقيقيين في البلد، لن يجعل الحوار الوطني فاعلاً في الوصول الى نتائج مثمرة تُخرج البلد من أزمته الحقيقية، بل وعلى النقيض من ذلك ربما يضيف عبئاً على الوطن، ويسهم في تكريس أزماته، ويعمق الهوة بين الأطراف المختلفة، وربما يقود الى العديد من الحركات الاحتجاجية الرافضة لعقد مؤتمر الحوار، والتي تفضي في نهاية المطاف الى إفشاله. القرار قرارنا في الكلمة التي ألقاها عبدالكريم الإرياني في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، قال: إن اللجنة عقدت أكثر من مائة اجتماع للجنة الرئيسة، إضافة إلى عدة اجتماعات للجان الفرعية، التي أعدت خطة العمل وأعدت لائحة عمل اللجنة وهيكل التقرير الختامي، ولفت إلى أن اللجنة ناقشت النقاط العشرين قبل رفعها لرئيس الجمهورية كمقترحات، ويبدو أن ثمة فشلاً في تطبيق النقاط العشرين على قدر أهميتها، وأن المبرر جاء على أنها وضعت كمقترحات ليس إلا، وهو الخلل ذاته في مقدمة الحوار وعدم جديته، حسب توصيف الحراك الجنوبي الداعي للانفصال، لذا يأتي الرد في ذات اليوم استباقياً - إن صح التعبير- من الحراك الجنوبي بحشد جماهيري ليقولوا (القرار قرارنا) وليس ما يقره الحوار في صنعاء، فاجتماع الجنوبيين في مدينة عدن يوم الاثنين 18 مارس أوصل رسائل متعددة، من بينها: أولا- رفض فصائل متعددة من الحراك مشاركتهم في الحوار. ثانياَ- مصير الجنوب للجنوبيين وليس بيد المتحاورين. وكانت قوى جنوبية قد دعت إلى هذا الاحتشاد لمطالبة المجتمع الدولي بترتيب حوار بين الجنوب والشمال وفق مبادرة خاصة ومع اشتراط الندية بين الطرفين، ولرفض الدخول في حوار مبني على مبادرة لتقاسم السلطة بين أطراف النزاع في صنعاء، ووصف البيان الصادر عن الحراك في يوم " القرار قرارنا" وصف الحوار الوطني بالفخ السياسي، الذي يستهدف إساقط الوطنية. وفي جلسة افتتاح الحوار الوطني رفع مشاركون جنوبيون علم الجنوب وسط القاعة ما أدى إلى حدوث إرباك بعد محاولة من أفراد من الحراسة أخذه من يد الأشخاص الذين قاموا برفعه. وقالت مصادر شاركت في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار: إن عدداً من المشاركين الجنوبيين في مؤتمر الحوار بصنعاء بينهم د.محمد حسين حلبوب وشخص أخر يدعى وهيب، وثالث يدعى د. باصهيب رفعوا بشكل مفاجئ علم الجنوب، الأمر الذي أحدث حالة من الارباك في قاعة المؤتمر. في ذات السياق تظاهر عدد من شباب الثورة في العاصمة صنعاء يوم الاثنين الماضي للمطالبة بمحاكمة المتورطين في "مجزرة جمعة الكرامة". وقال متظاهرون: إن هذه المسيرة تأتي تلبية لدعوات وجهها ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار «أنا نازل». وردد المتظاهرون شعارات تطالب بمحاكمة القتلة ورفضهم المشاركة بحوار قالوا إنه يضم متهمين بقتل شباب الثورة، وكان من بين من نظم للمسيرة أحمد سيف حاشد، الذي قاطع هو أيضا الحوار الوطني. خيارات قرار الشمال والجنوب احتدم جدل واسع حول مصير اليمن شمالا وجنوباَ، والصيغة لبقائهم جغرافياَ وسياسياَ، لكن ما يمكن أن يسلم به جدلا الآن هو أن خيار الوحدة لم يعد لها متسع في أطروحات الجميع، ليس الانفصال، ولكن ما يمكن أن يضعه الجميع من خيارات سواء الشمال المتصلب على بقاء النسيج اليمني موحدا، وبين عناد الجنوبيين للانفصال، ذلك أن فكرة الفيدرالية وإن تعددت مشارب صيغتها، أو الاتحادية أو الحكم اللامركزي واسع الصلاحيات، كلها تعبر عن تراجع لمسمى الوحدة، لكن هذه الخيارات تبدو أنجع الوسائل إن تم احتواء قرار الجنوب الداعي للانفصال، وإن تمكن الشمال من فرض قرارهم - في خيار اليمن في إطار تلك المسارات- فلا شك أنه سيكون نصراً لاحتواء أزمة اليمن الكبرى، مع هذا تظل تخوفات من الصراع داخل تلك الخيارات واختلافاً عن الصيغة النهائية لشكل اليمن شمالا وجنوباَ في إطار الفيدرالية ذي الأقاليم، وهو ما يرجحها الرئيس هادي، وتظل اليمن في معمعة الخيارات المفتوحة في ظل حوار لا سقف له. إذاً بين خيار الانفصال وخيار التراجع عن الوحدة في صيغ متعددة آنفة الذكر، ستظل فترة الحوار بين شد وجذب لمستقبل يكتنفه الغموض، ذلك أن اليمن أولا لن تستطيع حل أزماتها على المدى القريب، وعين المجتمع الدولي حتما مع مصالحه. وليست الدول أقوى من إرادة الشعب إما انفصالية أو في إطار الوحدة، لكن يبقى ثمرة قرار الشمال وقرار الجنوب مُراَ على مستوى المواطن، فسيغدو الشمال فترة من الإهمال نظرا لاهتمام الحكومة بالجنوب، وسيعيش الجنوبيون حالة من الصراع بين الصف الجنوبي نفسه، فإن وحدت صفهم قضية الانفصال، فسيختلون ما بعد الانفصال، لوجود القطيعة التاريخية بين رموز القادة الجنوبيين.