سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حتى لا يتفجر الوضع سياسيًا وإفشال الحوار.. الاشتراكي والناصري أقرا الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد.. والإصلاح والرشاد تقاربا في الطرح.. والبعث والعدالة نقضا المادة
بدأ حزب الإصلاح في بادئ رؤيته متخففا من مسمى الدولة المدنية وأنها لا يمكن أن تتعارض مع مشروع الهوية الإسلامية، ولأن حزب الإصلاح حين اندلعت الثورة الشبابية في فبراير 2011م، كرس مسمى الدولة المدنية في جميع وسائله الإعلامية، وعارضه في ذلك الوقت بعض الرموز من الصف الإخواني المسمى بالأصولي على طرح الدولة المدنية في خطاب الثورة وأهدافها، فقد جاءت رؤيته المقدمة في لجنة بناء الدولة؛ مهتمة في تأكيد على أن الدولة المدنية لا تتنافى مع هوية الدولة الإسلامية. وهو ما ذكرته الرؤية بنصها "إن الهوية الإسلامية للدولة واعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا لتشريعاتها لا يتعارض البتة مع تأسيس دولة مدنية ديمقراطية عادلة ورشيدة". وبخصوص العدالة والمساواة فلم يكن أحد في رؤيته مختلف عن الآخر إذ تقدمت رؤية حزب الإصلاح عن وجوب العدالة والمساواة وأن الشعب اليمني "يتطلع الى دولة يشاد بنيانها على الديمقراطية واللا مركزية ودولة يسود فيها القانون والمواطنة المتساوية". أما أهم ما كان يتحسب أن يحتدم حوله جدلا؛ فهي المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لجميع التشريعات، لذا جاءت نظرت الاصلاح لها كدعوة لجميع الأطراف السياسية بعدم المساس بالمواد الثلاث الأولى في الدستور اليمني الحالي، لاسيما المادة الثالثة، وهي الجمهورية اليمنية دولة عربية ذات سيادة وهي: أولا- وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية. ثانيا- الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية. ثالثا- الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات. وأضافت الرؤية أن المادة أن وجود المادة الثالثة في الدستور اليمني الحالي لم يشكل عائقا تشريعياَ تجاه معالجة مختلف القضايا المعاصرة. وهذه الرؤية التي قدمها حزب الاصلاح لم تكن مختلفة بصريح عبارتها حول تجميد المادة الثالثة فقد أيدها حزب الرشاد السلفي، إلا أن لغة حزب الرشاد بدت أكثر أصولية من حزب الإصلاح في سرد الآيات المتمحورة حول الهوية اليمنية التي يعتبر حزب الرشاد أنها من صلب الدين، ووافق الرشاد الاصلاح في الحرص على عدم تغيير المواد الثلاث الأولى في الدستور، إلا أن الرشاد أولى المادة الثالثة أكثر الاهتمام، وقال لا بد أن تجمد المادة الثالثة وعدم المساس بها. وبما أن حزب الرشاد حديث عهد في السياسة فقد بدا ضليعا في الأمور السياسية التي يطرحها في الحوار الوطني، لكن يبدو دون شك أن موضوع هوية الدولة أنه دار تنسيق أو نقاش مع حزب الإصلاح في توجيه رؤية واحدة حول الرؤى التي قدمت للجنة بناء الدولة حول هوية دولة اليمن القادمة وهو ما بين تقارب الصيغتين معاَ. الإشتراكي والناصري يتجنبا الصراع في حين كان متحسباَ أن يبدي الحزب الاشتراكي خلال رؤيته حول هوية الدولة من المادة الثالثة تحفظاَ؛ إلا أنه أكد من خلال المواد الثلاث الأولى من الدستور أنها أسس عامة، بمعنى أنه لم يدخل في جدل حول تلك المواد لاسيما المادة الثالثة. ويأتي هذا التوجه الذي كان حتى من في الحوار متوجسا من رؤية الحزب الاشتراكي والناصري حول المادة الثالثة فيما إذا طرح تعديل للمادة من قبل الحزبين؛ إلا أن الحزبين ظهرا متفقين مع بقية الأحزاب الإسلامية - الإصلاح والرشاد- على الرغم من أن الحزب الاشتراكي لم يقدم تنازلا قبل حرب صيف 94 بصيغة "أن تكون الشريعة الاسلامية هي أحد المصادر التشريعية وليس الوحيدة"، وبدا متصلباَ في موقفه المناوئ لحزب الإصلاح الذي كان يرى أن تكون الشريعة هي المصدر الوحيد لجميع التشريعات. وقد اتفق مع الحزب الاشتراكي آنذاك حزب المؤتمر الطرف الآخر في الحكم تحت مظلة الوحدة، حينها قاد حزب الإصلاح برئاسة عبدالمجيد الزنداني مظاهرات مليونية في المناطق الشمالية لإقرار المادة، وبعد حرب 94م، تم التعديل على الدستور وأقرت المادة التي أصبحت المادة الثالثة والأساسية في هوية الدولة. إذن هذا التوجه من الاشتراكي تحديداَ في الرؤية التي قدمها يوم الأحد الماضي في الحوار الوطني والتي ابتدأها تحت عنوان "الأسس العامة" وهي أن الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية، والإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، إضافة إلى أن الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات. هذا التوجه من الحزب الاشتراكي في عدم تحفظه على المادة الثالثة بالتحديد يأتي تحسبا لعدم تفجير الوضع سياسيا مع بقية الأحزاب الإسلامية وإفشال الحوار. وأما رؤية الحزب الاشتراكي بشكل عام فقد جاءت أشبة بدستور متكامل في إطار دولة اتحادية من نظام برلماني، وقد أكدت على عدد من المبادئ أولها مبدأ الفصل بين السلطات، وتوازنها بما يحقق توزيعها واستقلاليتها، ويشمل ذلك حظر الجمع بين أكثر من سلطة، وأن يحظر على رئيس الجمهورية تولي مهام الهيئات التي لها سلطة على أعضاء السلطة التشريعية أو القضائية أو السلطة المحلية أو الانتماء إلى عضوية الهيئة التشريعية أو رئاسة هيئة حكومية أياً كانت مهامها أو تبعيتها له أو لمؤسسة الرئاسة، وأن يحظر على أعضاء السلطة التشريعية الانتماء إلى عضوية السلطتين التنفيذية والقضائية عدا رئاسة وعضوية مجلس الوزراء، وأن يحظر على أعضاء السلطة القضائية ومجالسها المهنية والإدارية ورؤسائها الانتماء إلى عضوية أية سلطة أخرى، ويحظر على كل هؤلاء الجمع بين مناصبهم ومهامهم ومناصب ومهام السلطة المحلية. وأضافت رؤية الحزب الاشتراكي أن نظام الحكم في الجمهورية اليمنية جمهوري ديمقراطي برلماني يقوم على أساس اللاَّ مركزية، والنظام السياسي يقوم على التعددية السياسية والحزبية، وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً، وينظم القانون الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي ولا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين. وأكد الحزب الاشتراكي على أن الحكومة تتحمل مسؤولية اتخاذ التدابير التشريعية والتنفيذية لضمان حيادية أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، والتمييز بين موارد الدولة وإمكاناتها، وبين ملكيات المسؤولين في الدولة والحزب أو الأحزاب الحاكمة، ويحظر استخدام أو تسخير المال العام ومقدرات الدولة وأجهزتها للمصلحة الشخصية أو الحزبية، كما يحظر تغيير النظام السياسي أو العمل على تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية بالعنف والقوة المسلحة. وتتكون السلطات المركزية - وفقا لرؤية الحزب الاشتراكي - من المجلس الأعلى للدولة والمجلس الوطني الذي يتكون من مجلسي النواب والشورى ورئيس الجمهورية والحكومة. كما حددت رؤية الاشتراكي 14 هيئة، ترى وجوب تمتعها بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، من بينها ثماني هيئات استحدثتها الرؤية وهي هيئة التكافؤ والمساواة ومكافحة كل أشكال التمييز والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للخدمة المدنية والمجلس الوطني للصحافة والإعلام والمجلس الوطني للتعليم والبحث العلمي والهيئة العليا لشؤون الوقف ولجنة شؤون المنظمات والاتحادات النقابية ولجنة شؤون المنظمات غير الحكومية. وأما التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري فقسم رؤيته على ثلاث أسس وهي الأسس الأساسية، والأسس الاقتصادية، والأسس الثقافية، وجعل في مقدمة الأسس الأساسية هي المواد الثلاث الأولى في الدستور الحالي بما فيها المادة الثالثة. أضافي في رؤيته على حرية الأحزاب وعدم الحاجة للحصول على تصاريح للأحزاب السياسية، مع التأكيد على عدم السماح بقيام أحزاب على أسس عرقية أو مذهبية أو جهوية، وألاً يكون لأي حزب تشكيل عسكري أو شبه عسكري. وشددت رؤية الناصري على إعمال مبدأ المحاسبة لكل من يتولى وظيفة عامة، بدءاً بمنصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وحتى أدنى السلم الوظيفي، وحظر أية حصانة من المساءلة لأي منهم، وضرورة حيادية أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وعدم جواز تسخيرها لمصلحة أي شخص أو فئة أو حزب معين. البعث والعدالة يغيران المادة الثالثة أما حزب البعث العربي الاشتراكي فقد كان مغايرا تماما لما قدمه حزب الإصلاح والرشاد والاشتراكي والناصري، إذ جعل الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا من مصادر التشريع، وكان هذا التوجه من البعث راجعا الى النظرية القائم عليها الحزب، وهي القومية العربية، وحزب البعث اليمني حزب موالٍ لحزب البعث السوري وتحكمه القومية العربية التي تنضوي تحتها جميع الديانات، وبهذا كانت الرؤية مغايرة للمادة الثالثة من الدستور. وجاءت في رؤية حزب البعث تحت عنوان الدستور مبادئه وأسسه أن الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الانتخابات العامة والاستفتاء وبطريقة غير مباشرة من خلال الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعن طريق مجالس الحكم المحلي المنتخبة. وأكد أن النظام السياسي للجمهورية اليمنية يقوم على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة والديمقراطية واللا مركزية الإدارية والمالية، الحكم المحلي كامل الصلاحيات، والنظام الجمهوري والوحدة اليمنية أساس الوحدة الوطنية وتدعيم وترسيخ نظام الحكم. وأما حزب العدالة والبناء - حسب مصادر نقلها مندوب "الوسط" في الحوار - عن أحد المشاركين في لجنة بناء الدولة، فقد نظر الى المادة الثالثة أيضا أنها أحد المصادر التشريعية، ويعتبر حزب العدالة المكون من عدة برلمانيين من حزب المؤتمر قدموا استقالتهم مباشرة بعد الاحتجاجات التي أطاحت بنظام صالح مطلع 2011م، يعتبر أن المادة الثالثة لا بد أن يتم تغييرها، وأن تكون أحد المصادر إلا أن الحزب لم تنشر رؤيته حتى الآن. وأما حزب المؤتمر الشعبي العام بسبب تأرجح الحزب تنظيميا وعدم حضور بعض القيادات في الحوار الوطني فلم يقدم رؤيته للجنة إلى الآن، وهو ما حدث في لجنة القضية الجنوبية الذي تأخر عن تقديم رؤيته الأسبوع الماضي بسبب إرباك تنظيمي يشهده الحزب. القضية الجنوبية - مؤخرًا - في رؤية الرشاد الأسبوع الماضي قدم حزب الإصلاح والمؤتمر والاشتراكي وبقية الأحزاب رؤيتها حول جذور القضية الجنوبية، وأرجأ كل من حزب الإصلاح والمؤتمر جذور القضية الجنوبية الى عام67م وهو العام الذي استقل جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني، وبما أن الحزبين كانا مشاركين في الحكم بعد الوحدة هو المنعطف الحقيقي في تأزم الوضع الجنوبي وانسداد الحل السياسي فقد حاولا الحزبان التنصل من مسؤليتيهما في المشكلة، وأرجأ الحزبان جزءا من المشكلة قبل حرب 94م الى الحزب الاشتراكي، غير أن الحزب الاشتراكي في رؤيته بدا متنصلا عن كونه مشاركا في الأزمة، وألقى باللائمة على شركاء الوحدة بما فيهم الإصلاح والمؤتمر، حيث قال إنه أقصي من شراكة العمل السياسي، وبين هذه الرؤى جاءت رؤية حزب الرشاد السلفي مخالفة للجميع واتهمت القوى السياسية المشاركة في الحكم بعد الوحدة بتأزيم الموقف السياسي والاقتصادي بشقي اليمن شمالا وجنوباَ. وقد قسمت الرؤية التي قدمت يوم الأحد الماضي في الحوار الوطني؛ جذور القضية الجنوبية الى ثلاث مراحل، بدأت المرحلة الأولى منذ فترة الاستعمار البريطاني ثم المرحلة الثانية بعد الاستقلال عام 67م، وأخيرا مرحلة ما بعد حرب 94م، والتي وصفت الرؤية أنها مرحلة دخلت القضية الجنوبية منعطفا جديدا في تأريخها. ويبدو أن حداثة حزب الرشاد وعدم مشاركته في الحكم آنذاك مكنته من تقديم رؤية تجعل القوى السياسية الحالية في تلك الفترة في دائرة الشراكة لتأزم القضية الجنوبية وعدم حلها حتى الآن.