لا نستطيع تعريف السلطة أو توضيح أبعادها من خلال علاقة القوى المسيطرة والمؤثرة على المجتمع فقط، ولا يكفي القول بأنها الاستخدام المشروع للعنف، كما يوضحه مكس فيبر، ولا هي وسيلة تستخدمها القوة الراغبة لتأكيد وجودها الذاتي، كما يقول نيتشه، لكن قد نقترب من تعريفها في تحليل عالم الاجتماع الايطالي ميشيل فيكو في تتبع ماهية السلطة من حيث هي موضوع معرفي، وليس موضوعًا سياسيًّا، وذلك بالوقوف عند بنية السلطة الاستراتيجية وآليات عملها الداخلية، وتحليل العلاقة الجدلية بينها والمعرفة والمجتمع، ولتقريب الصورة حول ذلك من الوضع الاجتماعي اليمني، خاصة السلطة الأبوية - مثلًا - لأنها ذات تأثير كبير في حياة المجتمع، فالسلطة التي يمارسها رب الأسرة على أفراد عائلته نابعة من هيمنته المباشرة وغير المباشرة على اقتصاد الأسرة أو الفرد فيها، ومنها تأثير التربية والنشء والعادة الاجتماعية المكتسبة في ثقافتنا الأسرية عن الطاعة والتبعية للفرد وحسب التسلسل الهرمي وأيضا من تأثير الجوانب الأخلاقية والدينية في البيئة العربية واليمنية المحافظة على وجه الخصوص، كل تلك العوامل هي سلطة موجهة في حدود معينة داخل المجتمع. ومنها تتشكل قاعدة للتوافق الجمعي تخلق سلطة اعلى تتحكم بالمجتمع، تتمثل في تأثير الرموز والوجاهات القبلية الاجتماعية. ومجموعها يشكل مرتكز قوى ونفوذ تسيّر سلطة الدولة في بلادنا وغيرها.. يبدأ الصراع، وبها ينتهي بالتوافق عادة، وكما لاحظنا لم تسقط سلطة النظام في الدولة اليمنيه عند قيام الثورة لأنها ترتبط ببقاء الرموز ممثلة الكيانات الاجتماعية. والبعض قد يتساءل كيف يتم التأثير للفرد من الرموز على الواقع المجتمعي؟ ليست هناك اجابة محددة لأن السلطة هي درجة التأثير على المجال الذي يراد الوصول إليه، فللخطاب - مثلًا - سلطة يمارسها على قارئه. وللعادات والقيم سلطة تمارسها على من ينظر إليهم على أنهم متمردون عليها وللمجتمع والرأي العام سلطة على كل فرد، وحتى الصحافة سميت السلطة الرابعة بحكم تأثيرها على سلطة الدولة والرأي العام. مثلا هذا اتجاه تقريبي في تحليل ماهية السلطة كما ذكرنا عند فيكو، بل يذهب الى اكثر من هذا، حيث يتوصل الى ان للعدالة سلطة باعتبارها تقوم على العنف الداخلي اللين, وللحقيقة سلطة تمارسها على العقول, وللأخلاق سلطة تمارسها على الوجدان والاجساد, هذا التوسع للسلطة في التحليل الاجتماعي قد يبدو غير بائن ومتميز، لكنه منتشر في كل مكان ولا يدرك الا بتحليل أهميته، وهكذا فالسلطة هي موضوع معرفة او المعرفة هي سلطه بذاتها. فالسلطة موجودة في المجتمع بشكل خفي لأنها لا ترى ولا تتكلم، كما انها تمارس نفسها انطلاقا من نقاط لا يمكن حصرها.. لاحظوا اننا نقول سلطة، مثلا تأثير بيت الاحمر او سلطة علي محسن، وهو ليس رئيس ولا نائب، ويمارس التدخل كسلطة بمستوى عالٍ من التأثير، ومثل ذلك نافذين او قبيلة، وما اكثرهم في اليمن لهذا السلطة في اليمن غير متمركزة ولا متمأسسه بيد الحكومة او الجهات الرسمية للدولة، على سبيل المثال لم تستطع حكومتنا ضمان وصول التيار الكهربائي للمواطن ولا تنظيم الخدمات ولا بلوغ الامن ولاستقرار لأن السلطات في اليمن متداخلة ومتشابكة ومعقدة وأطراف السلطة بأيدي رموز او وجاهات وليس بيد مؤسسات الدولة، ولا تخضع لأنظمتها او تشريعاتها. كان الرئيس السابق يدير السلطة اثناء حكمه بأكثر قدرة من خلفه.. لماذا؟ لأنه كان يجيد ادارة مختلف السلطات للرموز والوجاهات خارج حدود الدولة وخارج القانون والنظام، ولذلك لم تذهب دولة، ولم تأت دولة، بل تبدل رموز وشخصيات وحلت اخرى بدلا عنها او تنوبها، وهنا - كما يؤكد فوكو - أن طبيعة السلطة رمزية متوارية ومتشابكة، ولذلك تأخرت التنمية البشرية في الكشف عن هذه الطبيعة المعقدة والخفية والسلطة على مداد التاريخ تعمل بصمت وهدوء وغموض لكننا لا ندركها إلا حين تظهر في صورة ميل استئثاري باتجاه اناس او طبقة وتسلب معها حقوق اخرين من الفئات او من الطبقات الاخرى، الاكثر فجاجة هي السلطة بيد اليمنيين لاحظوا كيف القلة المتسلطة استباحت ارض وإنسان وحقوق لأنها سلطة بلا رادع عمقها القبيلة ومحيطها التحالفات القبلية, فالأهم في تجسيد السلطة عند هؤلاء هو المصلحة وتماسك التحالفات القبلية هو من أجل المصلحة لأطراف السلطة. وعند عالمنا ابن خلدون تعتمد السلطة على العصبية وتماسكها وتتجسد في التحالفات في اليمن عندما تتفكك سلطة القبيلة الام تنتقل الى عصبية جديدة لقبيلة اخرى تكون قوية او متحالفة مع غيرها.. وما زالت الدولة تتأثر بالقبيلة وتخضع لشروطها في كثير من الاحيان، لاحظوا ان الدولة تحكم بالأعراف في كثير من الأوقات ولاحظنا ان تلك العادة تصل الى المؤسسة العسكرية ومشكلة احد الألوية والتمردات فيه حلت بطريقة العرف والعادة القبلية. هذه هي السلطة اليمنية بشكل عام بعد تعمق علم السياسة والاجتماع بماهية مفهوم السلطة فلم يعد الآن يبحث عنها (السلطة) في سياق القانون والقضاء والحاكم والشريعة وأجهزة الدولة القمعية، فهذه الاطراف فقيرة ولا تسمح بالولوج الى عالم السلطة العميق والمعقد والمتشابك العلاقات لأن السلطة تمارس ماديا بآلياتها وبطريقتها المخفية الذاتية والتقنية والتكتيكية التي يتحدث بها الواقع، وتتبين السلطة خلف الممارسات الظاهرة التي تبدو بصور او اشكال شتى منها على سبيل المثال تبرز على الواقع اليمني كسلطات متداخلة ومشتتة أي غير منتظمة، والتي تفرضها مراكز القوى القبلية والعسكرية المتعارضة مع سلطة الدولة والتي تخضع في الغالب لتدخلات مراكز الثقل تلك، أحيانا تصطدم بها او تتوافق معها وسلطة الدوله في اليمن عادة تبحث لها عن مجال للهرب من ثقل المهمات في بعض الاوقات وللتخفيف من ظغط مراكز النفوذ التقليدي عليها في حدود مهامها على الرغم من ان رجال السلطة في نظام الحكم سواء الحالي او السابق يريدون ان يغلفوا انفسهم مع اتباعهم بسلطة الدولة ويتقعروا بداخلها، هذا من جهة كونهم سلطة رسمية وسلطات نافذة وأحيانًا لا يستطيعون بسلطاتهم تلك اختراق مجالات معينة او التأثير على اوضاع محدودة او الوصول الى منافع ومكاسب كبيرة فنراهم ربما يتحالفون مع اطراف قبلية او سياسية اخرى, ومن اطراف السلطة الاحزاب السياسية وخاصة ما كان يسمى بأحزاب اللقاء المشترك، هذه الاحزاب تقع احيانا تحت سلطة حزب الاصلاح، اثناء الثورة تشابكت سلطاتها مع سلطة الاصلاح. وبعدها اضيفت سلطتها الى سلطة الاصلاح وهيمنته وبها استطاع الاصلاح استبدال نفسه بديلا لسلطة النظام السابق والثاني بقي شريكا ضعيفا تحت اسم المناصفة وكان الاجدر ان تتحول بقية احزاب المشترك المعارضة لكنهم ربطوا انفسهم بوهم المناصفة التي لا يحصلون منها إلا على الفتات والضرر الاكبر على العملية السياسية في البلد التي تنعكس على شعبهم الذين يتباهون بالدفاع عن مصالحه كيف تكون مصالح شعب لا يملك معارضة وبقاء السلطة سنتان بدون معارضة وربما يتم التمديد لفترة اخرى تستمر بالتوافق للسلطة يعني المؤامرة على مصالح الشعب في الشمال والجنوب ولهذا تبقى سلطة حزب الاصلاح هي الاوفر حظا والأكثر تاثيرا على الوضع السياسي من خلال التالي: استغلاله السلطة لممارسة صلاحيات اوسع وتعزيزات مكانته الاجتماعية بتعميم توجهه الفكري وكانت المبادرة الخليجية بالنسبة له مدخلا لتفرده وتوسعه وغطاء اساسيا لدعمه من اطراف خارجية تحت مبررات مذهبية. استخدم سلطته للظغط والابتزاز على جهات ومؤسسات وهيئات، والمصالح المختلفة في جهاز الدولة لترتيب اوضاع اتباعه وأنصاره وظيفيا وسياسيا في هيكل وقوام الدولة الحالية. التأثير بواسطة سلطته ونفوذه على اقتصاد الدولة ومواردها وإمكاناتها المادية والتقنية ومصادرها والسيطرة عليها او التحكم بها كأولوية سياسية تمنحه فرصة الضغط على الخصوم. .وأخيرا استخدام سلطته ونفوذه في تمييع وتضييع القضية الجنوبية، والغريب ان كل السلطات والاقطاب والمراكز الاخرى السياسية والاجتماعية تلتقي مع الاصلاح في تكثيف وسائلها وجهودها لمواجهة القضية الجنوبية كسلطة رسمية تمارس القمع بشكل مكثف باتجاه فرض الوصاية على الجنوب وجعله تحت السيطرة والحرص على تعزيز وتكثيف الوحدات العسكرية والامنية في نطاقه الجغرافي وممارسة سياسات اللعب بأوراق عديدة لخلخلة المقاومة والحراك الجنوبي على الارض مثل الشراء للذمم الرخيصة واللعب بالقاعدة او توسيع ونشر الاحزاب المهجنة او ممارسة الاقصاء السياسي او المهني في المجتمع الجنوبي لان جميع هذه العمليات من التدجين او الادماج او الاقصاء او الاستبعاد او الهيمنة..الخ كلها آليات عمل للمارسات السلطوية او تقع خلفها وهي عمليات غير منظورة في تقنية وتكتيكات الممارسة والتأثير للسلطة لكن المأساة ان هذه السلطة التي تمارس على الجنوب لا تأخذ العنف والقمع فقط بل باعتبارها اداة بيد الدولة تفرض من خلالها القانون والتشريعات التي تجعل من الجنوب ساحة تجارب للهيمنة السلطوية وبالتالي الاحلال والتعدي والانتهاكات لحقوق الانسان وبفرض وسائل مختلفة وإما سلطة الحراك الجنوبي مقابل سلطة الدولة اليمنية فهي سلطة لينة في مواجهة التعنت والعنف والقمع وتعتبر سلطه الحراك الجنوبي هي السلطة الناعمة التي تنطلق من مفهوم لا سلطوي لا تفرض السيطرة والقمع على الخصم السياسي لكنها تنطلق من واقع انساني وتستمد قوتها من مقومات قانونية وأخلاقيه وإنسانية تبرر العملية النضالية وتدعمها لتحقيق الهدف. هذه السلطة الناعمة للحراك الجنوبي تجد سندها الثاني في الحامل السياسي لقضية الشعب الجنوبي، والمطالبة باستعادة الدولة الجنوبية بعد النكث بالوحدة من قبل شريكة فيها ولا دخل للتعميم بغطاء اليمننة للضم والإلحاق لأنها تتجاوز اخلاقيات الشراكة والاتفاق ومبادئها القانونية.. ان الظلم والتجاوزات والانتهاكات اصبحت اكبر من مقوم الوحدة والتضليل باسمها - وأخيرا الاعتماد على الإرادة الشعبية بالانطلاق من الحق القانوني الدولي في تقرير الشعوب مصيرها بإرادتها وبخياراتها..