الاستنفار الذي يعيشه الشرق الاوسط ينبئ عن فرض متغيرات من الداخل ومن الخارج، فالشرق الأوسط هو المعادل السياسي لكل المتغيرات المرتكزة على الحالة الدينية والاقتصادية والسياسية،لأن الشرق الاوسط هو المركز الجغرافي والديني والمركز الاقتصادي خلال الحقب التاريخية المختلفة. ولهذا فإن هذه المنطقة بدولها المتعددة تعيش حالة من السيولة الجغرافية والديموغرافية نتيجة للمتغيرات في السياسة الدولية كمواقع استراتيجية للدول الكبرى التي تعيد تموضعها في سياق التأثير والفعل العالمي، وفي حدود ومراهنات الدول الإقليمية القريبة منه. لقد ظل الشرق الأوسط مركزا عالميا لمرور التجارة أولا عبر اليابسة وتاليا عبر البحار،ومثل البحر المتوسط ملتقى المحيطات والبحار والأنهار التي تمر منه وإليه الأفلاك والسفن والمراكب البحرية.ولهذا كانت مركزيته الجغرافية والاقتصادية الشديدة العمق والاستراتيجية، سببا لظهور الديانات السماوية وغير السماوية،كما هي حكمة الخالق في إرادته لظهور هذه الديانات وتمددها وانتشارها من هذه المنطقة إلى مختلف بقاع الأرض،ولذلك غلبت على دول هذه المنطقة في علاقاتها الدولية عوامل البعد الصراعي منذ القرون الأولى ق.م، من بابل إلى الاسكندر الأكبر إلى الفتوحات الإسلامية إلى الحروب الصليبية وغزو التتار، الى مرحلة النهضة الاوروبية التي حولت بلدان هذه المنطقة إلى مستعمرات للدول المتطورة تحت ظروف العلم والتقدم التكنولوجي، لتتحول العلاقة إلى سيطرة، ومن ثم مع التقدم الأكبر تحول الاستعمار العسكري المباشر إلى استعمار اقتصادي وسياسي وتكنولوجي غير مباشر في عهد العولمة، تمثل بالغزو الفكري والثقافي والهيمنة السياسية كما هو حاصل حاليا، فغالبا ما تكون العلاقات الدولية عبارة عن تفاعلات ثنائية الأوجه أو ذات نمطين هما النمط التعاوني والنمط الصراعي،إلا أن النمط الصراعي هو الذي يغلب عى التفاعلات الدولية بالرغم من محاولة الدول إخفاء أو التنكر لتلك الحقيقة،وأن النمط التعاوني الذي قد تبدو فيه بعض الدول متماهية في علاقاتها تحت المظلة الإنسانية أو التعاونية التبادلية وهي أيضا نمط موجه لخدمة صراع أو نمط صراعي آخر قد تديره الدولة، أو تلك الدول مع دولة أو مجموعة دول أخرى في سبيل الوصول لى تغليب المصالح واستخدام النفوذ والهيمنة من أجل السيطرة على مقدرات وثروات الشعوب وتهجينها وإضعافها تحت شروط القوانين الدولية المطاطة وأيضا تحت شعار المواثيق الدولية ورايات الحقوق الإنسانية، والأدهى من هذا كله الهيمنة في ظل القطبية الأحادية الامريكية تحت يافطة حماية المصالح الاقتصادية للدول الكبرى بدواعي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين،وهذا هو عبارة عن مصطلح فضفاض من الممكن أن تعمل وتتحرك تحت غطائه الدول الكبرى الممثلة اليوم بمجلس الامن الدولي(الدول الخمس الدائمة العضوية)التي منحت نفسها شرعية إضافية خارج شرعية دول العالم أجمع،وميزت نفسها بالاستثنائية والقدرة التي بها تتحكم بإخراج أي قرار ودعمه أو رفضه وفقا لما يخدم أجندتها السياسية ومصالحها الاقتصادية،فالعلاقات الدولية أصبحت تتحكم بها القوة الدولية للدول الكبرى التي تسطير على مفاصل الاقتصاد العالمي وعلى حلقات السياسة الدولية،كما تسيطر وتقف على رأس هرم المنظمات الدولية والأممالمتحدة لتكون بالتالي تحت نفوذ مجلس الأمن الدولي،الذي تستخدم باسمه شرعية التصرف والضغط والمساومة ضد بقية الدول في العالم كله لفرض مواطئ قدم لها ولاستثماراتها وشركاتها ومصالحها الاقتصادية عبر مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأممالمتحدة وتتخذ من قراراتها وقوانينها وعهودها،سلاحا ماضيا للهيمنة،ومن أساطيلها وسفنها الحربية وبوارجها وقواعدها العسكرية في المحيطات والبحار وعلى اليابسة،تتخذ منها وسيلة لرعاية سير مخططاتها وفرض إستراتيجياتها التي تبلغ بها درجة الهيمنة القصوى. في هذه المرحلة من الاحادية القطبية التي تمثلها أمريكا،حيث لا يوجد هناك بديل لها أو أكبر منها أو يوازيها في هذه الحقبة التاريخية،لذلك فإن النظام الاقليمي الشرق أوسطي هو جزء من مضمار النظام العالمي،بل هو جزء من نظام فرعي تابع له ليس على مستوى الأطر التنظيمية النظرية وحسب وإنما يتداخل جغرافيا وسياسيا واقتصاديا مع دول الغرب المتطورة وكذا يتداخل أيضا مع بقية الدول الأخرى في المنطقة.لهذا السبب لا يمكن للدول الكبرى، وخاصة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أن تدير ظهرها للشرق الأوسط الذي يقع في جوفه ثلثا الاحتياطي النفطي في العالم، أو لكي تبحث أو تتصيد الفرص في المحيط الهادي وأماكن أخرى بهدوء وهناء وراحة بال.هذا مع التأكيد أنه لا يوجد بديل أمثل جغرافيا واقتصاديا وما يترتب عن ذلك سياسيا يمكن أن يهمش المعطى الجغرافي للمنطقة بوصفها مكانا جغرافيا يتوسط العالم ويتحكم بالكثير من حركته التجارية وحراكه السياسي والثقافي العالمي،ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتعمد وضع وتصميم صفقة تاريخية تتخلى بموجبها عن الشرق الاوسط لقوى أخرى باعتبار هذا يمثل رهانا خاسرا في مبدأ الربح والخسارة،لأن روسيا والصين تفتقران إلى القوة والقدرة العسكرية والسند التاريخي والجاذبية الثقافية،وكذلك أوروبا هي ليست مؤهلة لاحتلال موقع الولاياتالمتحدةالامريكية وأن جميع تلك الدول باعتبارها من الدول الكبرى خاصة التي على رأس مجلس الامن، تتبادل الأدوار وتتقاسم المصالح وتفرض التسويات السياسية وتؤيد أصدقائها في المنطقة والتي لديها مصالح اقتصادية فيها خاصة مخزون الطاقة،فتدعمه بكثير من الفرص والتي توافق أجندتها الاقليمية،كما تدعم مبادراتها السياسية وتفرض عبرها نفس التشكيلات والأطر السياسية والمنظومات الثقافية والبنى الاجتماعية والخرائط الجغرافية.هذه الأجندة الداخلية المدعومة من قبل الاستكبار الدولي وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالامريكية،التي اتكأت على هذه الوضعية الكلاسيكية ذات الجغرافية والاجتماع والايدولوجيا، هي التي استنزفت قدرات أمريكا ومن ينافسها مثل الاتحاد السوفييتي بشكل أكبر،كي تبنى تلك الأحادية على المغامرة العسكرية والمخابراتية في جبال وصحاري افغانستان والعراق والصومال ومحاولة الوصول إلى اليمن عبر خطط وتصورات أقرب للواقع الجيوستراتيجي كنمط استراتيجي امريكي جديد يقوم على إعادة صياغة وتشكيل الشرق الاوسط بطريقة جديدة،من الواضح أنها تقوم على سياسة وهندسة ربما جديدة في معمار الشرق الاوسط القديم بأنظمته العتيقة،والتي قد تبقي على تلك الأنظمة التقليدية بعد فشل ما سمي بالربيع العربي، وتقيم لنفسها عرش التسلط لكي تبقي على العرف الأمريكي من المنظور السياسي لها،بأن المنطقة وما حوته والبشر وما يحكمهم هي استثمار امريكي خالص لها، بما في ذلك إيران، لتكون تحت خطتها الاستثمارية،والدليل على ذلك السياسة الأمريكية تجاه المفاعل النووي الإيراني.عبر هذه الهيمنة ينفذ مجلس الأمن الدولي اليوم الخطة الاستراتيجية الامريكية والتي تضع نفسها بديلا لأوروبا في بداية القرن الماضي وتضع امريكا التقسيم الجديد بالموازاة مع التصور الاوروبي القديم في الشرق الاوسط، أي بديلا لاتفاقية سان ريمو قبل قرن من الزمن ولكن بشكل يتكيف مع المتغيرات الجديدة..وإلا ماذا دفع بمجلس الأمن الدولي أن يحضر الى اليمن لدعم العملية الانتقالية والتسوية السياسية، كما استمر يصدر القرار تلو القرار حول اليمن ويرسل المندوبين والمبعوثين الأمميين،ليس حبا في اليمن وإنما حبا بالمصالح التي يرتبط استقرار اليمن بالأوضاع الاخرى في الشرق الأوسط خوفا على المصالح الأمريكية بالضبط في دول الخليج والشرق الأوسط. اليوم يوضع اليمن بإجراءاته السياسية ورموز السياسة فيه تحت بنود نص الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة،في ما يتخذ من الاعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، وإرسال مندوبين يراقبون ويرصدون تحركات الأشخاص والتنظيمات والجماعات المختلفة في اليمن لفرض العقوبات، أي جعل اليمن تحت الوصاية الدولية وتحت رحمة الدول الخليجية التي حملت الولاياتالمتحدةالامريكية على منح هذه الدول الثقة لفرض المبادرات وخلق التسويات السياسية في اليمن، لكي تتوافق مع خط سيرها وتأمين مصالحها. الخطورة الكبرى على القضية الجنوبية تأتي من تجاهل مجلس الأمن الدولي لهذه القضية المتمثل بالاتي: 1-أن قرار مجلس الأمن تحت البند السابع في ظل الوضع المتقلقل في الجمهورية اليمنية يعتبر التململ والحراك السياسي نوعا من التمرد والخروج عن المبادرة الخليجية والتسوية السياسية في اليمن ويعتبر أن الوحدة اليمنية لا تعاني من أزمة مع عدم الاعتراف لشعب(الجنوب)بأن قضيته قد تحولت من وحدة الى احتلال بعد حرب صيف1994م. 2-يحاول القرار المذكور أن يلغي المطالب الحقوقية العادلة للجنوب ويحولها إلى مطالب ترفيه لا ترقى إلى مطالب قانونية مشروعة وفقا لما ينص عليه قانون العلاقات الدولية في مواثيق الاممالمتحدة، أي لا يعتبر أنها وحدة بين دولتين ألغتها الحرب. 3-أن قرار مجلس الأمن الدولي المذكور جاء استجابة لرغبة دول الجوار واعتمد على خلط الأوراق بحيث يلبي هذا القرار فرض التسوية على ضوء المبادرة الخليجية التي رفضها الشعب الجنوبي وحراكه السلمي. 4-أن قرار مجلس الأمن الدولي الذي وضع اليمن تحت الوصاية الدولية قد تجاوز قراريه الصادرين حول القضية الجنوبية عام1994م الذين حددا عدم فرض الوحدة بالقوة، بمعنى أنها قرارات دولية تكيل بمكيالين مما يؤكد عدم عدالة القرار المذكور بما يخص القضية الجنوبية ناهيك عن فرض الوصاية على الشمال والجنوب لفرض الوحدة. 5- القضية الجنوبية أصبحت ضحية مصالح الاطراف الإقليمية والدولية, وتحتاج من أجل تحقيق الهدف جهودا مضاعفة من قبل الشعب الجنوبي, كون القرار المذكور لمجلس الأمن الدولي يظهر المعايير المزدوجة في التعامل مع البلدان والشعوب الفقيرة وبالتالي يفرض العبودية والإذلال ويؤسس لتدمير حقوق الإنسان والنكث بالعهود والقوانين الدولية. 6- الخطورة الكبرى أن مجلس الأمن الدولي يتجاهل نضال الشعب الجنوبي وحقه في تقرير مصيره واستعادة دولته بناءاً على المواثيق والقوانين ومقررات الأممالمتحدة , بعد أن أصبح مجلس الأمن يلهث وراء المصالح ويدوس على كرامة الإنسان بفرض القوة والنظر وفق تقديراته التي أعمتها عين الطمع للاستحواذ على كل شيء حتى لحق وحرية وكرامة الإنسان. حتما مهما طال الزمن ستنتصر قضيتنا العادلة لأن وراءها يقف شعب صامد مكافح. ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ 227 الشعراء صالح محمد مسعد (أبو أمجد )