في الفترة التي تسمى «الكشوف الجغرافية» أرسل ملك البرتغال «هنري الخامس» بعثة لاستكشاف أسرار بلاد المسلمين ، وتم توقيت ذلك مع موسم الحج لتختلط البعثة متنكرة ولتكون أمامها فرصة كبيرة لتقصي الحقائق من الحجاج أنفسهم. أنهت هذه البعثة مهمتها وعادت إلى الملك بتقرير موجز جداً يقول : إن للعالم مفصلين لو أمسك بهما جلالة الملك لأصبح العالم في قبضته ، وهما «سلطنة هرمز» و«باب المندب» ويومها لم يكن اسم المضيق «هرمز» معروفاً وإنما السلطنة التي كانت قائمة وتبسط نفوذها على منفذه ، كما لم يكن العالم قد عرف شيئاً اسمه قارة امريكا أو قارة استراليا ، حيث لا تعرف البشرية سوى اوروبا وآسيا وافريقيا. من يومها بدأت الاطماع الاستعمارية الحقيقية بالمنطقة ووصل البرتغال فعلاً إلى الخليج العربي وسيطروا عليه ، ووصلوا أيضاً إلى جزيرة سقطرى ، غير أنهم لم يمكثوا فيها إلا فترة قصيرة وكذلك الحال مع جزيرة «كمران» في عهد الدولة الطاهرية ، وطبعاً لم يكن التفكير آنذاك سياسياً بل اقتصادياً، إذ أن اوروبا كانت تعيش هوس البحث عن الذهب والثروة. وفي فترة الحرب الباردة بين الامريكان والسوفيت كان وجود السوفيت في عدن يعد مكسباً يرجح ميزان قوتها لكون أكبر مصادر الطاقة أصبحت تحت ناظريها.. ومع قصر تلك الفترة لكن ظل الحلم الرأسمالي إبعاد السوفيت ، وتأمين مصادر الطاقة ، وهو ماتحقق بانهيار الاتحاد السوفيتي. الولاياتالمتحدة وفي زمن مبكر من ذلك وصلت إلى المياه الدافئة للمحيط الهندي وأقامت أكبر قواعدها العسكرية على مستوى العالم هناك وقاعدة أخرى أصغر قرب الخليج العربي.. ثم جاءت أزمة الكويت فمدت نفوذها إلى اليابسة.. لكن رغم تعاظم أهمية البحر الأحمر وباب المندب إلا أنها ظلت تحتفظ بقاعدة صغيرة في «جيبوتي» باسم قوات التحالف المشترك أسوة بفرنسا.. وهو أمر في ظل متغيرات الصراعات الاقتصادية وحتى السياسية لايفي بالغرض خاصة مع تطلعات البيت الأبيض لمشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يفترض تغيير موازين قوة وخرائط المنطقة. ويبدو أن انهيار قوة العرب بانهيار العراق ، وما سبقه من «حرب دولية على الإرهاب» أرهبت الأنظمة ، وروضت التنظيمات «الجهادية» ،في نفس الوقت الذي تتعاظم الأزمات الاقتصادية الامريكية.. كل ذلك أوجد احساساً لدى الولاياتالمتحدة وربما اوروبا أيضاً ببدء مرحلة استعمار حديث قائم على «الترغيب.. والترهيب ، والابتزاز». وبالتأكيد أن النظم الاقتصادية التي أوجدتها الدول الكبرى في إطار «العولمة» لايمكن أن تكون مجدية بغير حماية حقيقية على أرض الواقع كبسط النفوذ على المنافذ التجارية الكبرى ، التي منها باب المندب . ومن الواضح أن وجود تحالف عسكري دولي في هذه المنطقة بقيادة الولاياتالمتحدة ، ويعمل تحت مظلة قانونية دولية سيطلق يد اسرائيل أيضاً ، الحليفة الاستراتيجية لامريكا كقوة ترهيبية لدول المنطقة من خلال انتشارها البحري الحر أو المرن بأضعف الإيمان.. وهذه المتغيرات ستفرض على الدول العربية والإسلامية إعادة قراءة موقفها من مقاطعة اسرائيل والتفكير بالتطبيع كوسيلة لتؤمن نفسها من شرها.. وستحاول أن تفرض على اليمن التخلي عن مواقفها القومية وتقديم تنازلات معينة في المواقف السياسية الدولية التي يعتقد نظامها أنها تمس الثوابت الوطنية أو تتضمن على انتهاك دستوري. كما أن وجود حشد عسكري مخول بتنفيذ اجراءات معينة قد يفسح المجال للتدخل في اختصاصات الدولة اليمنية في ممراتها الملاحية ، ويفرض وضعاً يقلل من أهمية نفوذها «السيادي» البحري.. وهناك أمر مهم وهو أن هذه الحشود ستسقط أي رهان عربي مستقبلي للتلويح باغلاق المضايق الملاحية على غرار ماحدث عام 37م فهذا الممر تمر عبره حوالي 56% من تجارة العالم والموارد النفطية ، ومن الصعب أن يبقى موضوع مغامرة..علينا أن نضع في حساباتنا أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم «83081» بخصوص مواجهة القرصنة البحرية لم يكن وليد ظروف طارئة ، وإنما هناك من خلق الظروف سعياً وراء القرار.. وهنا يكمن الفرق بين قرار يصدر على خلفية ظروف طارئة وقرار نصنع له الظروف بأنفسنا «لغاية في نفس يعقوب».