علي الرباعي* - من قرأ رواية «زوربا اليوناني» للكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس، وتابع الفيلم الشهير المأخوذ عنها من إخراج مايكل كاكويانيس، ثم جمعته الأقدار أو الصدف بالشاعر والمطرب اليمني أحمد صالح الذماري، سيتملكه الشعور بأن «زوربا» عاد إلى الحياة مجدداً من خلال «زوربا اليمني»، فالتشابه بين الشخصيتين الى حد التطابق. ولد الذماري في الصومال لأب يمني وأم صومالية في منتصف القرن الماضي. وتتلمذ في الكتّاب والمحاضر المعنية بتحفيظ القرآن والفقه والتفسير واللغة، وتميّز عن زملائه بمهارته ونبوغه، إذ نجح في حفظ القرآن كاملاً وهو في الثانية عشرة من عمره، وأمّ المسلمين في الصلوات. وعقب مناسبة إحتفائية به وبآخرين لتفوقهم دراسياً، طاوله مرض أدى إلى انتفاخ بطنه وتكوره، وكاد يهلك بعد أسبوع من الوعكة المريبة. لكنه تعافى على يد «ساحرة» أكدت لأمه أنه أصيب بالعين ولا بد من تشريط بطنه لتخرج العين! وسلمت الأم بقول الساحرة وقبلت طريقتها في العلاج. ولا يزال أحمد صالح الذماري يتذكر كيف عاد البطن تدريجاً إلى وضعه، وانفتحت شهيته على الأكل وتحسنت صحته، إلا أنه عجز عن استرجاع ما كان يحفظ من آيات الكتاب الكريم. بدأت رحلته الثانية في المدرسة الإيطالية في مقديشو، حيث ظهر تفوقه في اللغة ولم تكد تمرّ عليه أعوام ثلاثة حتى أجاد الإيطالية وسجّل حضوراً لافتاً في اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية. لكنه اضطرّ الى ترك المدرسة لمساعدة والده، وبدأ العمل مع شركات أجنبية، ثم فتح مطعماً. انطلق بعدها إلى الموسيقى مكوّناً فرقة من العازفين والمغنين أطلق عليها اسم «فرقة جيمي»، وهو الاسم الذي يعرف به الآن بين جمهوره ومعارفه. ولم تمض مدّة طويلة حتى خرج إلى أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، حيث عمل في فنادق عازفاً ومغنياً يكتب معظم كلمات أغانيه ويلحنها ويؤديها بمعظم اللغات الحيّة. ومن أبو ظبي انطلق الى بلدان العالم. زار ما يقارب 75 دولة وتزوج من إيطالية، ثم ثانية من ألمانية، وثالثة من يمنية. وأنجب أربعة أولاد وبنتاً واحدة متزوجة بأميركي مسلم وتسكن معه في نيويورك. وأصبح جداً لأحفاد وأباً لطفلين صغيرين يكفلهما ابنه هاشم، لأن «جيمي» طلّق نسائه واستقر في أثيوبيا معولاً على وحدته باعتبارها جواً طبيعياً للإنسان، بعد محاولة استثمارية فاشلة في اليمن كبّدته خسائر فادحة. هذا الستيني تعجز عن فتح باب الكلام معه عندما يصحو من نومه، إذ كثيراً ما يستيقظ فاقداً شيئاً من بشاشته. وما أن يتناول الغداء ويبدأ مضغ القات ويدفع بالوقود إلى الآلة حتى ينتعش مصنع جسده الخامد ويندفع باتجاه سرد تاريخه وذكرياته مع الجوع والحرب والغناء والحب والثروة. يؤكد جيمي أن حياته منفرداً ألذّ وأغنى، «فالزواج حماقة كبيرة» برأيه. لكنه يعيش ليحبّ فيحيا، ساخراً من تجاربه المتناثرة. وإن طالبته بتدوينها يجيب «لا تحتفظ الديكة بدفتر حسابات». وما أسرع ما تستمطر ذكرى محبوبته التي عجز عن الزواج بها دموعه! ويظل «جيمي الذماري» يرسم امتداداً لذلك البوهيمي الكريتي «زوربا»، قاطعاً الكثير من الوشائج والصلات الخانقة كونها تعكّر مزاجه وتحدّ من نشاطه الذهني والبدني، مشيراً إلى أن الحياة الطيّبة ليست باهظة الثمن «محتفظاً بنجومية خاصة تمكنه من سبر أغوار النفس الإنسانية مردداً مع كونفوشيوس «كثيرون يبحثون عن السعادة في ما هو أعلى من الإنسان، وآخرون يبحثون عنها في ما هو أوطأ منه، لكن السعادة بطول قامة الإنسان». * الحياة