لا أعتقد أن أحداً شعر بالراحة عدما رأى الأوربيون الممثلون لسفارات بلدان أوروبية عدة، بالإضافة إلى سفارة الولايات الأميركية بصنعاء يحضرون جلسات مجلس النواب للاستماع إلى غسيلنا بشأن خلافات أحزابنا السياسية حول تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، في محاولة من قبلهم لتكوين صورة عن طبيعة تفكير نواب الشعب عن هذه القضية التي لا زال السياسيون يتناطحون منذ أشهر حول هوية اللجنة القادمة، هل تكون من القضاة كما يريدها الحزب الحاكم أم من الأحزاب السياسية كما يريدها المعارضون؟ صحيح أن الاستعانة بأفكار وتجارب الآخرين تبدو مهمة في بعض الأحايين، بخاصة عند الخلافات الكبيرة، لكننا -للأسف- صرنا نعتمد في كل صغيرة وكبيرة على الآخرين، وهو ما فتح شهية هؤلاء، وبخاصة الكبار منهم وجعلهم يدسون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة في شؤون حياتنا. لقد تحولت خصوصياتنا إلى دفتر مفتوح للأجنبي لكي يتصفح كل ما فيه، ومن هنا فإن السياسيين بمختلف أطيافهم يحاولون استرضاء الكبار في محاولة لكسب تأييدهم في هذه القضية الخلافية أو تلك، وشاهدنا كيف تحول رئيس المعهد الديمقراطي الأميركي بيتر ديمتروف إلى ملاذ الجميع، فالكل يحصل منه ما يريده ضد خصومه، وتجد الرجل يصرح هنا وهناك بلسانين مختلفين تماماً، والطرفان راضيان عن هذين اللسانين، وكأننا أدمنا على استجداء موقف "ماما أميركا"، على الرغم من أن كل طرف يعرف مسبقاً رأي الأميركيين فيما يجري. والسؤال الذي يحيرني، كما يحير كثيرين غيري هو: لماذا الأجنبي بالذات؟ ، لماذا نثق في الأجنبي أكثر من ثقتنا بأنفسنا وذواتنا؟، لماذا عندما نتحاور نهدد بعصا الأجنبي؟، مع أننا نصرح صباحاً ومساء أننا لا نحب أن يتدخل أحد في شؤوننا الداخلية!!. والغريب أن كل طرف يرمي الطرف الآخر بتهم الارتباط بالأجنبي وهو يقيم علاقة قوية معه، فمثلاً تجد الحزب الحاكم يتهم معارضيه بالتسول أمام أبواب السفارة الأميركية والسفارات الأجنبية الأخرى، فيما تجد المعارضة تتهم السلطة بالخضوع للمطالب الأميركية وتقديم تنازلات كبيرة لها على حساب السيادة الوطنية، مع أن الطرفين يقيمان علاقات مع الأميركيين وغير الأميركيين، بصرف النظر عن أن هذه العلاقة ذات طابع رسمي أو غيره. نحن بحاجة اليوم إلى الاستغناء عن الدور الأجنبي؛ فقد علمتنا تجارب سنوات العقد الماضي، أي منذ تحول البلاد إلى نظامين جمهوريين، في الشمال والجنوب قبل الوحدة وإلى نظام جمهوري في دولة الوحدة أن سبب كل انتكاساتنا وهزائمنا كانت بسبب تدخل الأجانب في شؤوننا. لهذا نريد التخلي عن فكرة الاستعانة بالأجنبي ليحل مشاكلنا، ولنتعلم كيف ندير خلافاتنا من دون تدخل من أحد، فلطالما سمحنا للأجنبي بالجلوس إلى طاولتنا فإننا سنرهن قرارنا له، شئنا ذلك أم أبينا.(السياسية)