في ظل التهديدات التي تطال أمن الخليج والوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور الذي ينطلق من الجمهورية الإسلامية الإيرانية نحو دول الخليج العربية المتسمة سياساتها بالاعتدال والمسالمة. كان لا بد لهذه الدول أن تبحث عن شريك استراتيجي يحقق التوازن مع القوة الإيرانية المتصاعدة، حيث ما فتئت طهران تصعد لهجتها السياسية المتشددة، وترفع وتيرة التسليح، وتتحدى العالم للحصول على قنبلة نووية. هذه الوضعية الاستراتيجية الجديدة التي جعلت إيران في هذا الموقف الاستعلائي؛ جاءت بسبب الاستراتيجية الأمريكية الخرقاء التي أسقطت العراق من موازين القوى الاستراتيجية الإقليمية وجعلته بلدا ممزقا ومتناحراً، وفي أفضل حالاته متماهياً مع إيران الثورية. حتى إن طهران تهدد واشنطن في وسط نفوذها العراقي؛ أي مهاجمة حلفائها للقوات الأمريكية في العراق!. وفي ظل التخبط الأمريكي الواضح والذي لا يدل على بعد نظر استراتيجي ولا رؤية سياسية بعيدة المدى، كان لابد لدول مجلس التعاون الخليجي ألا تعتمد اعتمادا كليا على الشريك الأمريكي الذي افتضحت عوراته. وأصبحت سياسته وبالا على الأمن والاستقرار الإقليمي. فاتجهت دول المجلس لتحقيق توازن القوى من خلال المكونات السياسية الإقليمية. فتركيا دولة شرق أوسطية قوية وهي ناهضة اقتصاديا فلا يمكن أن تمثل عبئا، وليس لها مطامع استعمارية، ولا تراودها فكرة تصدير الأيديولوجيا الدينية أو السياسية. وهي شريك مثالي في الوقت الراهن خاصة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي ينظر باحترام وتقدير لميراث تركيا الإسلامي وعلاقاتها العربية. وفي ظل استقرار تركي داخلي واضح وتطلع أنقرة لدور سياسي فاعل في المنطقة تجلى في التوسط بالمفاوضات السورية الإسرائيلية. وبناء علاقات مثالية مع جيرانها ومتوازنة مع الغرب. يمكن النظر إلى تركيا باعتبارها دولة تتمتع بمسؤولية سياسية عالية. ويمكن الاعتماد عليها خاصة أنها جزء من القوى المؤثرة في المنطقة، وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. وكذلك عضو في حلف الأطلسي. غير أن التعاون والتحالف مع تركيا ينبغي ألا يثني حكومات دول المنطقة عن تعزيز قواها الذاتية سواء تعلق الأمر بتقوية القدرات العسكرية أو أنظمة الدفاع المشترك أو صيانة المنجزات الوطنية بتمتين وإصلاح الجبهة الداخلية. كما على دول المنطقة أن تعزز آليات التعاون الإقليمي من داخل منظومة مجلس التعاون بتسريع آليات الوحدة الخليجية. أو مع الجيران من خلال تعزيز التقارب مع الجار اليمني الذي يمثل عمقا استراتيجيا للخليج، خاصة بعد أن أثبتت صنعاء قدرتها على مواجهة التدخلات الخارجية. وسيطرتها على الأمن والاستقرار الداخلي. وحرصها على الأمن الإقليمي.