كاتبة عراقية مبدعة.. استقر بها المقام في ذمار، انتقلت من شمال الجزيرة العربية إلي جنوبها.. من بغداد العراق إلي ذمار اليمن، وبين البلدين ما بينهما من أواصر العروبة والنضال والدم والدين، وبين المدينتين- بغداد وذمار- ما بينهما من أوجه التنافر والانسجام، ومظاهر الاختلاف والاتفاق، لكن ما يقصر المسافة بين كل منهما تلك العوامل المشتركة من الطموح والآمال في الغد المشرق.. لأمة عربية ناهضة.. تزهر في ربوعها ثقافة أصيلة واعية، تحيل جفاف هذه الأمة إلي فردوس يحف به الليلك والكادي والبنفسج وكل ألوان وأنواع الورود والزهور التي عرفها الإنسان، والتي كللت تاج الجمال لعشتار في أرض الرافدين، وبلقيس في أرض اليمن السعيد، قبل أن تولد المحن، وتستشري النكبات، وتستفحل أزمنة الهزائم والشتات. د. وجدان الصايغ تلك هي المبدعة نقداً أدبياً لا يميل مع الهوي، ولكنه يستظل بالموضوعية، وينطلق منها في سعيه الحثيث لإظهار أوجه الجمال في النص الأدبي، وفق شروطه الموضوعية التي يحددها النص نفسه شعراً أو نثراً، وقد أهداني الصديق الاستاذ حسن توفيق بعضاً من كتبها النقدية وأحدها كتاب الفردوس والليلك وهو عنوان يثير التساؤل: لماذا الفردوس والليلك؟ هذا التساؤل تجيب عنه د. وجدان الصايغ فتقول: بالضرورة لا يمكن لليلكة واحدة أن تصنع فردوساً، مثلما لا يمكن لجنس أدبي واحد أن يصنع ربيعاً ثقافياً، وهذا يقودني إلي الاشكالية المفتعلة في عالمنا الثقافي العربي، التي تنادي بموت القصيدة، واعتلاء الرواية عرش الابداع العربي المعاصر، وكأني بهذه الاشكالية تعيدني إلي ثقافة الحزب الأوحد، والقائد الأوحد، والبطل الأوحد وهكذا... ص 13. وهذه إشكالية تضع سياجاً بين الفنون الأدبية لتترك كل لون أدبي يهيم في فلكه وحيداً دون انتماء أو ارتباط بألوان الأدب الأخري، هذا ما يكرس أحادية التفكير، والنزعة الفردية لدي المبدع الذي لا يري غير اللون الذي يبدع في مجاله، نافياً كل الألوان الابداعية الأخري، وهو أمر لا يحد من طاقة المبدع فقط، بل يحرمه أيضاً من تجسير العلاقة بينه وبين ألوان الأدب الأخري، مع أن تاريخ الأدب قديمه وحديثه حافل بالذين جمعوا بين أكثر من لون أدبي، وأبدعوا فيما كتبوا من شعر أو نثر، وما ينطبق علي المبدع للنص الأدبي يمتد أيضاً للمبدع في النقد الأدبي، وما النقد سوي لون من ألوان الابداع لدي المتمرسين في ميدانه، والممسكين بناصية بيانه، والضالعين في التعاطي مع أشكاله وألوانه. هذه النظرة الشمولية اتسم بها كتاب د. وجدان الصائغ الذي يحمل عنوان الفردوس والليلك فقد تناولت المؤلفة بين دفتي كتابها هذا.. نقداً لابداعات مختلفة، منها الشعر والقصة والرواية وغيرها، بل إنها في الشعر لا تفضل فصيحه علي العامي منه، فمعيارها التميز في الابداع وحده ولا شيء غيره، لذا كانت بداية كتابها مع الشاعرة اليمنية غزال المقدشية التي كتبت شعرها بلهجة يمنية قد يستعصي فهمها علي غير الملمين باللهجات العامية اليمنية الريفية والجبلية والساحلية والمدنية، لكن شعر المقدشية- غزال، انجلت غمامات معانيه بالشروح التي امتلأت بها الهوامش لمعاني الكلمات. وخلاصة القول، فإن مرايا قصائد غزال المقدشية قد عكست موهبتها الشعرية التي أهلتها بأن تكون شاعرة قبيلة من طراز خاص فهي من بين مجموع شعراء عصرها كانت داعية للسلام، لذلك خلدتها الذاكرة الشعبية واحتفت بنصوصها بشكل لافت ص 31 . ومن شعر غزال المقدشية حين تكون الأنثي شاعر القبيلة إلي شعر غازي القصيبي في ديوانه يا فدي ناظريك المحتفي بفراديس الطفولة المترعة بالدهشة الأولي وكرنفالاتها المخضلة بالبراءة وكركرتها المتخمة بالنقاء كما تقول د. وجدان الصائغ. من شعر غازي القصيبي ومباهج الطفولة إلي عالم الشاعر ممدوح عدوان والطيران إلي الخلود لنجد أنفسنا أمام هذا السؤال الجارح: - فما الذي نفعله حين نوقد الشمعة الثالثة لرحيل المبدع القدير ممدوح عدوان؟ ألنعيده إلي حاضرنا الثقافي ومشهدنا الثقافي المشغول بقوته اليومي والمأخوذ بفحيح الفضائيات واختلاط الأوراق؟ أم لنهيل عليه مرة أخري تراب النسيان؟! *المصدر: الراية القطرية