اليمن ليست اقرب إلى لانفصال كما يعتقد أو يتوهم البعض فالدول لا ترسم حدودها وخرائطها الجغرافية وهوياتها الوطنية خلال عشر أو عشرين سنة ، وانفصال الدولة لا يحدث ولا يمكن أن يحدث من قبل طرف واحد من أبنائها ،حتى لو كان هذا ألطرف يمثل الأغلبية الشعبية. وإذا كان العالم لا يستطيع أن يقسم حدود الدولة الواحدة – أي دولة- حتى ولو جمع كل جيوشه وأساطيله فهو لا يقبل أن يسهم في تقسيم دولة ما من دول العالم المتعارف عليها اليوم إلا ضمن إستراتيجية سياسية وأمنية واقتصادية تتعلق بتقسيم الإقليم بكاملة لان الدول الفاعلة في هذا العصر(الدول الكبرى) تنظر إلى الدولة من خلال الإقليم الذي تقع في إطاره وليس العكس، وبالتالي فان إعادة رسم خريطة اليمن التاريخية والجغرافية والوطنية يعني إعادة رسم خريطة المنطقة بكاملها خصوصا وان بقية الدول المحيطة باليمن هي في غالبيتها دول طارئة وعمر الواحدة منها لم يتجاوز بعد المائة العام وبعضها لا تصلح لان تكون دولة في الأساس بقدر ما هي برميل نفط ووظيفة سياسية محدودة الصلاحيات . العراق مثلا ورغم كل هذا الانهيار الذي تعيشه الدولة منذ غزوها واستباحة سيادتها من قبل الجيوش الأمريكية والأطلسية ورغم كل هذا الاقتتال والإرهاب الذي سقط ضحيته قرابة نصف مليون شهيد ومعوق حتى الآن ورغم وجود قوميتين كبيرتين (العربية – الكردية ) ومذهبين كبيرين (السنة -الشيعة ) وطوائف واديان وقوميات عديدة أخرى، إلا أن غالبية الشعب العراق لا يرفض الانفصال وحسب بل ويرفض الفدرالية أيضا وحجتهم أن الفدرالية في الدولة الاندماجية لا تعني سوى شيئا واحدا وهو تخليد الأزمة الوطنية وقيادتها نحو الاقتتال الداخلي وليس الانفصال السلمي أو الحبي حسب تعبير احد المغفلين . ولكن اليمن وهي ابعد عن الانفصال والتشطير ،ليست بخير وهي اقرب إلى ما هو اخطر من الانفصال انه التمزق والاقتتال الداخلي وانهيار الدولة ، وهو ما يجب أن يثير القلق في نفوس الانفصاليين والوحدويين على حد سوى. عندما تنهار الدولة وننزلق إلى الاقتتال الداخلي سيكون أول الخاسرين هي العملية السياسية وستختفي الأحزاب والصحافة ومنظمات المجتمع اليمني ويظهر بدلا عنها أمراء الحرب وجماعات التكفير وصحوات الانبار وطالبان أفغانستان وباكستان وبني فلتان وهي صورة مرعبة ، ويكاد المرء يحسها ويرتجف من نتائجها . لا وقت لاتهام السلطة أو شتمها والقول بأنها هي من أوصل البلاد إلى هذا الوضع الخطير فهذا أمر معروف ومفروغ منه ولم يعد هنالك من ينكر مسئولية السلطة ومسئولية الرئيس تحديدا في هذه الكارثة ولكن هل هذا يكفي وهل تقتصر مسئوليتنا على ردح السلطة وشتمها والقول بأنها سلطة بنت كلب وفي ستين داهية ؟. الاحزاب ستخرج قريبا من الفعل والتاثير السياسي على الاحداث والقضايا والمطلوب منها اليوم وليس غدا أن تمتلك الجرأة والشجاعة والشعور بالمسئولية الوطنية وتختار احد خيارين لا ثالث لهما ، إما مد يدها إلى هذه السلطة الضعيفة أيا كان قبحها والتعاون معها قدر الإمكان من اجل إعادة المسار الديمقراطي والعملية السياسية إلى سكتها الصحيحة عبر تشكيل حكومة إنقاذ وطني وفق برنامج إصلاحي يستهدف إصلاح دولة الوحدة ودستورها باتجاه الديمقراطية واللامركزية وحفظ حقوق الشراكة والمواطنة ..أو أن تأخذ بالخيار الثاني وهو النزول إلى الشارع وحشد جمهورها وأبناء شعبها لإسقاط هذه السلطة بدلا من تركها تعيث وتلعب وتسقط البلاد على رؤؤسنا جميعا. اعرف بان الخيار الثاني مكلف وستقدم المعارضة وجمهورها وأبناء شعبها من اجله تضحيات جسيمة ولكنها تضحيات مستحقة تظل اقل من تضحيتنا بالبلد . ------------- *نائب رئيس الدائرة الاعلامية في الحزب الاشتراكي نقلا عن صحيفة التحديث